العالم

درس من الهند في مواجهة العقوبات!

ثبات موقف الهند في رفض تطبيق العقوبات على روسيا في سياق التبادل التجاري الهندي- الروسي، وتمسكها بحق الهند كدولة ذات سيادة وحضارة وتاريخ في استقلالية علاقتها المالية والتجارية دون وصاية من دولة أخرى، درس مهم لأمريكا وللعالم كله.

هو تغير دولي سببه التصلب الأمريكي في المواقف ومحاولة فرض القرارات على الجميع من طرف واحد، وعلى اي دولة الطاعة والامتثال الفوري حتى وإن كانت هذه الأوامر تضر باقتصادها.
ما حدث تغير دولي لأن الهند دولة ديموقراطية، بل هي أكبر ديموقراطية في العالم من حيث التعداد السكاني، إذ لو حسبنا سكان العالم الذين يتوجهون لانتخابات ديموقراطية حقيقية ويختارون رؤسائهم وحكامهم ونوابهم، فالهند لديها نصف الكتلة التصويتية المسجلة في العالم، بينما النصف الآخر للدول الأخرى كلها بما فيها أمريكا الشمالية وأوربا واستراليا وماليزيا وغيرها.
بتعبير ادق، صندوق الاقتراع الديموقراطي الدولي نصفه أصوات هندية.
السبب واضح للغاية وهو ارتفاع نسبة المشاركة الانتخابية في الهند بسبب تفوقها وتحديثها المذهل مؤخرا للنظام البايومتري، وتدني نسب المشاركة الانتخابية في الدول الغربية ليصل بعضها أقل من 30%.
أمريكا تعاقب روسيا ولكنها عمليا تعاقب أي دولة تتعامل مع روسيا، وكأنها بذلك تعاقب كل فم في العالم يأكل لقمة عيش من قمح روسي.
وتعاقب أي مضخة مياه للزراعة تعمل بكهرباء من وقود روسي، تعاقب أي مدفأة وأي مطحنة وأي مصنع نسيج.
في حالة الهند، من المستحيل أن تضحي دولة ديموقراطية، ذات حكومة منتخبة شعبيا، دولة تعرف مصالحها القومية منذ فجر التاريخ، نعم، من المستحيل أن تضحي بعلاقاتها مع روسيا فقط لأن الاتحاد الاوربي وحلف الناتو وضعوا خطة لضم أوكرانيا وفشلت وأدت إلى حرب أحالت 20% من الشعب الأوكراني إلى نازحين ولاجئين.
ما هي علاقة الهند بهذا الفشل؟ وما الذي يفرض عليها دفع ثمن أخطاء أوربا وأمريكا؟
بالرغم من متابعتي وتسليطي الضوء على التيار الأمريكي الرافض للافراط في استخدام العقوبات الأمريكية في العالم إلا أنني لم أرى حركة أمريكية أفشل منه في الداخل الأمريكي، إذ لم تطبق كل الادارات الأمريكية والكونغرس من توصيات هذا التيار إلا القليل والقليل جدا.
رافضو العقوبات ليسو أجانب ولا ناشطين حقوق إنسان، إنهم خبراء أمريكان ينطلقون من كبريات مراكز البحث والتفكير في العاصمة الأمريكية واشنطون دي سي، وبعض هذه المراكز أسسها الكونغرس نفسه على أساس ثنائي الحزب وتتلقى الدعم من الدولة.
والإدارة تأخذ بتوصياتها بل وتحيل إليها بلورة مشاريع القوانين والاستراتيجيات، ومن آخرها استراتيجية الحد من الصراعات والتطرف العنيف 2020، وهي استراتيجية تحل محل مكافحة الارهاب جزئيا في بعض البلدان وتعمل معها في أخرى، لكن بالتأكيد المستقبل لها.
للأسف ذات المراكز تتحول دراساتها في قضايا العقوبات إلى “حبر على ورق”!
النتيجة العملية للعقوبات هذه المرة جاءت بزيادة المبيعات الروسية من النفط الخام والأسمدة والمنتجات الزراعية إلى الهند
ومع هذا لا يزال العالم كله متضررا وبما في ذلك الهند بسبب عدم الاستقرار في نظام التسويات الدولية على خلفية العقوبات المصرفية والمالية ضد روسيا.
لن يتوقف العالم، سيبحث عن بدائل ولذلك فتحت البنوك الروسية عشرات الحسابات بالروبية الهندية في البنوك الهندية للتسويات التجارية.
وبدأت الهند عمليا تسوية حساباتها مع روسيا بالروبية الأسبوع الفائت، بعد منتصف ديسمبر 2022.
في أحد الدراسات الأمريكية تم تشبيه “العقوبات الأمريكية” بالافراط في استخدام المضادات الحيوية في أي التهاب، بعدها سيتم تثبيط الجسم من انتاج المضادات لاعتماده على مصدر خارجي.
ثانيا وهو الأخطر ستتطور الالتهابات والبكتريا وتصبح لديها قدرة على مكافحة المضاد الحيوي (أنتي بايوتيك) فيصبح عديم الجدوى.
مع وجود 34 دولة في العالم فيها عقوبات أمريكية على الحكومات أو المؤسسات أو الأفراد، سيتم تطوير البدائل، وتصبح العقوبات عديمة الجدوى.
الهند ليست دولة صغيرة يمكن أن تمنعها من القمح الروسي وترسل لها باخرة تأكل منها ثلاثة أشهر ريثما تصدر لها اعتماد معونات بديلة من الكونغرس، هذا اسلوب يصلح مع دول صغيرة ولا قرار لحكومتها في مهب الرياح الأمريكية.
لكن عندما تتحدث عن “شبه قارة” ورائدة لمعسكر التحرر في العالم الثالث، وصانعة مبدأ عدم الانحياز، فالأمر يختلف.
يضاف إلى هذا أن أمريكا بسبب العقوبات على روسيا تتسبب في تمدد الصين اقتصاديا، بل وتتسبب في تمدد روسيا أمنيا في أفريقيا، لأنها تحتاج المزيد من الذهب والمعادن لمقاومة الحصار، بينما أوربا وعلى رأسها فرنسا تنسحب من أفريقيا تاركة الفراغات الضخمة لروسيا وشركاتها الأمنية.

المصدر: الانتباهة

تعليقات الفيسبوك

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى