المقالات

من وكيف يصنع الاعلام؟

صباح أمس في ملتقى الاعلام والسياسة الذي نظمته نقابة الصحفيين السودانيين ، وفي الجلسة الأولى، الأستاذ محمد الفكي سليمان قال معقبا على ورقة قدمها دكتور النور حمد (اعلام النظام السابق أقوى من اعلامنا.. هم يملكون المال والاعلام)..

قبل سنوات -خلال عهد النظام البائد- وقف وزير الإعلام أمام البرلمان شاكياً أن اعلام المعارضة أقوى من اعلام الحكومة، وضرب مثلا باذاعة “دبنقا” قال أنها وحدها تهزم كل الاعلام الحكومي ، وقال أن زوجته في البيت تحرص على متابعة “اذاعة دبنقا”.

حكومة النظام السابق تشتكي من الاعلام وتعتبره معارضا، والآن الحرية والتغيير – وهي الحزب الحاكم حتى فجر الانقلاب في 25 أكتوبر 2021- تشتكي من الاعلام.. فمع مَنْ الاعلام؟ أمع النظام البائد أم الثورة؟

و قبل الخوض في الحيثيات.. الاجابة المباشرة هي، لا مع هذا ولا ذاك؟ فهناك فرق بين وسائط الاعلام.. والاعلام.. فقد تتوفر الوسائط الاعلامية الوثيرة ولا تتوفر لها الرسالة الاعلامية المؤثرة..

الاعلام، سادتي، ليس فريقا لكرة القدم ولا فرقة عسكرية تحمل السلاح وتمطر به العدو، ولا كورال فني يغني اللحن الذي يحبذه “سيد المسرح”، ولا سلعة يمكن لمن يملك أكثر ان يشتريها.

خلال السنوات العجاف للنظام البائد وعندما ساوره احساس الضعف تجاه الاعلام فكر في “امتلاك المنابر”، فأسس صحيفة “الرائد” وخصص لها أفضل مبنى في أجمل وأعرق حي فاخر بالخرطوم، وكانت تتراص أمام مقرها الصافنات الجياد من السيارات الفاخرة.. واغدق النظام على صحيفته وعندما كانت الصحف تئن تحت وطأة 16 كانت “الرائد” تصدر ب24 صفحة كاملة التلوين، وحتى لا نظلمهم كانوا فعلا يقدمون صحافة متنوعة دسمة، حتى الصوفية خصصوا لها ملحقا خاصا أسموه “اهل الله”.. واستوعبت الصحيفة أفذاذ الصحافة.. ومع تعثر توزيعها أمرت الحكومة كل وحداتها أن تشترك فيها، ومع ذلك ما لبثت قليلا حتى ترنحت ثم هوت..

وعلى الرغم من أن الحكومة تملك الاذاعة والتلفزيون وقناة النيل الأزرق لكنها لمزيد من الجشع الاعلامي املكت فضائية “الشروق” ومن فرط تخمة الميزانية الخصصة لها اسست مقرهافي امارة دبي، لتبث من أفضل منصة اعلامية ممكنة.. واستجلبت لها مذيعات عربيات وادارات أجنبية رفيعة، ولم تبخل عليها بعشرات الملايين من الدولارات ، ومع ذلك سنة وأخرى ثم بدأت تترنح.. ثم هوت..

كان واضحا أن المال لا يصنع اعلاما ولو ابتلع مال قارون في جوفه.. وعلى النقيض تماما اذاعة “دبنقا” مع قلة مواردها وشح امكانياتها كانت تهزم جيوش الاعلام الحكومي ..

المال لا يصنع الاعلام مهما فاض وتدفق.. فالمحك في الاعلام هو “الرسالة الذكية” التي تدرك جيدا أهدافها وتعلم كيف تحقق هذه الأهداف..

والاعلام ليس مجرد كلمات تكتب أو تنطق أو صور وفيديوهات تشاهد، هو رؤية وخطة ذكية تصنع التأثير المطلوب..

و مهما كان الاعلام ذكياً أو خبيراً فهو لا يستطيع طمس الحقيقة.. صحيح قد يفشل في ابرازها وهنا نقطة الضعف لكنه في المقابل لا يستطيع تغييرها.

الاعلام فكرة و رؤية و تأثير..

المصدر: التيار

تعليقات الفيسبوك

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى