الاقتصاد

انهيارات وشيكة.. إفلاسات وإغلاقات في بنوك السودان وسط الحرب ونازحون بلا أموال

بات القطاع المصرفي السوداني في مواجهة انهيارات وشيكة، بعد أن امتدت آلة الحرب إلى ولاية الجزيرة ذات الثقل الاقتصادي جنوب الخرطوم، والتي لجأ إليها ما تبقى من مؤسسات مصرفية ومالية في الدولة عقب اندلاع القتال بين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) والجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان في إبريل/ نيسان من العام الماضي 2023.

وانضمت ولاية الجزيرة، وسط البلاد، إلى دائرة الحرب منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، بينما تعد ذات كثافة سكانية عالية، وكانت قِبلة للنازحين من القتال في الخرطوم، إذ يعيش حوالي 5.9 ملايين نسمة في الولاية التي تعد سلة غذاء السودان وتحولت إلى قبلة مصرفية بديلة للخرطوم منذ اشتعال الحرب.

واتسعت رقعة القتال إلى 9 ولايات تشهد اشتباكات مستمرة، فيما تزداد المخاوف من اتساع المعارك إلى ولايات أخرى، إذ تتبقى 8 ولايات فقط تشهد استقراراً، وهي: النيل الأبيض (جنوب)، وسنار والنيل الأزرق (جنوب شرق)، والشمالية ونهر النيل (شمال)، وكسلا والقضارف والبحر الأحمر (شرق).

ووفق مصادر مصرفية، فإن كثيرا من البنوك أفلست وأخرى أغلقت أبوابها، وثالثة لا تزال تعمل بنسبة ضئيلة جداً مقارنة بالسابق، فلا يوجد إيداع جديد في ظل صعوبة الالتزام بمستحقات الجمهور، ما جعل غالبية المودعين يسحبون أموالهم بصعوبة قد تمتد لأيام بسبب تحديد سقف السحب اليومي. كما لم تقتصر المعاناة على أصحاب الأرصدة الذين يتدافعون في صفوف طويلة للحصول على ما تبقى من مدخراتهم، وإنما أيضا على النازحين الذين يتلقون تحويلات مالية من ذويهم خارج السودان لإعانتهم على سبل العيش.

يقول المواطن سلمان الشيخ إنه اضطر للوقوف يومياً لساعات طويلة في انتظار دوره لسحب أمواله من أحد البنوك نتيجة لتحديد سقف السحب، مشيراً إلى أن المواطن فقد الثقة تماماً في المصارف، مثل ما فقدت هي أيضاً الثقة في انعدام الأمن والادخار.

وتشير التقديرات إلى أن الحرب تسببت في هروب الكثير من المدخرات على مدار الأشهر التسعة الماضية، ما وجه ضربة قاصمة للقطاع المصرفي الذي تعرضت بنيته التحتية للدمار والسلب والنهب.

وقال الخبير الاقتصادي إبراهيم أونور إن البنوك الآن في أسوا حالاتها، واستمرار الحرب أكثر من ثلاثة أشهر أخرى سوف يعجل بانهيارها، لتصبح كارثة كبيرة على الدولة والاقتصاد، مشيراً إلى ردة فعل المواطنين لسحب أموالهم طبيعية في ظل الأوضاع الحالية للبلاد، بينما هذه السحوبات تعرض البنوك للإفلاس.

وأضاف أونور لـ”العربي الجديد” أن وضع البنوك مرتبط بالوضع الأمني وعدم الاستقرار السياسي، لافتاً إلى أنه تتزايد المخاوف من انتقال ما حدث في ولايتي الخرطوم والجزيرة إلى الولايات الأخرى التي لم تمتد الحرب إليها.

وشرع بنك السودان المركزي في وضع بدائل لتذليل العقبات التي تواجه عملاء الجهاز المصرفي خلال فترة الحرب، وذلك من خلال اعتماد عدد من الضوابط والإجراءات المؤقتة لتسترشد بها المصارف في تقديم خدماتها للجمهور وتسيير أعمالها أثناء الأزمة وإلى حين انجلائها.

وزاد التدهور المالي الاقتصادي من الأزمات المعيشية، لا سيما مع ارتفاع معدلات التضخم إلى أكثر من 400%. وقال الخبير الاقتصادي وائل فهمي إن الوضع الحالي للبنوك خطير ويتعلق بتوفير السيولة للمودعين، وكذلك المقترضين من القطاعات الاقتصادية المختلفة.

وجاءت الحرب في وقت كانت تعاني فيه البنوك السودانية بالأساس من هشاشة في ظل ندرة النقد الأجنبي وضعف التحويلات الخارجية، وسوء الإدارة وانعدام التخطيط طويل المدى وخاصة الاستراتيجي، إلى جانب الضعف العام في علاقات البنوك السودانية بعضها ببعض، لتتعقد أكثر أزماتها في تلبية احتياجات أصحاب الحقوق طرفها بالسيولة التي يحتاجونها دون تسابق لأصحاب الودائع فيما بينهم.

وأعلن بنك السودان المركزي مؤخرا عن حزمة تدابير لحصر وتلافي ومعالجة آثار الأزمة الناتجة عن الحرب، من بينها وضع سقف لتحويلات الأموال يومياً، بحيث لا تتعدى ستة ملايين جنيه، وألا تتجاوز 100 مليون جنيه شهرياً، كما أن الحد الأقصى للعملاء المميزين يبلغ 10 ملايين جنيه في اليوم الواحد كحد أقصى، على ألا يزيد شهرياً على 200 مليون جنيه، فضلاً عن تمكين عدد من فروع المصارف من استعادة عملها بصورة طبيعية في المناطق الآمنة.

لكن الخبير الاقتصادي محمد الناير قال إن أعمال النهب التي امتدت إلى البنوك جعلت جميع المودعين يحتفظون بأموالهم في المنازل سواء كانت عملات محلية أو أجنبية وممتلكات أخرى، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن أكثر من 90% من الكتلة النقدية، أي السيولة، أضحت خارج نطاق النظام المصرفي مقابل أقل من 10% فقط داخل إطار النظام المصرفي.

وأضاف الناير لـ”العربي الجديد” أنه كان ينبغي أن تصدر الدولة منشوراً يقضي بمنع تداول فئات 500 جنيه و1000 جنيه في النشاط التجاري وتكون مقبولة في المصارف فقط، وهذه الخطوة كان من الممكن أن تسهم في إيداع هذه الفئات داخل البنوك مع تفعيل التطبيقات المصرفية والتحويلات الإلكترونية، حتى يستطيع المواطن التعامل عن طريق البيع والشراء بسهولة، وهذه الخطوات كانت ستمكّن البنوك من التعرف على مصادر الأموال بكل يسر فضلاً عن معرفة المبالغ المنهوبة.

العربي الجديد

تعليقات الفيسبوك

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى