جرائم وحوادث

في قضية مركز المال والأعمال بنيالا.. محاكمة ( آدم الفكى ).. تفاصيل تبديد (6) ملايين دولار

أزاحت النيابة في الأسبوع الماضي لمحكمة جنايات جرائم الفساد ومخالفات المال العام الستار عن معلومات خطيرة، وكشف لها عن تحميل تقرير المراجعة القومية لوالي جنوب دارفور الأسبق آدم الفكى مسؤولية تبديد مبلغ (5.908.650) دولاراً أمريكياً، وذلك في القضية المتهم وآخر فيها بالتصرف في أرض وممتلكات مخصصة لإنشاء مركز المال والأعمال بنيالا.

 

يذكر أن (الفكي وشركة مان الوطنية) يواجهان تهماً متفاوتة على ذمة القضية بصورة مخالفة للقانون ودون مراعاته.

وكشف المحقق وكيل نيابة الأموال العامة حازم الصادق عمارة، للمحكمة كذلك عن تحميل تقرير المراجعة للمتهم الثاني شركة (مان) الوطنية مسؤولية استيلائها على الهياكل الحديدية ومساحات أراض مخصصة لإنشاء مركز المال والأعمال بنيالا.

 

وعابت المحكمة برئاسة القاضي المعز بابكر الجزولي عثمان على المحقق النيابي عدم ترتيب محضر الدعوى الجنائية لوجود مشكلات في ترقيمه بالرغم من تسلسله، وفي المقابل حمل المحقق عدم ترتيب المحضر لزميله السابق وكيل النيابة الذي كان مباشراً لإجراءات التحري في القضية.

في وقت قررت فيه المحكمة رفع جلساتها إلى الثامن عشر من الشهر الجاري لسماع شهود الاتهام، حيث أمرت المحكمة بإعلان (8) منهم موجودين بنيالا لمثولهم أمامها وسماع إفاداتهم في القضية.

 

لجنة الفض

وقال المحقق للمحكمة عند مستهل جلسة المحاكمة إن عدد أصول شراكة مشروع بناء دارفور قبل فضها بين حكومة ولاية جنوب دارفور وشركة (مان) الوطنية عبارة عن (2) هيكل حديدي ومساحة قطعتي أرض بالرقم (1) مربع (4/أ) بوسط نيالا، والقطعة (1/1) مربع (4) بنيالا كذلك، مبيناً أن الهيكل الحديدي للمشروع وبحسب عقد الشراكة قيمته (2000) دولار وواجب دفع قيمته مناصفة بين المتهم الثاني شركة (مان) وحكومة الولاية، منبهاً الى أن حكومة الولاية قد سددت نصيبها في استيراد الهياكل الحديدية للمشروع وقدره (1000) دولار، منبهاً إلى أنه وبحسب عقد فض الشراكة فقد أشارت الفقرة الثانية منه إلى تكوين لجنة لمتابعة فض الشراكة بين وزير مالية حكومة الولاية ومعتمد الولاية ومعتمد الرئاسة ومجلس وزراء الولاية، فيما نبه المحقق المحكمة إلى أنه وبالتحريات اتضح عدم تكوين لجنة عند فض الشراكة، وكشف المحقق للمحكمة أنه بعد فض الشراكة فإنه لم تؤل لحكومة الولاية أية من مساحات الأرض أو الهياكل الحديدية، وإنما اتضح أن شركة (مان) الوطنية المتهم الثاني في القضية قد آلت إليها قطعتا الأرض وتم تسجيلهما في اسمها، إضافةً إلى أنه قد آلت إليها كذلك الهياكل الحديدية لبناء مشروع (المول) التجاري بنيالا، وذلك مقابل أن تقوم المتهمة الثانية الشركة بتشييد طرق داخلية بنيالا، في وقت تقدم فيه المحقق بمستند اتهام رقم (14) عبارة عن صورة اتفاقية تشييد الطرق الداخلية بنيالا من قبل المتهمة الثانية لم يعترض عليه أي من دفاع المتهمين.

 

التقييم بالجنيه بدلاً من الدولار

في وقت كشف فيه المحقق للمحكمة أنه وبحسب التحريات فقد تبين أن المتهم الأول والي جنوب دارفور السابق آدم الفكي، قد قام بتقييم سعر المتر المربع الواحد للأرض محل المشروع محل البلاغ بقيمة (3) آلاف جنيه، في وقت حدد فيه عقد الشراكة سعر المتر المربع الواحد للمشروع بقيمة (550) دولاراً أمريكياً للمتر المربع الواحد، وواصل فيه المحقق في كشف معلومات مثيرة للمحكمة وأفادها بأنه ومن خلال التحريات فقد اتضح أن التعاقد بين حكومة ولاية جنوب دارفور والمتهمة الثانية شركة (مان) الوطنية لتشييد الطرق الداخلية بنيالا تم بصورة مباشرة دون طرح ذلك في مناقصة عطاء عامة، ونبه المحقق المحكمة الى أنه ومن التحريات فإن الجهة المشرفة والاستشارية على تشييد الطرق بنيالا هي وزارة المالية، إضافةً إلى إشراف وزارة التخطيط العمراني بالولاية بصورة مباشرة على الطرق وتحسينها واستخراج شهادات الإنجاز لها.

تزوير ومناقصة مباشرة

وقال المحقق للمحكمة إنه ومن التحريات فإن المتهم الأول والي ولاية جنوب دارفور السابق آدم الفكى، قد ارتكب مخالفات في القضية تتعلق باستخدام مستند اتهام (6) عبارة عن اصطناع قرار لمجلس وزراء ولاية جنوب دارفور بفض الشراكة، وتم فيه تحديد سعر المتر المربع الواحد لأرض المشروع بنيالا المملوك لحكومة الولاية متجاوزاً بذلك لجنة التصرف في مرافق القطاع العام، مشدداً على أنه وبالتحريات تبين أن مجلس وزراء الولاية لم يصدر هذا القرار مطلقاً، إضافةً إلى دخول حكومة الولاية التي كان رأسها والياً في تعاقد مباشر دون مناقصة عامة مع المتهمة الثانية شركة (مان) الوطنية في تشييد طرق داخلية بنيالا، في وقت أفصح فيه المحقق للمحكمة عن أنه ومن التحريات فإن المتهمة الثانية شركة (مان) الوطنية قد ارتكبت مخالفات في القضية تتعلق بأيلولة مساحة أرض قطعتي المشروع محل البلاغ والهياكل الحديدية.

مخالفات (الفكي ومان)

وأكد المحقق النيابي للمحكمة توجيه تهمة للمتهم الأول آدم الفكي بمخالفة نص المواد (21/177/89/123) من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991م التي تتعلق بالاشتراك الجنائي وخيانة الأمانة ومخالفة الموظف العام القانون بقصد الإضرار أو الحماية والتزوير، بجانب توجيه تهمة له بمخالفة نص المادة (29) من قانون الإجراءات المالية والمحاسبية، وتوجيه تهمة له بمخالفة نص المادة (17) المتعلقة بقانون الشراء والتعاقد، فيما نفى المحقق للمحكمة تقديم المتهم الأول أية رشوة أو تسلمها مطلقاً، وأكد المحقق للمحكمة توجيه تلكم التهم لآدم الفكي وذلك بناءً على أقوال شهود الاتهام حول فض الشراكة بين حكومة ولاية جنوب دارفور وشركة (مان) الوطنية بشأن مشروع بناء (المول) التجاري بنيالا محل البلاغ وما نتج عنه، بجانب ما حمله تقرير المراجع القومي بشأن وجود مخالفات للمتهم الفكي وقيامه بتبديد مال عام ببيع سعر متر الأرض للمربع الواحد بأقل من قيمتها، بجانب استخراج قرار مصطنع لمجلس الوزراء بالولاية يوافق فيه على فض الشراكة وبيع سعر الأرض بمبلغ (3) آلاف جنيه سوداني، وكشف المحقق للمحكمة أنه تم توجيه تهمة التزوير الى آدم الفكى وذلك حسب مستند اتهام (8) عبارة عن مسودة كتبها المتهم الأول (آدم الفكي) بموافقة مجلس وزراء الولاية بفض الشراكة بين الحكومة وشركة (مان) الوطنية دون وجود اجتماع للمجلس وقتها، فيما نبه المحقق إلى أنه وبالتحريات فإن مجلس الوزراء وقتها قد حدد في عقد فض الشراكة تكوين لجنة لذلك، وفجر المحقق مفاجأة مدوية للمحكمة كشف خلالها أنه قام باستجواب شاهد اتهام بمحضر التحري وهو مدير شؤون مجلس وزراء ولاية جنوب دارفور، وأفاده بأن مجلس الوزراء بالولاية لم يصدر أي قرار بشأن فض الشراكة وما نتج عنه من بيع لسعر الأرض وغيره، ولم يعقد أي اجتماع لذلك ولم يدون بمحضره، وإنما جاءه المتهم الأول (الفكي) وسلمه ورقة مكتوبة طلب منه طباعتها، وأن يكتب عليها قرار مجلس وزراء الولاية بالرقم (2)، ونبه المحقق إلى أن الشاهد أوضح بالتحريات أنه احتفظ بتلك الورقة التي سلمها له (الفكي) داخل مكاتب مجلس وزراء الولاية.

في ذات الوقت نبه المحقق المحكمة إلى أنه في التحريات اتضح أن المتهمة الثانية شركة (مان) الوطنية لم يكن مديرها الحالي الماثل بقفص الاتهام بالمحكمة في منصب مدير الشركة وقت فتح الدعوى الجنائية، بينما أرجع المحقق توجيه تهمة للشركة في القضية لأيلولة أرض المشروع وهياكله الحديدية لها بناءً على تزوير قرار مجلس الوزراء من قبل المتهم (1)، فيما أكد المحقق توجيه النيابة كذلك للشركة المتهمة تهمة بمخالفة المادة (6) من قانون الثراء الحرام والمشبوه.

 

إيفاد وكلاء نيابة لنيالا

وكشف المحقق للمحكمة أنه تم فتح هذا البلاغ بموجب توجيه من وزير العدل في عام 2016م، منوهاً إلى أنه وبموجب ذلك تم تدوين إجراءات أولية بنيابة الأموال العامة الخرطوم بالرقم (102) بتاريخ 8/ ديسمبر/ 2016م، أي بعد وقوع حادثة فض الشراكة بين حكومة ولاية جنوب دارفور وشركة (مان) الوطنية، وكشف المحقق للمحكمة انه نسبة لوقوع الحادثة بنيالا وتوقيع عقد الشراكة وفضها بذات الولاية، فقد تم إيفاد وكيلي نيابة الأموال العامة آنذاك (هاني عوض وأنس أحمد عثمان)، إلى نيالا بتاريخ 24/1/2017م، وشرعا في التحريات واستجواب عضو بالمجلس التشريعي بولاية جنوب دارفور حول فض شراكة العقد بين الولاية والشركة، ونبه المحقق إلى أنه وبعد ذلك عاد وكيلا النيابة إلى الخرطوم مجدداً، ومن ثم وردت توجيهات من النائب العام حينها بإحالة ملف الدعوى لنيابة الأموال العامة بنيالا لمباشرة إجراءات التحري في البلاغ، فيما نبه المحقق إلى أن إجراءات التحري الفعلية قد بدأت في 17/2/2021م، وتم تقييد دعوى جنائية في مواجهة المتهم الأول والي ولاية جنوب دارفور السابق آدم الفكي ومدير شركة (مان) الوطنية، مشيراً إلى أنه وبتاريخ 23/3/2020م تم أخذ أقوال المتهم الأول (الفكي) داخل محبسه بسجن كوبر القومي بواسطة وكيل نيابة المال العام بولاية جنوب دارفور.

قصة تقريرين للمراجعة

وفي ذات السياق نبه المحقق عند مناقشته بواسطة ممثل الاتهام عن الحق العام وكيل نيابة الأموال العامة بشير إدريس آدم، إلى أن المراجع القومي قد أعد تقريرين للمراجعة بشأن الدعوى، مبيناً أن التقرير الأول كان في عام 2017م ولم يشمل وجود أية مخالفات في مواجهة المتهمين أو أية اشخاص آخرين، ولم يتم إخطار النيابة بشأنه، وإنما تم تقديم نسخة منه لوالي ولاية جنوب دارفور وقتها وإلى الأمن الاقتصادى بذات الولاية ومجلسها التشريعي وإلى مدير مشروع (المول) التجاري محل الدعوى، في وقت أكد فيه المحقق للمحكمة أنه وبالتحريات فقد تبين إعداد تقرير ثانٍ للمراجعة بشأن هذا البلاغ في تاريخ 25/ أبريل عام 2021م الحالي بناءً على أوامر النيابة بشأن وجود مخالفات.

 

مسؤولية تبديد المال العام

وكشف المحقق للمحكمة أن تقرير المراجعة القومية حمل المتهم الأول والي جنوب دارفور الأسبق آدم الفكي مسؤولية تبديد مبلغ (5.908.650) دولاراً أمريكياً على ذمة القضية، بينما حمل ذات التقرير المتهمة الثانية الشركة مسؤولية استيلائها على مساحة (550) متر مربع من أراضي مشروع بناء (مول) بنيالا محل البلاغ وقيمته (302.500) دولار أمريكي دون وجه حق، وكشف المحقق كذلك أن المراجعة أيضاً حملت الشركة مسؤولية استيلائها عللى السور والمبنى الإداري للمشروع وقيمته (754.713) جنيهاً سودانياً، بجانب تحمليها مسؤولية استيلائها على الهيكل الحديدي للمشروع بقيمة مليوني دولار.

اضطراب سياسي في الولاية

وأوضح المحقق وكيل نيابة الأموال العامة حازم الصادق عمارة، عند مناقشته بواسطة المحامي عمر الكتيابي ممثل دفاع المتهمة الثانية شركة (مان) الوطنية، أن مرحلة الشراكة بين حكومة الولاية والشركة لم تمر بأية مراحل، وإنما حدثت مشكلات وتعثر في الشراكة لاضطراب الأوضاع السياسية بجنوب دارفور وقتها وتغيير الولاة المستمر والأحوال الأمنية، بجانب عدم التزام حكومة الولاية بتقديم نصيبها من المال في الشراكة، منبهاً إلى أن مقترح فض الشراكة عرض على وزير المالية بالولاية، وعليه أصدر مجلس الوزراء بذات الولاية القرار (1) بفض الشراكة، وأعقبته صياغة عقد لفض الشراكة بين الطرفين، إلا أنه لم تتم إجازته من قبل مجلس الوزراء، في وقت نبه فيه المحقق إلى أن طرف الحكومة الموقع على عقد فض الشراكة كانت تمثله وزارة التخطيط العمراني وهي جزء من مجلس الوزراء على حد قوله، وشدد المحقق على أن بنود فض الشراكة لم تقترحها المتهمة الثانية وإنما حكومة الولاية، وكشف المحقق للمحكمة أن حكومة الولاية سلمت المتهمة الثانية قطعتي الأرض الخاصة بالمشروع مقابل تشييدها الطرق الداخلية، حيث تم كذلك استلام الشركة شهادات إنجاز الطرق من لجان تابعة لحكومة الولاية، وأردف قائلاً: (إن المبالغ المالية لتشييد الطرق من قبل الشركة حددتها حكومة الولاية أيضاً، وألزمت من خلالها الشركة بتشغيل الطرق بناقص (25%)، وبالتالي يصبح سعر المتر المربع الواحد (6) آلاف جنيه سوداني.

حكومة عاجزة اقتصادياً

وفي خواتيم جلسة المحاكمة تقدم مستشار وزارة العدل ممثلاً عن الشاكية حكومة جنوب دارفور، بطلب للمحكمة يتعلق برفع جلسات المحاكمة حتى شهر أكتوبر المقبل وحتى انقضاء فصل الخريف، وذلك حتى يتمكنوا من إحضار شهود الاتهام من نيالا للخرطوم، وذلك لمشقة إحضارهم براً بالخريف، إضافة للظروف الاقتصادية لحكومة الولاية (الشاكية) وعجزها عن ترحيل شهود الاتهام إلى الخرطوم عبر الطيران في ظل ارتفاع أسعار تذاكره، إلى جانب عدم امتلاك حكومة الولاية أية طائرة عسكرية أو مدنية لترحيل الشهود للمحكمة بالخرطوم، إلى جانب إمهالهم فرصةً كافية حتى يفصل رئيس القضاء في طلبهم بإحالة ملف القضية إلى نيالا، واقترح ممثل الشاكية على المحكمة مخاطبة محكمة جنايات المال العام بنيالا لسماع إفادات شهود الاتهام أمامها، وذلك استناداً لنص المادة (159) من قانون الإجراءات الجنائية.

رفض الطلب والتعليل

فيما اعترض ممثلو دفاع المتهمين الأول والثاني على الطلب والتمسا رفضه، وذلك لوجود المتهم الأول الفكي بالحبس لأكثر من عام، بجانب ان حاجته للرعاية الصحية المتكررة بالخرطوم غير متوفرة بدارفور، ونبه ممثلا الدفاع إلى أن طلب الشاكية لرئيس القضاء بإحالة الملف لدارفور هو أمر إداري لا شأن لهذه المحكمة به، ولا يجوز تعطيل الإجراءات بموجبه.

ومن جهتها قررت المحكمة رفض طلب ممثل الشاكية جملةً وتفصيلاً، وأمرت بإعلان شهود الاتهام للحضور لجلستها المقبلة، ونوهت بأن مصاريف ترحيل الشهود من صميم عمل الإدعاء لتحقيق العدالة.

الانتباهة

تعليقات الفيسبوك

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى