المقالات

يبدو أننا قد جبلنا على عدم التوافق والاتفاق!!

ب/ نبيل حامد حسن بشير

10/12/2022م

الإنسان خلق ليكون كائناً(اجتماعيا). حتى تتوفر هذه الصفة لابد وأن تكون لهذا الكائن خاصية (التعايش) مع الأخرين ومكونات بيئته الأخرى. للتعايش(متطلبات) أهمها التسامح والتوافق والحكمة وما يعرف الآن بمصطلح الدبلوماسية. لابد أن يعرف هذا الكائن الحي بأن له دوراً محدداً في حياته وداخل مجتمعه. هذا الدور بالتأكيد والضرورة أن يكون دوراً (ايجابيا). أن حاد عن الإيجابية، عليه مراجعة ما قام به وتصحيح موقفه بنفسه أو الرجوغ الى الأخرين لهدايته الى الطريق القويم.

نحن كسودانيين (ندعي) بأننا أقدم شعوب العالم حضارة. نحن من أسس مفاهيم التعايش داخل مجتمعاتنا القديمة و(قبول الأخر) عبر الهجرات المتوالية لسوداننا هذا عبر القرون دون من أو أذى، ووضعنا معاييرها التي تبنتها كل الشعوب التي اتبعت وطورت هذه الأسس والمعايير والمفاهيم وتعايشت كلها في أمان عدا نحن! . تعددت الإثنيات واللغات واللهجات والسحنات ببلادنا وتعايشنا رغماً عن ذلك في سلام عبر كل العصور والعهود حتى ما قبل الاستقلال. كأن السودان طوال فترة الحكم البريطاني / المصري يدار بعدد محدود من البريطانيين والمصريين والشوام إضافة الى الإدارة الأهلية لكل منطقة أو اقليم من حلفا حتى نيمولي. كانت السياسة وتعاطيها شبه محرمة على السودانيين، وسياسة السودان تتضعها الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس. ركز المستعمر على استغلال موارد السودان لمصلحة الإمبراطورية وما قام به من مشاريع كمشروع الجزيرة والسكك الحديدية التي كانت أهم تلك المشاريع. أما التعليم وفتح المدارس وتأسيس كلية غردون فكان الهدف منها تخريج كوادر ذات (قدرات محدودة) لتكملة العجز في بعض المواقع التي يتطلبها برنامج المستعمر باقل تكلفة ممكنة. كما أن اختيار الطلاب كان مقصوراً على أبناء رجالات الإدارة الأهلية والأعيان الذين كانت مصالحهم مرتبطة بوجود المستعمر ورضائه عليهم. البعض من هؤلاء الأبناء رأى أهله أن يذهب لمصر لتلقي العلم بالمدارس والأزهر وبعض الجامعات مما جعلهم ينفتحون على الأنشطة الثقافية والاجتماعية والسياسية والانفتاح على العالم، خاصة الأوروبي و والأسيوي والصراعات ما بين الرأسمالية والشيوعية وغيرها من الأفكار السياسية والمذهبية والاقتصادية والاجتماعية..الخ. كان المستعمر يتعامل داخل السودان وفقاً لما يمليه عليه الراهن الواقعي لكل إقليم وإمكانياته وتركيبته العشائرية وبيئته. لم يتعامل مع (السودان ككل) بسياسة موحدة كما هو الحال بعد نيل الاستقلال.

قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية بدأ شباب المدارس وكلية غردون تعاطي العمل السياسي، ولكل اتجاه ومذهب فكري أغلبه مكتسب من الخارج. منهم من يطالب برحيل المستعمر، وأخرين تبنوا أفكاراً يسارية، وثالته نبنى أفكار الأخوان المسلمين، وتوالت التيارات قي ما بعد مثل القوميين العرب والبعثيين القوميين والقطريين ، وتيارات قبلية وأخرى عنصرية متذرعين بمفهوم التهميش الذي غرسه فيهم المستعمر أثناء وبعد خروجه.

يا ترى ما هو السبب وراء تقديم الخلفية أعلاه؟

هذا هو بيت القصيد. أي السياسة. فالسياسة هي (فن الممكن). الممكن هذا يتطلب (التفاوض والحوار). التفاوض يتم عادة بين (الفرقاء)، كما حدث في مفاوضات بقاء الجنوب جزء من السودان أم أنفصاله. وبالفعل أدى الى الانفصال المشؤوم. لكن الحوار بالضرورة يتم بين (الشركاء) ولا توضع شروط قبله. الشركاء هم شركاء في الوطن ومتفقون على (اطار) بقائه موحداً، أو في الحد الأدنى من النقاط.

لكن سؤالي المشروع هو: هل يوجد في سوداننا هذا (سياسي) بالمعني الحرفي والعلمي الحديث؟

أشك في ذلك. السياسة الآن (علوم ومهنة) تنمى وتطور بالخبرات والممارسة والاحتكاك مع المجتمعات المحلية والإقليمية والدولية، ولها أسس ومعايير ومفاهيم وأخلاقيات مع وضع الوطن ووحدته كخط أحمر دونه المهج والأرواح. حتى تكون سياسياً لابد وأن تكون لك القدرة على تفهم احتياجات ومشاكل المجتمعات والوطن ككل ، وإمكانيات حلها وتوفير البرامج و الأليات التي تساعد على ذلك. هذا ما يفتقده السودان الآن على مستوى الأحزاب والأفراد المنتمين لها. بل أيضا على مستوى المجتمع ككل ليس لأي حزب الآن دستور أو برنامج أو خطة عمل أو كوادر سياسية حقيقية. كلها أسماء وهمية صنعها الإعلام الحزبي أو الصحف ووسائل الإعلام الأخرى والسوشيال ميديا. لا مؤهلات سياسية لها. تتميز بالهشاشة وضيق الأفق وتدعي أشياء لا تملكها بهدف التهديد واكتساب مكانة لا تستحقه، ا وفي الأغلب ولجوا هذا المجال لمكاسب شخصية كالمال أو الجاه أو السلطة. بل أن بعض أحزابنا تدعي بأنها ديموقراطية في حين أن دستورها رئاسي. بل كل أحزابنا يمينها ويسارها كلها رئاسية الدستور والفعل وكل شيء بيد الرئيس الأبدي،و بعضها لم يعقد مؤتمره العام منذ أكثر منذ ما يقارب الخمسين عاما!!!

يحكى أنه بعد الاستقلال بقرية أبوحراز الشهيرة شمال مدني كان الشيخ بجوار قدر البليلة الذي يفور تحت نار موقدة وحوله حوارييه الذين سألوه بأن يدعو الله بأن يوفق السودان بعد نيله أستقلاله. فكان رده، والله يا أولادي السودان ده سيستمر يغلي ويفور مثل هذا القدر الى يوم القيامة!

الى هنا أتوقف في هذه الحلقة حتى أكمل لكم ما أود قوله في الحلقة القادمة أن شاء الله. أللهم نسالك اللطف (آمين).

المصدر: التيار

تعليقات الفيسبوك

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى