تحقيقات وتقارير

التشكيل الوزاري الجديد.. إمّا العبور أو الغرق

أخيراً، وبعد مخاضٍ عسيرٍ، أعلن رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، أسماء وزراء حكومة (الشركاء) الجديدة، التي كانت من المُفترض أن تُعلن في أكتوبر الماضي.

تأخُّر إعلان الحكومة مردّه للخلافات والتباينات داخل الحرية والتغيير من جهة، وداخل الجبهة الثورية من جهة ثانية، وبين الطرفين من جهة ثالثة.. فكلٌّ يسعى للظفر بأكبر عدد من الكراسي في الوزارات.. فحدث التشاكس والفرقة والنفور؛ ومُورست أساليب التخوين بين الجميع.. فبعد أن كانوا في خندق واحد، تحوّلوا لمُحاربة بعضهم البعض، والكل يُوجِّه خنجره نحو الآخر، ونسوا (حلم) بناء دولة الحرية والسلام والعدالة التي كان ينشدها شهداء الثورة؛ ولكن مازال الثوار ينشدون تحقيق ذات (الحلم).

الدرس المهم؛ الذي يجب أن يتعلّمه الجميع، من الواقع الراهن، أن حالة السيولة السياسية والهشاشة التي يجلس عليها السودان الآن، لا تحتمل المزيد من الصراعات حول صغائر الأمور، فالبلد تغلي كالمرجل، فما تشهده أقاليم البلاد المختلفة من “انفلاتٍ أمني، ومظاهر الفوضى، ومُعاناة المُواطنين في كسب العيش، والنزاعات والاقتتال القبلي، والتوترات على الحدود، وانهيار الجنيه السوداني بوتيرة مُخيفة ومُتعمِّدة من جهات مُحدّدة، وغياب العدالة” تقتضي منا جميعاً التعاضُد والوحدة والتوافق على برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي، لمواجهة هذه التحديات التي ستُقرِّر مصير السودان؛ يكون أو لا يكون.

منذ تشكيل الحكومة السابقة، ظلت صناعة القرار تتم في جزر معزولة، (كلٌّ يغني على ليلاه). فالعسكر يقررون في مواضيع مصيرية بمعزل عن المدنيين. وحمدوك يراهن على الخارج دون النظر لتعقيدات الداخل. والحرية والتغيير لم ترتدِ جبة الحكم، ولم ترتقِ لكونها تحالفاً حاكماً، ولم تنزع عباءة المعارضة والاعتراض. والكل لا ينظر ولا يكترث للشارع الذي أتى بهم.

المطلوب من حكومة (الشركاء) الجديدة، ترك المراهقة السياسية – التي يدفع ثمنها الشعب السوداني الآن – والالتفات إلى الأزمات التي تخنق البلاد، والشروع فوراً في حلها، عبر برنامج واضح، يُطبّق في فترة زمنية معلومة، للخروج من دوامة الاقتتال وبحور دماء الأبرياء، وأسر التخلف والجهل والانقلابات التي ظل يرزح تحت وطأتها السودان منذ الاستقلال.

ومن الضرورة بمكان؛ تشكيل برلمان الفترة الانتقالية، يراعى فيه تضمين جميع القوى
السياسية – حتى التي طلقت الحرية والتغيير – وقوى الثورة الحية. فغياب السلطة التشريعية – وليس اجتماع مجلسي السيادة والوزراء – في الحكومة السابقة أسهم بصورة مباشرة، في اختطاف مراكز صناعة القرار؛ لسَن تشريعات وقوانين تتواءم مع معسكراتهم المتناحرة؛ فخرجت قوانين منقوصة تذبح العدالة، وأخرى غابت بالرغم من كونها أكبر أولويات الثورة.. فالبرلمان الحقيقي معنيٌّ بممارسات جميع السلطة التشريعية وفقاً لمبدأ الفصل بين السلطات، بإصدار التشريعات والقوانين، أو إلغائها والتصديق على الاتفاقات الدولية. ومن المُهم أن تجد حكومة (الشركاء) برلماناً قوياً يُمارس مهامه في التشريع والرقابة على أعمال الحكومة؛ وتمثيل صوت الشارع، ووقتها ستغيب (المتاريس)، وبدونه سنكرر ذات إخفاقات الحكومة السابقة.

الجميع في مركب وأحدة، فإمّا العبور أو الغرق..!

المصدر : السوداني

تعليقات الفيسبوك

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى