الاقتصاد

أسواق خارج نطاق المراقبة.. سلع غذائية غالية تُباع بأبخس الأثمان

المعايش جبَّارة .. هكذا ابتدرت الحاجة (دار السلام) حوارها مع صاحب المحل وهي تتفحص كوم من (الكمونية) التي يغطيها سرب من (الذباب الأخضر)، و(كوجاك) صاحب المحل الأشهر في بيع (أحشاء الأنعام) لم يكترس من حديث زبونته التي قلَّلت من بضاعته، كان مشغولاً بانتشال أصناف عديدة من الأحشاء، كان قد وضعها داخل برميل مليئ حتى منتصفه بالماء المخلوط بالملح، المشهد يحكي عن حاجة الإنسان إلى الطعام بعيداً عن الفلسفة الصحية التي تتحدث عنها السلطات الصحية، أو الفوائد الغذائية التي يمكن أن يستفيد منها جسم الإنسان، فتلك المحاذير الصحية يغالطها واقع حال كثير من المجموعات التي ظلت تشارك الهوام من قطط وكلاب رزقها عندما تدفن رأسها هناك،

وبالمقابل رصدت (الجريدة) تحايل آخر على الغذاء ظلت تمارسه مجموعات درجت على إعادة تعبئة سلع منتهية الصلاحية، حيث يتم توزيع السلعة في عبوءات بأوزان مختلفة وبسعر أقل من السوق وهذه الميزة التفضيلة في السعر هي السنارة التي أغرت الآلاف من فقراء بلادي لابتلاع الطعم .

أسواق لحوم عشوائية

أصناف من اللحوم يتم عرضها منذ الصباح الباكر داخل رواكيب صغيرة وسط سوق 6 بالحاج يوسف، ورغم من فوارق السعر مقارنة بالملاحم الأخرى سوق الأحياء الراقية إلا أن سعر كيلو الدجاج الذي لا تتجاوز قيمته الألف جنيه، يعزز فرضية مقولة (الله كتلا) والشاهد أن سعر الدجاجة (الحيَّة) بالناحية الغربية من ذات السوق يتخطى مبلغ الثلاثة آلاف جنيه، حيث شكَّك عدد من أصحاب مطاعم البروست داخل السوق عن مصادر تلك اللحوم، وأوضح نورالدائم، صاحب أحد المطاعم بالسوق أنهم لا يشترون لحوم الدجاج من الأسواق الشعبية رغم قلة تكلفتها من حيث فوارق السعر وعدم تكلفة الترحيل، وأردف نتعامل مع إحدى الشركات الكبرى العاملة في إنتاج وصناعة الدواجن، منوِّهاً إلى أن أغلب لحوم الدواجن المعروضة بالسوق مجهولة المصدر، وأن عدداً من العاملين في المزارع الطرفية الخاصة بإنتاج الدواجن هم من يتعاملون في بيع اللحوم في عدد من المواقع داخل السوق. ومضى هنالك أحاديث كثيرة عن أن هؤلاء يقومون بجمع الدجاج النافق بالمزارع بشكل راتب ويشرعون في توزيعه على الأسواق بأسعار أقل من السوق، وتابع هنالك ضبطيات عديدة ظلت تقوم بها الجهات الصحية والتي تم بموجبها فتح بلاغات وإغلاق عدد من المحال التجارية ما يعضد تلك الأحاديث الرائجة حول عدم صلاحية تلك اللحوم للإنسان .

سابقة خطيرة

يحكى السيد (ح ـ ن) المسؤول عن مراقبة الأطعمة والأغذية داخل السوق عن سابقة وصفها بالخطيرة وذلك عندما أقدم أحد المواطنين على توزيع أطنان من لحوم الدجاج بالسوق وبعدد من المطاعم والتي اتضح لاحقاً أنها دواجن نافقة تم ذبحها من قبل صاحب أحد أصحاب المزارع عقب تفشي مرض السمير داخل مزرعته، وأردف الواقعة تم كشفها نتيجة لخلاف مالي بين صاحب المزرعة وعدد من العاملين، حيث أبلغ العاملون السلطات بالواقعة وتم القبض على المتهم الذي أقر بالحادثة، ومضى المؤسف أن كميات مهولة من اللحوم النافقة تم بيعها وتوزيعها بين الزبائن قبل يوم من ضبط المتهم، ورأى (ح ـ ن) أن مثل هذه الجرائم ظلت تستهدف المواطنين في الأسواق العشوائية المكتظة بالحركة والازدحام، وأن الفقراء هم الشرائح المستهدفة التي تسعى تلك الجهات إلى ترويج بضاعتها بينهم مستغلة حاجتها للغذاء بجانب جهلها بالثقافة الغذائية والقانون على حد السواء .

انتعاش بعد الدوام

ويحكي (ح ـ ن ) عن تلك المجموعات الانتهازية عادة ما تنشط حركتها عقب انتهاء عمل الجهات الصحية بالسوق، ورأى أن على السلطات الصحية أن تراقب مداخل السوق بدوريات مراقبة مستمرة لجهة أن الوارد من اللحوم المشبوهة يتم عرضها بالمساء، وأن عدداً من محلات شواء اللحوم تظهر ليلاً مما يوحي بأن هنالك مخطط لإفلات من العقوبة، وأن جرماً بحق المواطن يرتكب بعيداً عن عيون ومراقبة السلطات الصحية، وقال: الشاهد أن أغلب الضبطيات تكون بالمساء عقب توفر معلومة بذلك، وكثيراً ما تتم المداهمات عند المساء عكس النهار الذي يتوارى فيه ضعاف النفوس عن الانظار .

حادثة “التكتك”

يروي صاحب موتر “تكتك” عن ترحيله لثور نافق تم رميه بعيداً بضاحية مايو، وأن مجموعة من الشباب قد اتفقوا معه على ترحيله بأحد الأحياء، مانديلا من أجل سلخة وتوزيعه بعد ذلك داخل سوق بروس، واشترطت المجموعة على صاحب التكتك يتم الترحيل بعد زوال الشمس مقابل عائد مادي كبير، ويحكي عبدالكريم صاحب التكتك ليشير إلى أنه اتفق معهم بمبلغ 50 ألف جنيه، على أن يكون الترحيل على دفعات نسبة لضخامة الثور النافق، ويقول عند حلول المساء حضرت إلى حيث يرقد الثور النافق وقمت بترحيل اللحوم في ثلاث دفعات إلى أحد المنازل المجاورة لسوق بروس واستلمت أجرتي كاملة مما مكنني من قضاء مستلزماتي الأسرية، ومضى في المساء تم توزيع اللحوم داخل السوق عبر استخدام مكبرات الصوت (المايكرفون) مما أحدث تدافعاً كبيراً وسط المواطنين، منوِّهاً إلى أنه ظل زبوناً دائماً لتلك المجموعات إلى أن تم ضبطها مؤخراً وهي متلبسة بذات الفعل في إحدى الأسواق بمنطقة سوبا.

أس البلاء

ضابط الصحة المتقاعد محمد جبريل كافي، أوضح أن كل المخالفات التي تم تدوينها في محاضر الشرطة تظل الأسواق العشوائية القاسم المشترك فيها، وأوضح أن كل من المجتمعات السودانية ترفض الميتة من حيث المبدأ والدين والشرع وأن من يقوم بذلك يقع تحت طائلة القانون وأن من يرتكبون تلك الجرائم هم في الغالب مجرمين وأن تلك الجرائم تكون منظمة مع سبق الإصرار والترصد، وأردف بعض هذه المجموعات تسعى وتبحث عن الميتة بالتجوُّل على مزارع تربية الحيوان سواءً أكانت مزارع دواجن أو ماشية، حيث تبدأ الجريمة عندما يرمي صاحب المزرعة بحيوانه النافق بدلاً من حرقه أو إبادته بأي من الوسائل المتاحة، حيث ذلك الفعل العشوائي من صاحب الزريبة يمكن الصياد من طريدته بكل يسر وسهولة ثم يشرع بعد ترحيل الحيوان في توزيعه بالسوق أو الأحياء دون دراية من السلطات لذلك تشدِّد السلطات الصحية على ضرورة الذبح داخل المسالخ وتحت إشراف بيطريين لمعرفة سلامة الحيوان المذبوح من بعض الأمراض التي يمكن أن تنتقل للإنسان، منوِّهاً إلى الأضرار التي يمكن أن تصيب الإنسان جراء الذبيح الكيري أو أكل لحوم الحيوانات النافقة أو المتعفنة .

سلع غذائية منتهية الصلاحية تغذو الأسواق

كشفت نيابة حماية المستهلك على لسان أحد منسوبيها -فضَّل حجب اسمه- عن ارتفاع معدَّل الضبطيات الخاصة بالسلع المنتهية الصلاحية ببعض الأسواق، وأوضح أن أطنان من السلع الغذائية يتم توزيعها لبعض العملاء عندما تقرب فترة صلاحيتها من الانتهاء، وأوضح أن أغلب هذه السلع تتم تعبئتها من قبل بعض التجار وتباع بالمكايل في كثير من الأسواق بأسعار زهيدة مقارنة بذات السلع في بعض المحالات التجارية الأخرى مما يخلق تبايناً في الأسعار، وأردف هنالك منتجات غذائية يتم التلاعب بها من خلال عملية استبدال تواريخ الإنتاج بالديباجة مثل: المعلبات الغذائية من صلصة وألبان خاصة المنتجات محلية الصنع، منوِّهاً إلى أن تلك المجموعات ظلت مرصودة لدى نيابة حماية المستهلك، كاشفاً عن العديد من الضبطيات في هذا الإطار .

أضرار صحية جسيمة

كشفت اختصاصية التغذية مريم نورالدين عن خطورة تناول الأطعمة الفاسدة أو منتهية الصلاحية، وقالت إن من أبرز الأمراض التي يمكن أن تنجم عن التعاطي مع تلك الأغذية هو التسمم الغذائي المميت، وأوضحت أن على الدولة أن تسعى إلى تطوير أدوات المراقبة على الأسواق العشوائية والتشدُّد في العقوبة على كل من يتورَّط في تهديد حياة أو صحة المواطن بتنفيذ أقسى العقوبات بجانب تكوين غرف مراقبة دائمة على بعض الأسواق مع ضرورة تثقيف المستهلك عبر الندوات الصحية والتثقيفية داخل الأسواق وقبل كل ذلك إعادة النظر في كثير من الجوانب المتعلقة بسلوكيات التجار وكيفية تعاملهم مع المستهلك .

السودان الجديد

تعليقات الفيسبوك

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى