أخبار السودان

من «كيان الوطن»إلى «درع السودان» من يحرك خيوط المليشيا؟

نظّمت قوات “درع السودان” في أول نشاط لها عرضاً عسكرياً يوم السبت 17/12/2022 بمنطقة الجبال الغُر في سهل البطانة وسط السودان.

وأكّد عضو هيأة القيادة في درع السودان “وليد الشوبلي” لسودان تربيون: “إنّ إظهار القوة الذي جرى بالبطانة يمثل قطاعاً واحداً، قوامه 35 ألف جندي وإنّ العدد الكلي للمقاتلين في كافة القطاعات يزيد عن ذلك بالآلاف”.

وقال: “المقاتلون يقبلون بكثافة للانضمام إلينا، ولدينا معسكرات تعمل على تدريب المقاتلين وإعدادهم”

يقطع القادة العسكريون لهذه القوات بأنها مستقلة لا ترتبط بحزب سياسي أو قبلية ولا تتبع لأيٍّ من القوات النظامية، وتسعى لصون وحماية أقاليم من شمال وشرق ووسط السودان، في وقت تتكاثر فيه الجيوش والمليشيات بالبلاد ويتداعى السلم والأمن الأهليين.

ما الهدف الاستراتيجي لهذه القوات ولماذا تعارض اتفاق جوبا؟

أكّد أبو عاقلة كيكل” الذي أعلن عن نفسه قائداً عاماً لتلك القوات في كلمة أمام حشد من الجند: “إن الواقع القائم هو الذي فرض إنشاء هذه القوة لتحفظ الأمن وتعيد التوازن الاستراتيجي بالبلاد، في ظل اتفاقية جوبا التي ظلمت وسط وشمال وشرق السودان وكانت سبباً في قيام درع السودان”

وأعلن كيكل: “إن الهدف الاستراتيجي من تكوين هذه القوات هو الدفع نحو قيام ترتيبات أمنية تشمل جميع المليشيات وتفضي لتشكيل جيش وطني موحد”

وقال: “عندما يتم دمج قوات الحركات المسلحة وقوات الدعم السريع بالقوات المسلحة السودانية حينها يمكن دمج هذه القوات، وإلا فستظل قوات الدرع لحماية السودان”

من هو كيكل وكيف برز قيادياً؟

يعرف”أبو عاقلة محمد أحمد كيكل” وهو ضابط بالمعاش يتحدّر من سهل البطانة، وسط السودان، وبرز ناشطاً وعضواً بالمكتب التنفيذي لمنبر البطانة الحر – كيان شعبي يهتم بالشؤون العامة في المنطقة- وشكّل الرجل حضوراً لافتاً بالمحافل التي نظمها المنبر الأهلي حيث ظهر ممثلاً للمنبر خلال لقاء جمعه مع رئيس حركة وجيش تحرير السودان “مني آركو مناوي انعقد بمدينة تمبول في (ديسمبر 2020) وبحسب منشور صادر عن المنبر “أطلعت عليه سودان تربيون” فقد بحث أبو عاقلة مع رئيس الجبهة الثورية أهداف المنبر ومطالب أهل البطانة وتم التوافق على لقاء يحدد لاحقاً بقيادة الجبهة”

ويوضح المتحدث الرسمي باسم المنبر يوسف عمارة أبو سن لسودان تربيون: “إنّ كيكل نشط في وقت مبكر من خلال المنبر الذي سعى بالفعل لفتح قنوات اتصال مع الحرية والتغيير وقوى سياسية أخرى، لبناء تفاهماتٍ بين المنبر وتلك الأجسام والتحالفات السياسية، لكن جهوده لم تكلل بالنجاح، وهو ما أدى لتشكل قناعة لدى كيكل ومجموعته بأن أدوات العمل السياسي السلمي غير مجدية”

خطاب التهميش

يتبنى كيكل خطاباً يعتمد فكرة التهميش مدخلاً رئيسا للتعبير عن مطالب أهل منطقة البطانة، حيث قال في كلمة خلال لقاء جماهيري نظمه منبر البطانة في فبراير 2021): “نحن نريد لمنطقة البطانة أن تكون ممثلة في كل الوحدات النظامية والمجلس السيادي والانتقالي لأنها المنطقة الوحيدة المهمشة في السودان، حيث بدأ التهميش بتقسيم البطانة بين خمس ولايات، وإذ تمتلك المنطقة موارد اقتصادية هائلة فإن جميع ذلك يذهب لغيرها ولا يظهر في تنميتها ولا بنياتها التحتية”

وأطلق الرجل تهديداتٍ جديّة بالقول: “إن لم نحصل على حقنا بوقفتنا وبسلميتنا هذه، سنأتي به بمروقنا وسنأتي به بالسلاح”

وظهر أبو عاقلة في العام التالي للقائه بمني آركو مناوي، متحدثاً في لقاء جماهيري أقيم لاستقبال قافلة مساعدات قدمها منبر البطانة لقرى تضررت من السيول خلال موسم الأمطار.

شكا كيكل في كلمته تلك خلال اللقاء الذي نظمّ في أغسطس 2021: من ما أسماها عمليات “التجييش والتجنيد العشوائي” الذي تقوم به بعض الحركات المسلحة في منطقة البطانة ودعا مواطنيه لعدم الاستجابة والانخراط في هذه الأعمال.

وقال: “نحن لا نقبل أن تأتينا الوفود في كل يوم لتجنّد أبنائنا، لن يأتينا الناس من دارفور ليجندونا ويخدعوا أهلنا بالرتب الفارغة ويتلاعبون بشبابنا، هذا أمر مرفوض، لن نحتاج لأن تجندنا تلك الجهات فنحن جاهزون بالقوة وبالسلاح وبالحماس وبالفراسة ولكن لذواتنا لن نكون تبعاً لأحد”.

بتنامي نشاط قوات درع السودان حذر منبر البطانة الحر من تلك التحركات ومن عمليات التجنيد التي تجري هناك، وقال في بيان اطلعت عليه سودان تربيون: “إنّ المنبر ظل يتابع منذ فترة نشاطاً للتجنيد بمنطقة البطانة، وتناقلت الوسائط خبر قيام عرض عسكري بالبطانة و”إننا نرفض عسكرة المنطقة” وتعدد الجيوش ونؤمن بأهمية احتكار أدوات العنف لدى الدولة.

كيف اتفق “الصوارمي” و”كيكل” على ذات الأجندة؟

في نوفمبر 2022 أعلنت جماعة من الضباط المعاشيين من داخل الخرطوم عن تأسيس حركة مُسلحة تحت مسمى “كيان الوطن” قالوا إنها تسعى لإلغاء اتفاق جوبا للسلام الذي وقعته الحكومة الانتقالية عام 2020 مع حركات مسلحة من إقليم دارفور وغيرها، وحماية مصالح سكان وسط وشمال السودان،وسمت تلك الحركة المتحدث الأسبق باسم الجيش، العقيد (م) الصوارمي خالد سعد، قائداً عاماً لها، ثم اعتقلت السلطات العسكرية الصوارمي لأيام قبل أن تخلي سبيله.

وعلّق “علي عيسى عبد الرحمن” وهو ضابط بالمعاش ينتمي لذات دفعة الصوارمي في الجيش، داخل مجموعة في تطبيق واتساب مخصصة للضباط من الدفعة قائلاً: “ربما تنحصر الدوافع التي قادت لتلك الخطوة في أحد أمرين هما: الدافع الشخصي وراء ما قام به الصوارمي ومجموعته أو قد يقول قائل إنّ تلك صناعة الاستخبارات العسكرية، لإدارة الأزمة بما يتسق مع خطاب البرهان بكل من حطّاب والمرخيات وتحذيراته المستميتة للقوى السياسية من الاستعانة بالقوات المسلحة للوصول إلى الحكم.”

ومن وجهة نظر المحلل العسكري، والعقيد السابق في البحرية السودانية عمر أرباب فإنّ النظام يسعى لزيادة السيولة الأمنية ورفع درجة المخاطر التي قد تنجمُ عن تنحيه من السلطة، بخلق مزيد من القنابل الموقوتة، والشاهد على ذلك وفق حديثه لسودان تربيون غض الطرف عن هذه الممارسات الخطرة، فلا يعقل أن يقوم شخص بعقد مؤتمر صحافي في قلب الخرطوم ويعلن تشكيل حركة مسلحة، فيعتقل لأيام ثم يخلى سبيله، هذا يشير إلى أن هذه الأمر تمَّ بتدبير من النظام أو أنّه يباركه.

لا عداء مع الجيش ولن نقاتله

أكّد عضو في هيأة قيادة قوات درع السودان أنهم ليسوا في حالة عداء مع اي جهة، وأنّهم أنشأوا عدة قطاعات عسكرية تشمل: قطاع كردفان الكبرى، والنيل الأبيض، وسنار، وجبل موية، والقضارف، وكسلا، وبورتسودان، والبطانة، والخرطوم، وأم درمان، وبحري، والنيل الأبيض.

قال وليد الشوبلي لسودان تربيون: “إن هذه المناطق يحس أهلها بالتهميش وانعدام الأمان في ظل تعدد الجيوش بالبلاد هناك أكثر من 70 مليشيا، عندما يقول قائل إن المساس باتفاق جوبا يعني العودة للحرب فهذا يهدد الأمن القومي،نحن هنا لندفع باتجاه اتفاق جديد يلبي مطالب كل السودانيين”.

بدت تلك المضامين أشبه ما تكون بالأهداف التي تبنتها حركة الصوارمي، ولا سيما محاولة خلق توازن ببعض أقاليم السودان والالتزام بإسناد القوات المسلحة.

يقول الجنرال المتقاعد عمر أرباب: “هذه المليشيات ستنقلب على الجيش وتدخل في مواجهة معه كما فعلت هيئة العمليات التابعة لجهاز الأمن وكما تمثل قوات الدعم السريع اليوم أكبر مهدد وخطر على الجيش السوداني”.

ماذا تقول الشواهد من التاريخ العسكري؟

استخدم نظام “عمر البشير” لأول مرة قوة مشتركة من الجيش والفرسان، وهي ميليشيا من عرب بني هلبة،للتصدي لقوات من الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة داؤود يحي بولاد توغلت في جنوب دارفور في سنة (1991)، وبعد سنوات من ذلك توسع نظام الإنقاذ في استخدام المليشيات، تحت رعاية الجنرال محمد أحمد الدابي الذي تولى إدارة الاستخبارات العسكرية، قبل أن يتصعد في المناصب حتى شغل نائب رئيس هيئة أركان العمليات الحربية، وأشرف على إنشاء مليشيا في جنوب السودان تحت اسم “قوات السلام” لقتال الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق، وهي ذات الفترة التي استعرت فيها الحرب الأهلية جنوبي السودان،وظل في ذلك المنصب حتى فبراير 1999، ومن ثم عينه البشير ممثلا عنه في ولايات دارفور ومسؤولا عن الأمن بتفويض وصلاحيات الرئيس قبل إعلان التمرد في العام 2003، ليبدأ فصل جديد من إنشاء المليشيات القبلية والاستعانة بها في الأعمال القتالية، على نطاق أوسع، ومحاولة تثبت أركان النظام في الخرطوم، لكن مهما يكن الأمر قد في بدأ في دارفور فقد استطال من بعد لمدى بات يهدد كيان الدولة ومؤسساتها وأصل وجودها.

المصدر: سودان تربيون

تعليقات الفيسبوك

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى