المقالات

كرة القدم لم تعد مجرد كرة قدم

الاهتمام بكرة القدم هذه الرياضة العالمية التي بز اهتمامها حتى الاهتمام بالشأن السياسي.

فكم من لقاء سياسي أجل بسبب مباراة مقامة في منافسات كأس العالم.
وكم من رئيس حرص على دعم فريقه وعلى حضور مباراته.
إلا أنه بمرور الوقت لم تعد هذه الكرة المستديرة تفرز الشأن الرياضي فقط وذلك من جانبين.
الأول خاص باللاعبين.
والثاني خاص بالدول الراعية للفرق المشاركة في البطولة.
في السابق كان الأمر أكثر من طبيعي حيث تجمع كرة القدم بين الدول التي تملك الإمكانيات المادية والتدريبية، وهذا الجانب تمثله الدول الأوروبية، والجانب الآخر تمثله مهارات اللاعبين، وهذا الجانب تمثله إما دول أمريكا اللاتينية أو الدول الأفريقية.
فدول أمريكا اللاتينية والدول الأفريقية تملك مهارات اللاعبين لكنها دول فقيرة فانتقلت بمهاراتها للدول الأوروبية التي ترعى فرقها بميزانية قد تفوق ميزانية دولة في الدول الفقيرة.
ولم تكن هناك أي أزمة، فالمصالح مشتركة فإن كان اللاعبون يركضون خلف المال وخلف تنمية مهاراتهم، فالدول الأوروبية تركض خلف المهارات وخلف تحقيق الفوز.
إلا أنه وبما أن منافسات كأس العالم جاذبة لكل شعوب العالم برزت من خلال منافساتها المحتدمة والقوية قضايا مختلفة تتعلق بالهوية والمعتقد.
هذه القضايا لم تبرز من اللاعبين والجمهور فقط بل حتى على مستوى الدول ظهر هذا الصراع جليا خصوصا خلال منافسات كأس العالم في نسختها الثانية والعشرين التي كانت مقامة بالدولة العربية قطر في ٢٠٢٢م والتي انتهت بنيل الأرجنتين الكأس بجدارة بقيادة لاعبها الفذ (ميسي).
برزت قضايا الهوية والمعتقد من خلال تصدامات أوضحت أن كرة القدم لم تعد مجرد كرة قدم.
فقد ظهرت لنا ألمانيا من خلال لاعبي فريقها رافضة ضوابط البطولة التي فرضتها قطر المنظمة للبطولة.
فكما أن قطر رفضت أن تقحم العقائد المجتمعية خلال البطولة خصوصا تلك المعتقدات المختلف حولها إلا أن بعض الدول أصرت على فرض عقائدها خلال البطولة الأمر الذي أظهر السؤال القديم إلى السطح وهو:
هل كرة القدم يمكن أن تكون بطولة عالمية تضم الجميع بغض النظر عن معتقداتهم وهوياتهم أم أنها لا تستطيع؟
وما إن حسمت قطر تلك الممارسات التي تتنافى مع عقيدتها كأمر طبيعي إلا وظهر لنا لاعب فرنسا المحترف (مبابي) يتحدث في مؤتمره الصحفي عن الاعتداءات العنصرية والدينية التي وجهت لهم من قبل فرنسيين باعتبارهم لاعبين ليسوا فرنسيي الأصل كما وجهت له هو تهم خاصة برفضه لبعض المنتجات التي تتنافى مع عقيدته كمسلم.
لم يكن هذا الصراع قائما من قبل، فكل الحوارات واللقاءات مع اللاعبين كانت لا تتعدى القدم الذي يلعب به اللاعب واللياقة البدنية التي يمتلكها.
أما الحديث عن المعتقدات والهويات لم يكن ظاهرا على الإطلاق.
ما الذي جد؟
أم أن هذه القضايا كانت موجودة أصلا لكنها لم تكن تظهر على السطح، فجاء الوقت الذي جعلها تظهر على السطح؟
أم أنها مجرد فرقعات ليس لها أدنى عمق في منافسات كأس العالم؟
لاعب فرنسا المحترف (مبابي) قطعا لن تستطيع الكاميرون بوضعها الحالي أن تحقق له مطالبه المادية مثل ما تفعل فرنسا.
وإن اختار (مبابي) الكاميرون واشترى دينه ووطنه واستغنى عن عروض الفرق الأوروبية، فتبقى هذه حالة خاصة إن طبقها (مبابي)، فليس بالضرورة أن يطبقها اللاعبون الآخرون أصحاب الأصول الأفريقية والإسلامية.
وكذلك إن رفضت قطر بصورة حاسمة كل ما يتعارض مع ثقافتها وعقيدتها، فلا يعني ذلك أن جميع الدول التي تشترك معها في المعتقد والثقافة ستحذوا حذوها.
مما يعني أن كرة القدم لم تعد مجرد كرة قدم فهل تتدخل ال(فيفا) لحسم صراعات الهوية والمعتقد بين اللاعبين من جهة، وبين الدول من جهة أخرى كما تدخلت لحسم إخفاقات وعثرات حكم المباراة بإدخال مهارة ال(فار) تلك المهارة التي أنجزت بنسبة كبيرة في التخفيف من أخطاء الحكام؟
هل ستبقى كرة القدم مجرد كرة قدم تبحث عن اللعبة الحلوة؟
يبدو أن الأمر لم يعد كذلك.
والذين يراهنون على أن العالم كتلة واحدة ها هي هذه القناعة بدأت تتزلزل على الأقل تحت أقدام (مبابي) نجم فرنسا الفذ صاحب الأصول الكاميرونية الجزائرية.
بدأت تهتز تحت أقدام لاعبي دولة ألمانيا حينما عبروا عن رفضهم داخل الميدان من الإجراءات التي قامت بها دولة قطر، فهم لم ينتبهوا للكرة المستديرة، وقطر لم تسمح لهم بأن يتجاوزوا كونهم لاعبين لكرة القدم.
العجيب في الأمر أن دولة قطر صاحبة القيم والمبادئ هي التي كان ينبغي لها أن ترفض هذه الدول التي تخالفها العقيدة والهوية، فبينما قبلت قطر بكل رحابة صدر ورحبت بكل أصحاب الثقافات والمعتقدات الأخرى، فإذا بتلك المعتقدات هي من اعتدت وهي من تعدت حدودها.
مما يعني وبصورة قاطعة أنه ليست ثمة منطقة وسطى.
يبدو – والله أعلم – أن هذه المنطقة الوسطى يريد كأس العالم أن يعمل على إخفائها وبالتالي تبرز النظرية التي غابت عن العالم أمدا طويلا سواء عن قصد أو غير قصد بأنه لا يمكن أن يعيش الباطل جنبا إلى جنب مع الحق.
حيث تقول النظرية فما أن يكتشف هذا الباطل بأن الحق كاد أن يغلبه ويسيطر عليه سرعان ما يظهر على حقيقته ويكشر عن أنيابه.
أما الحق فهو يتعايش مع الباطل جنبا إلى جنب؛ لأنه لا يخشى على تمسكه بالحق وواثق من نفسه، فلسان حاله يقول إن قبل بي الباطل وانتقل معي إلى الحق فبها ونعمت، وإن لم ينتقل فهو حر.
أما الباطل فلم يتقرب إلى الحق إلا ليغويه إلا ليضله معه هذه هي غايته التي يسعى إليها.
هنا المفارقة وهنا يظهر انعدام المنطقة الوسطى التي كثيرا ما يحاول البعض من أن يثبت وجودها ويدافع عنها، ويستدلون بمناسبات عالمية مثل منافسات كأس العالم.
فهل يا ترى سيثبت كأس العالم هذه المنطقة الوسطى التي تجمع العالم أم أنه سيلغيها؟
الإجابة ستظهر خلال مونديال ٢٠٢٦م خصوصا إن كان المنظم له دولة عربية مسلمة.

المصدر: الانتباهة

تعليقات الفيسبوك

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى