تحقيقات وتقارير

رفع الدعم عن المحروقات.. هل الغرض معالجة الأزمة الإقتصادية عبر إجراء إصلاحات جذرية أم أنه خطوة لإرضاء صندوق النقد والبنك الدولي؟

ما زال المواطن ينتظر جني ثمار الثورة فيما يلي تحسين الأوضاع الاقتصادية، في وقت تسير المعالجات الحكومية للأزمة ببطء شديد أثار سخط الشارع الذي يعيش حالة من الغليان جراء الارتفاع الجنوني للأسعار وتفاقم الضائقة المعيشية دون أن يلوح في الأفق القريب حل للأمر، بالمقابل ووسط مخاوف من الدخول في صدام مع قوى الثورة وزيادة التوتر في البلاد تجدد الجدل حول رفع الحكومة للدعم عن الوقود بعد أن رشحت معلومات بشأن إيقاف بيع الوقود المدعوم والتحول إلى التجاري وتوحيد السعر بالرغم من إعلانها في وقت سابق عدم نيتها رفع الدعم عن المحروقات بشكل كامل، الأمر يبرز استفهام بشأن إصرار الحكومة على رفع الدعم وهو هل الخطوة الغرض منها معالجة الأزمة الإقتصادية عبر إجراء إصلاحات جذرية للتشوهات في الإقتصاد السوداني أم أن الأمر لا يعدو كونه خطوة لإرضاء صندوق النقد والبنك الدولي وتنفيذ روشته الإصلاحات والتي من بينها الرفع الكامل للدعم عن الوقود

زيادات مفاجئة
وعلى نحو مفاجئ قررت وزارة الطاقة والتعدين تغيير أسعار منتجي الجازولين والبنزين بناء على قرار من وزير المالية هبة محمد علي صدر أمس الاثنين وحدد القرار سعر لتر الجازولين بـ 112 جنيها فيما حدد سعر لتر البنزين بـ 121 جنيها، وكانت وزارة الطاقة اعلنت في اكتوبر الماضي أن الجازولين المدعوم سيتم بيعه بسعر 46 جنيها سودانيا للتر الواحد، والبنزين المدعوم بسعر 56 جنيها للتر الواحد، فيما كان سعر البيع السابق 23 و28 جنيها على الترتيب، فيما حددت سعر لتر الجازولين التجاري بـ 106جنيهات و120 جنيها للبنزين وهو ما يؤكد ان الحكومة الانتقالية منذ وصولها للسلطة بدات تنتهج سياسة تحرير المواد البترولية وظهر ذلك جليا اثناء اعداد الموازانة وان قرار رفع الدعم عن الوقود اتخذته منذ فترة طويلة ولم يطبق لترتيبات متعلقه بالوزارة المختصة

ونذكر انه قبل اكثر من عشرة ايام ارتفعت اسعار لتر البنزين التجاري من 106 جنيهات وفق آخر سعر أعلنه وزير الطاقة المكلف الى 128 جنيها، وقال وزير الطاقة والتعدين خيري عبدالرحمن في تصريح سابق تعليقاً على تلك الزيادات بقوله: ”تفاجأنا بهذه الزيادات، ووزارة المالية لم تخطرنا بها” ومن المعلوم ان الحكومة تدعم الوقود بنحو 2.250 مليار دولار سنوياً وحسب إحصاءات وزارة الطاقة، فإن الإنتاج المحلي يغطي 70% من استهلاك البلاد من البنزين، ونحو 53% من الجازولين، ويتم تغطية العجز بالاستيراد بدعم من الحكومة ويجئ رفع الدعم استجابة لتوصيات المؤتمر الاقتصادي القومي الأول، الذي نظمته الحكومة الانتقالية في نهاية سبتمبر الماضي، حيث اعلنت انها تعتزم رفع الدعم كلياً عن الوقود على أن يتم تخصيص الدعم للمواصلات العامة والنقل الحكومي والمصانع والزراعة

التلاعب بالمستهلكين
وفي وقت سابق حذرت الجمعية السودانية لحماية المستهلك الحكومة من رفع الدعم في ظل هذه الفوضى، وقال الأمين العام لجمعية حماية المستهلك د. ياسر ميرغني في حديث “نرفض رفع الدعم عن الجازولين ولكننا مع ترشيده و ضبطه عبر بطاقات واضحه تخصص للمواصلات العامة فقط”، واضاف ”نحنا لسنا ممن يسكتوا ورفع الدعم عن الوقود مرفوض ولن نقبل ان يتم التلاعب بالمستهلكين” وتابع: ”قبل رفع الدعم لابد من تامين شامل لحياة المستهلكين”. ونذكر أن الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية الممثلة في قوى الحرية والتغييرعارضت رفع الدعم عن الوقود وقد ظل موقفها من رفع الدعم ثابتاً منذالعام 2019 لجهة ان رفع الدعم عن السلع الأساسية سيؤدي إلى آثار كارثية على المواطن الذي يعيش اوضاع اقتصادية صعبة

توفر السيولة
ووصف المحلل السياسي د. أزهري بشير رفع الدعم عن المحروقات بالاستهلاكي وأن مبررات اتخاذه “واهية”، ويرى أنه من المفترض ان يتم رفع الدعم بعد تحقيق الانتاج من خلال تمويل القطاعات المنتجة، وربط الاشكالية الاساسية في الوقود بالمضاربة في الدولار وقال: “اذا توفرت السيولة عبر الانتاج والتوجه نحو الزراعة سيكون هنالك وفرة وانتعاش اقتصادي ينعكس على استيراد السلع الاساسية بما فيها الوقود”. وتابع: ”البنك الدولي يمارس ضغوطاً على الحكومة لرفع الدعم ووضعه كشرط للاقتراض وهي في نظري سياسة خاطئة”

توقيت غير مناسب
في المنحى ذاته قال الخبير الاقتصادي د. عز الدين إبراهيم إن الدعم مسالة حساسة لذلك كانت الحكومات تخشى من الإقدام على خطوة رفعه للعواقب السياسية ولرفع تكلفة النقل والانتاج، واشار الى ان عملية رفع الدعم عن المحروقات سارية منذ عشرات السنين، ولفت الى انه في العام 2013 حاولت الحكومة البائدة رفع السعر بشكل جزئي مما أدى لاحتجاجات راح ضحيتها عدد من الضحايا. وأوضح ان رفع الدعم بالنظر للموازنة يأتي ضمن الايرادات فالحكومة تشترى بسعر عالي وتقوم بالبيع للمواطن بسعر منخفض، وكشف عن عجز كبير في الموازنة الذي من عناصره دعم الوقود وبالتالي ازالته الهدف منها اصلاح الموازنة وتقليل الاستدانة من البنك المركزي وبالتالي خفض التضخم لكن المفارقة أن رفع الدعم يؤدي الى ارتفاع الاسعار، ويرى ان ماهو معقول اقتصاديا قد لا يكون مقبول سياسياً رغم أثره الإيجابي على الميزانية وميزان المدفوعات الخارجية وايقاف التهريب وتقليل استهلاك الوقود، ويضيف قائلاً: “ولكن في المقابل يتوقع ارتفاع الاسعار وبالتالي القرار من ناحية اقتصادية صحيح ولكن لابد من حساب مدى تقبل الناس له وفي مثل هذه الظروف كان لابد من تأخير رفع الدعم لأن التوقيت غير مناسب في ظل هذه الأوضاع”

تحرير وتجميد
وأكد عز الدين في حديثه أن الحجج التي صاغتها الحكومة لإزالة الدعم معقولة، وقامت بعمل ما كانت تخشاه كل الحكومات السابقة. وأضاف: ”ولكن هل الشعب مستعد لتقبل الصدمة الأولى؟”. وتساءل: “هل الإزالة تعني تحرير سعر الوقود بمعنى انه يرتفع ويهبط حسب السعر العالمي؟.. وهل هو تحرير ورفع السعر ثم التجميد؟”. وقال: “إذا قامت الحكومة بتجميد السعر وارتفع السعر العالمي فسوف يعود الدعم مرة أخرى للموازنة وإذا قامت بتجميد السعر وانخفض السعر العالمي ورفضت الحكومة فهذا يعني أنها اتخذته مصدر إيراد”. ويضيف: “اذا حررت الوقود يجب أن تترك السعر للسوق اذا كانت صادقة”. وتساءل: “هل هنالك قيمة مضافة للوقود؟”. وأكد أن وجود ذلك سيؤدي إلى ارتفاع الاسعار ومشقة المواطن، وحمل الحكومات الولائية مسؤولية تحديد تعرفة المواصلات لإغلاق الطريق أمام أي فوضى في التعرفة، وشدد على أهمية ترتيب النقل البرى، وتوقع تذبب أسعار التذاكر بشكل أسبوعي خاصة وان الوقود ليس العامل الوحيد لارتفاع تكلفة التشغيل

(صحيفة المواكب)

تعليقات الفيسبوك

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى