الاقتصاد

بعد عام على حرب السودان.. خسائر تقدر بـ (150) مليار دولار و إنهيار القطاع المصرفي

مع طول أمد حرب الخرطوم التي أكملت عامها الأول، اتسعت رقعة الحرب وحجم الدمار والخسائر التي لحقت بكل قطاعات الاقتصاد السوداني والتي تقدر بمليارات الدولارات، فالقطاع الصناعي تدمر بنسبة 95 في المئة خصوصا في ولايات الخرطوم والجزيرة ودارفور، مما يمثل 90 في المئة من الصناعة في البلاد

وتابع السودانيون بألم وحسرة من خلال مقاطع الفيديو المصورة والمنتشرة بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي ما تعرضت له البنية التحتية لعاصمة بلادهم من دمار كبير لا يمكن وصفه، مما طرح تساؤلات عدة عن حجم الخسائر العامة والخاصة من جراء هذا الدمار، وكيف يمكن إعمارها؟ وما حال اقتصاد البلاد بعد كارثة الحرب؟

يقول أستاذ الاقتصاد السياسي في الجامعات السودانية حسن بشير محمد نور “أثرت الحرب التي اندلعت في الـ25 من أبريل 2023 على 10 من ولايات السودان بما فيها ولاية الخرطوم التي تعتبر العمود الفقري للاقتصاد السوداني من حيث البنى التحتية والإنتاج والخدمات الأساسية بما فيها الخدمات المالية والمصرفية والاتصالات، إضافة إلى القوة الشرائية والاستهلاك العائلي”.

ويضيف أن “الحرب امتدت كذلك إلى ولاية الجزيرة أكبر ولايات البلاد من حيث الإنتاج الزراعي بما في ذلك إنتاج القمح الذي يسهم في حصة مهمة من الأمن الغذائي لمعظم المواطنين، إضافة إلى توفير رصيد مهم من النقد الأجنبي لجهة إحلال الواردات أو الصادرات، كذلك امتد تأثير الحرب الي ولايات دارفور الخمس التي ارتكبت فيها أبشع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وأيضاً ولايات كردفان فضلاً عن مناطق في ولايات النيل الأبيض وسنار والقضارف”.

ويوضح محمد نور أن “في السودان كثافة سكانية كبيرة وتمركز كبير للبنية التحتية الأساسية التي تحرك ماكينة الاقتصاد والمال والأعمال في الخرطوم وولاية الجزيرة والولايات المتأثرة بالحرب. فالبنية التحتية لشبكة الاتصالات والمقاصة الإلكترونية، وشبكات وبنوك المعلومات والمعارف توجد في الخرطوم، وكذلك المؤسسات الصحية بما فيها مراكز الأمراض المزمنة ومستعصية العلاج وبنوك الدم والإمدادات الطبية والصيدلانية، والمؤسسات التعليمية بما فيها أكبر الجامعات العامة والخاصة والمراكز البحثية، إضافة إلى ثقل القوى العاملة والمهارات ومراكز التدريب وبناء القدرات الأساسية، وتضاف إلى ذلك مراكز المؤسسات اإايرادية ومطابع العملة ومعامل معالجة الذهب والمطار الرئيس للبلاد ومقار القوات النظامية والوزارات والمؤسسات العامة”.

الكلف الاجتماعية

ويشرح أستاذ الاقتصاد السياسي أنه “إضافة إلى كلف الحرب المباشرة وغير المباشرة على حياة المواطنين، فإن الخسائر المباشرة المتمثلة في الدمار والتلف والصرف على الحرب تقدر بما لا يقل عن 150 مليار دولار، الا أن كلفة توقف الأعمال الخاصة بالإنتاج وقطاعات الأعمال والتجارة والتمويل والإيرادات العامة وخروج كثير من النقد الأجنبي مع من نزحوا إلى خارج البلاد تعتبر باهظة بجميع المقاييس الاقتصادية، مع كلفة تعطل الجهاز المصرفي بصورة كبيرة وتوقف حركة التحويلات المصرفية والتمويل والنقل الجوي والبحري والتجارة العابرة للحدود عبر المعابر، إلى جانب تعطل شبكة الاتصالات والإنترنت، لأدركنا جسامة كلفة الحرب، أما كلفة التنقيب عن الذهب وتصديره فهي غير مرصودة حتى الآن، كما يجب إضافة توقف الاستثمار الأجنبي والمنح والإعانات الدولية والإقليمية إلى كلف الحرب”.

ويقول “يجب أن ندرك أن الكلف الأكثر جسامة للحرب هي الكلف الاجتماعية المتمثلة في إزهاق الإرواح والإصابات والإعاقات والأمراض وإسقاط وموت الأجنة والعاهات النفسية وكلف فقدان التعليم العام والعالي والتشرد والنزوح والهجرة من دون كفالة أو رعاية إقليمية أو دولية، وخطر المجاعة الذي يهدد أكثر من نصف سكان السودان. كما نجد أن معظم المواطنين الذين نزحوا بسبب الحرب أو لجأوا إلى الخارج فقدوا أعمالهم وممتلكاتهم أو مصادر دخلهم، أو في الوقت ذاته أصبح معظم العاملين في القطاعين العام والخاص إما عاطلين من العمل أو لا يحصلون على رواتبهم بصورة كاملة أو يتسلموا جزءاً منها على نحو متقطع سواء الذين يعملون على المستوى الاتحادي أو الولائي، مما فاقم مستويات الفقر والمعاناة وحتى الموت بسبب الجوع أو فقدان الرعاية الصحية والدواء، خصوصاً بالنسبة إلى أصحاب الأمراض المزمنة والأطفال والنساء الحوامل والمرضعات”.

الحكومة السودانية أعلنت أن قرار تعويم الجنيه هدفه القضاء على التشوهات الحالية في الاقتصاد السوداني

ويعتبر محمد نور أن التدهور البالغ الذي حدث لسعر الصرف خلال هذه الحرب أحد أعراض الأزمة الاقتصادية الهيكلية، فضلاً عن ضمور الصادرات واحتياطات النقد الأجنبي والعجز الكبير في ميزان المدفوعات، لذا لا بد من أن يتم بعد الحرب إصلاح اقتصادي ومالي شامل لا يقتصر على تغيير العملة فقط.

فجوة غذائية

في السياق ذاته، يقول المتخصص في علم الاقتصاد عبدالعظيم المهل إن “الحرب التي تدور رحاها منذ عام موجهة نحو الإنسان السوداني واقتصاد البلاد وبنيته التحتية والمعلوماتية، فحطمت الصورة المشرقة للمواطن وهددت كثيراً من المسلمات في النسيج الاجتماعي، بل أدت إلى اهتزاز الثقة بالآخر وعاش معظم السودانيين أسوأ عام في حياتهم بنفسيات محطمة ومن دون أمل، وتم تشريدهم وإذلالهم ونهب ممتلكاتهم، خصوصاً أنه معروف أن المواطن السوداني يقضي 75 في المئة من حياته في إعمار منزله وعندما يفقده يدخل في حال نفسية سيئة وبدأ يتساءل عن السبب الذي جعل قوات “الدعم السريع” تقوم بهذا الفعل المشين وما هو الذنب الذي اقترفه مزارع في أقصى قرى ولاية الجزيرة ظل يرفد الاقتصاد السوداني ويوفر الغذاء لكثير من ولايات السودان، فكل ذلك يكون له تأثير كبير في الإنتاج والإنتاجية في جميع مناطق البلاد، خصوصاً في الجزيرة ودارفور والخرطوم”.

ويعرب عن اعتقاده بأن “كلفة آثار الحرب تقدر بحوالى مئة مليار دولار، وتأثرت معظم القطاعات الإنتاجية من هذا القتال، فمثلاً القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني الذي يوفر وظائف لأكثر من 80 في المئة من السودانيين تعطل بصورة شبه كاملة في ولاية الجزيرة وولايات دارفور والخرطوم، وبصورة أقل حدة في ولايات كردفان، فيما انعدمت الحركة والتمويل وتوريد مدخلات الإنتاج للولايات الأخري وأدى ذلك إلى فجوة غذائية في كل أقاليم السودان وأصبح أكثر من 20 مليون مواطن معرضين للجوع”.

أما بالنسبة إلى القطاع الصناعي، فيقول المهل إنه “تدمر بنسبة 95 في المئة خصوصاً في ولايات الخرطوم والجزيرة ودارفور، مما يمثل 90 في المئة من الصناعة في البلاد، وأصبحت المصانع خالية من البشر والمعدات والمواد الخام والمال والأنظمة وغيرها، كما تضررت الصناعة في بقية ولايات السودان، وتقدر خسارة هذا القطاع بنحو 20 مليار دولار، في حين دمر في قطاع الخدمات القطاع المصرفي بصورة شبه كاملة في ولاية الخرطوم والجزيرة ودارفور، وإلى حد ما في بقية الولايات وتوقفت التجارة في كثير من الولايات الأخرى، وانقطعت خطوط الإمداد وأغلقت طرق الصادر وتأثر ميزان المدفوعات سلباً”.

ويلفت إلى الخسائر التي لحقت بسعر الصرف، قائلاً “قبل بداية الحرب كان سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني أقل من 500 جنيه واليوم وصل إلى 1400 جنيه وهي كارثة اقتصادية كبيرة وللأسف نجد الحكومة تتفرج في وقت تآكلت نقود الناس التي في جيبهم، مما أدى إلى مزيد من الإفقار، مشيراً إلى أنه نتيجة لذلك، فقد الملايين من المواطنين وظائفهم وفقدت الرأسمالية رأسمالها وفقد المستثمرون ثقتهم بالسودان وهربت حتى رؤوس الأموال السودانية من البلاد.

وبيّن المتخصص في علم الاقتصاد أن معالجة الوضع الاقتصادي بعد وقف الحرب وإصلاحه يكمنان في حوسبة الاقتصاد بصورة كاملة لمنع المحسوبية والفساد وتطبيق حكم فيدرالي حقيقي بسلطات كاملة وموارد وتمويل، إلى جانب ضرورة بناء ما لا يقل عن خمس مدن صناعية في أقاليم السودان المختلفة، وكذلك تشييد البنى الأساسية والمعلوماتية عن طريق نظام “بي أو تي”.

نقلا عن (اندبندنت عربية)

تعليقات الفيسبوك

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى