على غير عادته، إختار عضو مجلس السيادة الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي أن يخلع عباءة الكياسة واللباقة التي عرفت عنه، ويختار التحدث بخشونة غير معهودة فيه حتى مع خصومه ومنافسيه، وهو يصف إتفاق (حمدوك – الحلو) بـ(عطاء من لا يملك لمن لا يستحق)، ويقول إن رئيس الوزراء خرج على مؤسسات الدولة
حديث (الكباشي) أعاد إلى الأذهان حالة الصراع بين المجلس العسكري وإعلان قوى الحرية والتغيير قبيل التوصل إلى إتفاق وقتها، فبحكم الوثيقة الدستورية الموقعة بين الطرفين فإن المهام والصلاحيات تكمن لدى رئيس الوزراء فيما تكون صلاحيات ومهام مجلس السيادة (شرفية)، الأمر الذي جعل من تصريحات (شمس الدين) عرضة للإنتقادات من قبل البعض وأعتبروه إختطافاً للسيادة الوطنية، فيما يرى آخرون أن ثمة مياهاً تجري تحت الجسر بين المكونين العسكري والمدني وبعض قيادات قوى الحرية والتغيير، وأن حديث عضو مجلس السيادة لم يكن إلا رسالة أراد إرسالها في بريد رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك الذي آثر الصمت، فما الذي يدور خلف الكواليس؟ وهل ثمة بدائل جاري الإعداد لها خلفاً لرئيس الوزراء؟ وماهي الخطة (ب) للحزب الشيوعي التي يرتب لها من خلال إتفاق حمدوك والحلو بأديس أبابا؟
ملل غير معلن
ربما حالة من الملل غير المعلن حيال أداء رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك من قبل حاضنته السياسية، وكذا القوى السياسية الأخرى المعارضة، حرك ساكنها تصريحات عضو مجلس السيادة الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي الذي إنقسم حولها الكثيرون ما بين مؤيد ومعارض وتأتي حالة الملل هذه تماهياً مع الأوضاع السياسية والإجتماعية والإقتصادية وحالة السيولة العالية التي تعيشها البلاد، بعد أن خابت الآمال في إدارة حمدوك للبلاد بحسب كثيرين، فالبعض يرى أن فترة إنتقالية بالتعقيدات التي عليها كانت تستوجب المزيد من الحسم والقرارات لإخراج البلاد من عنق الزجاجة، ووفقاً لمراقبين فإن نائب رئيس مجلس السيادة الإنتقالي الفريق أول ركن محمد حمدان دقلو كثيراً ما كان يلمح في تصريحاته من حالة الملل هذه من خلال إنتقاده الجهاز التنفيذي وكيفية تعاطيه مع المرحلة، لكنه لا يستطيع الجهرعلناً لإعتبارات كثيرة وهي أن الرجل تتجه نحوه الأنظار والإتهامات بمحاولة تطلعه للإنفراد بالسلطة وحكم البلاد مستقبلاً.. ووفقاً لمصادر عليمة تحدثت لـ(الإنتباهة) فإن ترتيبات لإقالة رئيس الوزراء من قبل بعض القيادات بحاضنته السياسية ومجلس السيادة
ترتيبات سرية
المصادر العليمة داخل قوى الحرية والتغيير كشفت لـ(الإنتباهة) عن ترتيبات سرية جارية بين بعض مكونات المجلس السيادي بشقيه العسكري والمدني وبعض قيادات قوى الحرية للعمل على إقالة رئيس الدكتور عبد الله حمدوك من منصبه وترشيح آخر بديلاً له لقيادة المرحلة يتماشى وطبيعتهاوقالت المصادر الرفيعة إن هناك حالة من الاستياء العام داخل الحاضنة السياسية والمجلس السيادي جراء طريقة رئيس الوزراء في إدارة البلاد والتدهور الذي باتت عليه، سيما عقب تأييده لسياسات صندوق النقد الدولي وعدم تحمسه للبرنامج الإقتصادي الذي قدمته (الحرية والتغيير) عبر لجنتها الإقتصادية
وأعتبرت المصادر نبرة عضو مجلس السيادة الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي الحادة حيال رئيس الوزراء تؤكد حالة الاستياء التي وصل إليها الجميع، وأفصحت عن جاهزية البديل، لكنه وبحسبها تظل الوثيقة الدستورية عائقاً حيال الخطوة، حيث أنها أغفلت الكيفية التي يتم عبرها إقالة رئيس الوزراء، الذي لا يمكن إلا عبر المجلس التشريعي الذي لم يتم تكوينه بعد، غير أنه ووفقاً للمحلل السياسي الرشيد محمد إبراهيم لـ(الإنتباهة) فأن المكون العسكري داخل المجلس السيادي، قد أوقع حمدوك في فخ الوثيقة الدستورية من خلال التطبيع مع إسرائيل
الطعم
ويرى المحلل السياسي الرشيد أن المكون العسكري قد قام بإعداد ما وصفه بـ(الطُعم) لرئيس مجلس الوزراء من خلال عملية التطبيع وذلك بتجاوز الوثيقة الدستورية وإختراقها، الأمر الذي يسهل لاحقاً عملية الإقالة، قائلاً: بإختراق الوثيقة يمكن فيما بعد يتم إقالة حمدوك من منصبه، لأن الأمر بات عادياً، سيما أنه ذكر في حديث سابق له أنه غير مخول له التطبيع مع إسرائيل لأنه حكومة إنتقالية وليس ذلك من مهامها، وأضاف: لكن التطبيع تم وحدث إختراق للوثيقة فما المانع أن يتم إختراقها مرة مجدداً
وبحسب الرشيد فإن حديث الكباشي يأتي عقب رأي سياسي سالب حول أداء رئيس الوزراء، فضلاً عن التصدع داخل قوى الحرية والتغيير، إضافة إلى جاهزية الشارع للتغيير، قائلاً: العسكر كانوا يخشون من الشارع والشارع الآن بات جاهزاً للتغيير، وأضاف: هناك بالتأكيد متغيرات كثيرة دعت الكباشي لاستخدام تلك النبرة التي استخدمها وهي الأداء الضعيف للحكومة بجانب أن ملف السلام تم إيكاله للعسكر، ولذلك فإن إتفاقاً مثل الذي قام به حمدوك والحلو يعتبر خروجاً عن مؤسسات الدولة
تراجع شعبية
وبحسب مراقبين فإن شعبية رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك تراجعت كثيراً مما كانت عليه، سيما في أعقاب التدهور الإقتصادي وتأزم الأوضاع المعيشية في البلاد وإرتفاع العملات الأجنبية مقابل الجنيه السوداني، وحالة الغلاء الطاحن التي أخرجت الشارع في ديسمبر ٢٠١٨م وأسقطت البشير، ليفاجأ السودانيون بذات السيناريو لكن بطريقة أشد قسوة، الأمر الذي جعله يفقد شعبيته بعد أن وجد تأييداً شعبياً ورسمياً واسعاً، وذهب البعض إلى أن اتفاق حمدوك والحلو ما هو إلا خطة محكمة من الحزب الشيوعي عقب تناقص شعبية حمدوك وهي البحث عن حاضنة جديدة، وبحسب المحلل السياسي الرشيد محمد إبراهيم فإن رئيس الوزراء لديه خطوط تعمل تحته مثل الشفيع خضر وغيرهم الذين يعدون لإدارة المعركة مع العسكر والبحث عن حاضنة جديدة
لفت انتباه
بالمقابل استبعد المحلل السياسي عبد الرحمن أبو خريس أن يكون حديث الكباشي دعوة لإقالة رئيس الوزراء، بقدر ما أنه يصب في خانة تقييم الأداء وشد التراخي، وذلك لطبيعة المكون العسكري الصارمة، وقال إن هناك صعوبة في إقالته عبر المجلس السيادي إلا من خلال المجلس التشريعي أو مجلس وزرائه وحاضنته السياسية.
وأعتبر أبو خريس في حديثه لـ(الإنتباهة) تصريحات الكباشي جاءت نتيجة للإختبار الطويل للرجل الذي عجز في إختيار وزرائه الذين تسببوا في أزمات يعانيها المواطن بحد قوله، ويرى أبو خريس إن قرارات رئيس الوزراء بها إشكالات ومتناقضة وأدخل البلاد عبرها – أي القرارات – في أزمات ونفق، قائلا: تلون حاضنته السياسية أثرت على أدائه وجعلته غير واثق وقادر على التغيير
المصدر : الانتباهة