أخبار السودان

كردفان.. نزاعات الأراضي إلى متى؟

هل فعلاً اتسع الفتق على الراتق فيما يتعلق بنزاعات الأراضي في كردفان الكبرى، حتى أصبح من الصعب أو المستحيل السيطرة على أو تسوية تلك النزاعات، أم أن الأمر لا يزال فيه متسع لتحرك فاعل وحازم يضع حداً لإزهاق الأنفس البريئة بسبب الصراع غير المبرر حول ملكية وحيازة الأراضي من قبل الأفراد والجماعات؟ إن ما حدث في مناطق مختلفة في كردفان، جنوبها وشمالها وغربها، يشي بأن هنالك مؤشرات خطيرة قد تنسف تماسك المجتمعات المحلية، إذا لم تتخذ خطوات وتدابير عاجلة من شأنها إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح. فقد شهدت ولايات كردفان خلال الأسابيع المنصرمة صراعات مؤسفة ودامية راح ضحيتها نفر كريم من الأهالي وأصيب بعضهم إصابات بالغة جراء النزاع حول الأرض، ويعود ذلك في المقام الأول إلى عوامل وتطورات مستجدة في هذه المنطقة الواسعة.
لقد نشب نزاع أو في الواقع صراع دام في محلية قدير في الجبال الشرقية التابعة لجنوب كردفان، بين بعض الإخوة من كنانة وفرع من الحوازمة وبعض الكواهلة، وذلك بسبب النزاع حول ملكية الأراضي التي يمارس فيها التعدين الأهلي. وعلى الرغم من تدخل بعض الأطراف والإدارات الأهلية لاحتواء الموقف إلا أن وسائط التواصل الاجتماعي قد ساعدت في تأجيج النزاع وأدت إلى تأليب الناس ضد بعضهم البعض دون مراعاة لحرمة الدم أو علاقات الجوار أو الرحم والمصالح المتبادلة بين الناس والعلائق التاريخية التي ظلت قائمة في هذه المنطقة منذ مئات السنين، وفق العرف ومبادئ التعايش السلمي الموروثة من الأجداد. ومما زاد الوضع سوءاً بروز قيادات محلية لا ترعى ذمة ولا تعرف الأخلاق والنظم الاجتماعية السائدة التي تحكم تحركات الناس وعلاقاتهم، بل كل همها تحقيق نصر زائف على من يعتبرونهم أعداءً، بينما هم إخوة في الدين والوطن الذي يسع الجميع.
وفي شمال كردفان تصادم بعض أبناء العمومة في شرشار والعديد الواقعة بمحلية غرب بارا، مما أدى إلى وفاة شخص وإصابات بالغة دون مبرر، لو أن الجهات المسؤولة قد وضعت حلاً لهذه النزاعات التي طال أمده. وكما هو معلوم، فقد كلف السيد الوالي لجنة مكونة من زعماء الإدارة الأهلية وبعض الأجهزة الإدارية والأمنية في الولاية ورفعت توصيات معقولة للسيد الوالي، ولكن بطء إجراءات اتخاذ القرار وتدخل بعض القيادات المحلية من بعض الأطراف المعنية قد أخر حسم النزاع حتى طاح الفأس على الرأس وصار الوضع الآن أكثر تعقيداً من ذي قبل، للأسف الشديد. وعلى إثر ذلك أصدرت حكومة الولاية أمر طوارئ مؤقت ولكنه غير موفق حسب رأي بعض المراقبين، حيث نص على “ردم” منطقة تقارب مساحتها ستين كيلو متراً مربعاً، فمنع الزراعة والرعي وحتى السكنى وحث الأهالي على اللجوء إلى القضاء!! والسؤال الذي يطرح نفسه هو: من أين يقتات سكان هذه المنطقة إذا لم يزرعوا أرضهم، وأين ترعى بهائمهم وأين سيجدون المأوى؟
وفي غرب كردفان فقد ما يزيد عن ثلاثين شخصاً أرواحهم بسبب النزاع حول الأرض، بتفريط واضح من حكومة الولاية، وبسبب انتشار السلاح الناري غير المقنن واستخدام المواتر وسيارات الدفع الرباعي غير المرخصة وضعف الإدارات المحلية وذات الصلة بمثل هذه الملفات وغياب الحكومة المركزية عن مسرح الأحداث، وكأن كردفان لا تتبع لحكومة السودان!
يرجع تقنين ملكية الأراضي أو تقسيم السودان إلى “ديار” قبلية، بواسطة الإدارة الاستعمارية إلى سنة 1923، حيث يمكن رؤية حدود هذه الديار بوضوح في الخرائط الحديثة، وربطها بالهوية القبلية والجغرافيا التي ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا. وهناك عدد من “الحواكير” في كل واحدة من هذه الديار، وهي تخص القبائل والعشائر المقيمة فيها. وظلت النزاعات حول الأرض محدودة بشكل كبير حتى طرأت على الواقع مستجدات كثيرة مما زاد التنافس بين المكونات المحلية وسعي كل مجموعة إلى ادعاء ملكية الأراضي وحيازتها بطرق غير مقبولة إطلاقاً ولا تتوافق مع العرف ولا القانون وقد تلجأ إلى استخدام القوة والسلاح في كثير من الأحيان. فهنالك توسع ملحوظ في رقعة الزراعة التقليدية بعد إدخال الآليات الحديثة وزراعة محاصيل نقدية بكميات كبيرة وبالتالي تدر دخلاً مغرياً، ثم إن كثيراً من الأهالي صار يمتلك الأسلحة النارية بطريقة غير مشروعة. ويضاف إلى ذلك ضعف الإدارات الأهلية وعجزها، مع بطء إجراءات التقاضي وطول أمدها. ويضاف إلى ذلك عدم خبرة الحكومات المحلية في إدارة مثل هذه الملفات، وتقاعس سلطات حفظ الأمن عن القيام بالدور المنوط بها، ووجود بعض الأشخاص من ذوي الأجندة الخاصة، وبالطبع فإن ظهور الذهب كمصدر للرزق في بعض أرجاء كردفان قد زاد من حدة التوترات وأغرى كثيراً من المكونات بالبحث عن مواضع قدم في أماكن التعدين الأهلي! كما أن انتشار الاتصالات الحديثة قد فاقم الأمور كثيراً؛ وذلك بتسهيل التحركات من جميع الأطراف المتنازعة.
هذه النزاعات مؤشر خطير جداً، ويكمن الحل في ترسيم الحدود، وتقوية الإدارة الأهلية، وتسريع الإجراءات الإدارية وتعزيز أجهزة الأمن والقضاء.

صحيفة السوداني

تعليقات الفيسبوك

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى