أخبار

الفارون من «ود مدني» يواجهون المجهول ومصاعب الطريق

سقطت عائشة أحمد، الأم لأربعة أطفال أكبرهم لا يتجاوز السنوات السبع، على الأرض مغشياً عليها. نبه صراخ أطفالها النائمين في باحة «مسجد السوق الشعبي» بولاية القضارف، فأسرعوا إلى مكانها ليعرفوا ماذا أصابها.

حاولت إحدى السيدات إيقاظها من دون جدوى، بيد أن أحدهم سكب كوباً من الماء على وجهها فاستعادت وعيها، ثم أخذت تبكي وهي تحتضن أبناءها، دون أن تخبر أحداً بما أصابها.

قالت عائشة لـ«الشرق الأوسط» إنها من سكان ود مدني، فرت من المدينة بعد دخول قوات «الدعم السريع» إليها. وتابعت: «ود مدني لم تعد آمنة، والرحلة منها إلى القضارف التي كانت تستغرق ساعات، استغرقت منّا 3 أيام متواصلة، عبر مدينة سنار، وأنا أريد بلوغ كسلا». باتت عائشة ليلتها في المسجد، وفي صباح اليوم الثالث على رحيلها، استقلت الحافلة إلى مسقط رأسها كسلا.

ليست المرأة الثلاثينية وأطفالها الوحيدين الذين واجهوا البرد ومعاناة الهروب، والنوم في الساحات وافتراش الأرض، فساحة «مسجد السوق الشعبي» في القضارف تضم كثيرين ينتظرون الحافلة التي تقلهم إلى ملاذ آمن جديد.

أصبح هذا المسجد ملاذاً مؤقتاً للأسر الهاربة من ود مدني وهي في طريقها إلى ولايات شرق البلاد وشمالها، وبينما يبدو التعب على كبار السن والشباب، إلا أن أطفالاً أكبر سنا كانوا يتندرون بحكايات خروجهم من ود مدني، ويعيدون حكاية «الحرب» وخروجهم من بيوتهم مذعورين، بينما الأطفال الأقل سنا، يدخلون في صراع وبكاء لا يسكتهم منه إلاّ النوم.

لكن الرصاص لم يترك لهؤلاء النائمين في العراء فرصة ليناموا هانئين، فبينما يرتفع صوت «غطيطهم»، أفاقوا على صوت «الرصاص»، ذلك الصوت الذي فروا منه وبسببه، والذي أصابهم وأطفالهم مرة أخرى بالرعب، ليكتشفوا أن سيارات عسكرية تابعة للجيش هي التي أطلقت الرصاصات في الهواء… لماذا لا أحد يعرف. وقال أحد الحضور مازحا: «يبدو أن الحرب ستلاحقنا أينما ذهبنا، نحن لا نحبها، وعلى ولاة أمرها أن يعلموا ذلك».

الرحلة «القسرية والقاسية» التي بدأت من ود مدني والقرى والبلدات حولها يتفرق روادها إلى جهات عديدة، شرقا عند كسلا ومدنها وقراها، وعند بورتسودان التي تبعد قرابة 900 كيلومتر شرقا، أو مدن الشمال الأخرى، هذه المسافات التي في العادة تستغرق ساعات بالسيارة، استغرقت أكثر من 3 أيام بالنسبة للكثيرين، مع تكلفة «مضاعفة» وزيادات في أسعار النقل تتجاوز المائة في المائة.

وأرجع أمين المال بـ«الغرفة القومية لملاك الباصات السفرية» أحمد علي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، ارتفاع أسعار تذاكر السفر إلى ارتفاع أسعار الوقود، والطلب المتزايد على السفر، وقال: «غرفة النقل لم تعلن أي زيادات في فئات تذاكر السفر بين الولايات، لكن الملاك اضطروا لها بسبب الارتفاع الجنوني في أسعار الوقود»، ويضيف: «كان برميل الوقود قبل الحرب بنحو مائة ألف جنيه، لكن ارتفع بعد الحرب إلى مليون ونصف جنيه».

مواكب الهجرة شرقاً

وإلى ذلك، نفى الناطق الرسمي باسم الشرطة فتح الرحمن التوم لـ«الشرق الأوسط» وجود إحصائيات دقيقة عن أعداد النازحين الفارين من الجزيرة ومدينة ود مدني، بيد أنه قال إن مضابط شرطة المرور تشير إلى ارتفاع كبير في عدد الرحلات المتجهة من كسلا إلى بورتسودان، وتقول إن بورتسودان تستقبل يوميا ما يتراوح بين 16 – 25 رحلة، بواقع 50 شخصا في كل رحلة، وإن المدينة استقبلت 100 حافلة نقل كبيرة في غضون أسبوع.

ولا يقتصر السفر إلى بورتسودان على الباصات السفرية وحدها، فهناك حركة نقل كثيفة عن طريق السيارات الخصوصية الهاربة من الحرب، فيما استغلت الشاحنات كوسائل نقل للمسافرين مقابل مبالغ أقل من حافلات نقل الركاب.

وبورتسودان التي يقصدها الهاربون من القتال في ولاية الجزيرة وود مدني، ومن قبل من الخرطوم، هي العاصمة «المؤقتة» التي اتخذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بديلة للخرطوم بعد خروجه من القيادة العامة، بعد أشهر من اندلاع القتال بين الجيش وقوات «الدعم السريع» منتصف أبريل (نيسان) الماضي.

الشرق الأوسط

تعليقات الفيسبوك

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى