السودان الجديد ـ في الحرب المستمرة في السودان منذ 15 أبريل 2023، فرضت قوات الدعم السريع طوقا حربيا على عدد من مقرات الجيش بالعاصمة الخرطوم، لا سيما المواقع الإستراتيجية التي تمثل رمزية خاصة للجيش و جنوده.
و من بين تلك المقار التي حوصرت على مدى 20 شهرا، يبرز مقر قيادة الجيش وسط العاصمة، ومقر سلاح الإشارة بمدينة الخرطوم بحري، و مقر سلاح المدرعات جنوبي الخرطوم، قبل أن يتمكن الجيش من كسر هذا الحصار قبل أسابيع قليلة.
و تضم القيادة العامة للجيش السوداني أركان القيادة البرية و البحرية و الجوية، و مقرا للقائد العام للجيش، و آخر لهيئة الأركان يحيط بها -جنوبا- المطار الدولي، و جنوب شرق المطار الحربي، و شمالا مقر الفرقة السابعة، و غربا السوق العربي و جامعة الخرطوم.
شرارة الحرب
و شهدت القيادة العامة شرارة الحرب الأولى حيث هاجمتها قوات الدعم السريع من كل الاتجاهات، لدرجة جعلت قائد هذه القوات محمد حمدان دقلو “حميدتي” يصرح لوسائل الإعلام بأن جنوده داخلها “يحاصرون قائد الجيش عبد الفتاح البرهان المختبئ تحت الأرض”.
و يقول مصدر عسكري إن الدعم السريع نجح -خلال الأيام الثلاثة الأولى للحرب- في التوغل داخل القيادة العامة والسيطرة الجزئية على مقرها البري و نشر قناصين بداخله، قبل أن يتمكن الجيش -و بضربات خاطفة- من إخراج هذه القوات و تكبيدها خسائر فادحة.
و كاد حصار الدعم السريع للقيادة العامة للجيش يكون من المسافة صفر، وكان ثمة انتشار للقناصة في أماكن لا تبعد أكثر من 500 متر عن محيطها خاصة من الناحية الجنوبية والشرقية. وظل هذا الوضع قائما على مدى 21 شهرا وأدى إلى قطع الإمداد بالسلاح والعتاد والعنصر البشري والمواد الغذائية بالطرق البرية، مما اضطر قيادة الجيش إلى استخدام الطيران لإسقاط المؤن والمواد الطبية للجنود والقادة المحاصرين.
و في تصريح للجزيرة نت يقول ضابط برتبة رفيعة في الجيش كان من المحاصرين داخل القيادة العامة إن “مليشيا الدعم السريع نفذت أكثر من 20 هجمة على القيادة العامة استخدمت فيها المدرعات و الدبابات، و جميعها باءت بالفشل”. و أضاف أن معظمها كانت من الاتجاه الشمالي الشرقي و الجنوبي لعدم وجود موانع تحد من اقتحام قواتها للقيادة العامة.
و وفق الضابط الذي كان يشرف على إحدى المواجهات بمقر القيادة العامة، فإن قوات الدعم السريع لم تهاجم عبر الاتجاه الغربي نظرا لوجود السور الخرساني الذي يحد من عمليات الاقتحام، ويُرجع “فشلها” في إسقاط القيادة إلى عدة أسباب من بينها:
تدخل المدفعية والطيران بفعالية كبيرة منذ لحظة تجمع قوات الدعم السريع ومباغتتها قبل الهجوم.
الخطة الدفاعية الجيدة التي انتهجها الجيش في الدفاع عن قيادته العامة.
تماسك القوات المدافعة و إصرارها على القتال لرمزية هذه القيادة.
واستمر وضع الجيش مدافعا عن القيادة العامة 20 شهرا قبل أن يتمكن من كسر الحصار عبر عمليات برية مكثفة من محور مدينة الخرطوم بحري وصولا للقيادة من الناحية الشمالية، و من ثم إنهاء الحصار كليا.
سلاح المدرعات
يُعتبر سلاح المدرعات من أبرز أسلحة الجيش السوداني و يعتمد عليه بشكل كبير في جميع مواجهاته، و يوجد جنوبي الخرطوم وسط عدة أحياء من بينها أحياء الشجرة و اللاماب و جبرة.
و تمكنت قوات الدعم السريع من حصار هذا السلاح و عزله عن حاميات الجيش في الخرطوم وقطع خطط إمداده ثم مهاجمته. و حسب مصادر متعددة تحدثت للجزيرة نت تمكنت القوات، في أغسطس 2023، من التوغل إلى عمق سلاح المدرعات وكادت أن تسيطر عليه كليا قبل أن يتمكن الجيش -و بإسناد من الطيران الحربي- من إخراجها من أسواره.
و يقول مالك يحي البروف أحد المقاتلين في سلاح المدرعات إن “مليشيا الدعم السريع عملت على حصار هذا السلاح منذ الوهلة الأولى للحرب، و إنهم مع بداية الحصار طوروا أسلوب استنزافها من خلال قنص أفرادها وآلياتها عبر بنادق القنص الكبيرة مع إصابة الأهداف بدقة عالية، مما أفقدها المناورة في الطرق الرئيسية والتفوق بالكثافة النيرانية من المدافع المحمولة في العربات القتالية”.
و وفقا له، وطيلة 20 شهرا، شن الدعم السريع 180 هجوما على سلاح المدرعات بغرض السيطرة عليه، إلا أن كل محاولاته انتهت بالفشل و تكبيدها خسائر كبيرة، و أضاف “قتلنا عددا من قيادتهم الميدانية و كسرنا قوتهم الصلبة، تعرضنا في المدرعات للقصف بالمدافع و الراجمات والهاون، وكانت المليشيا تطلق في اليوم الواحد أكثر من 500 قذيفة داخل صندوقنا القتالي”.
و مؤخرا، نجح سلاح المدرعات في كسر الحصار والتقدم إلى وسط الخرطوم والسيطرة على كل مواقع الدعم السريع التي كانت تحاصرهم فيها، لا سيما من شماله و شرقه، حيث واصلت قوات المدرعات تقدمها إلى محيط السوق العربي وسط الخرطوم و باتت على مقربة من الالتحام مع قوات الجيش بالقيادة العامة وسط الخرطوم.
سلاح الإشارة
يُعتبر سلاح الإشارة من أسلحة الجيش الفنية ومقره مدينة الخرطوم بحري، ويربط بينه وقيادة الجيش جسر حديدي بمسافة كيلومترين اثنين. وقد تعرض لحصار دام 21 شهرا وكان متنفسه الوحيد الناحية الجنوبية حيث قيادة الجيش التي كانت تعاني الحصار نفسه.
و كان قناصة الدعم السريع ينتشرون على بعد أمتار من معسكر سلاح الإشارة خاصة المجمع السكني لضباط الشرطة الذي كان يبعد 500 متر عن السلاح، واستخدمت القوات مكانا فيه للقنص.
و يقول عباس مصطفى و هو ضابط بسلاح الإشارة إن هذا السلاح تمكن من حماية دفاعاته طوال 20 شهرا رغم أن ما وصفهم بمليشيا الدعم السريع تمكنوا من الانتشار في 3 اتجاهات منه شرقا و غربا وجنوبا.
و أضاف أن السلاح صمد في وجه الحصار “بل تمكنا من هزيمة المليشيا المتمردة وكبدناها خسائر في الأرواح فضلا عن سيطرتنا على أسلحة منهم بينها سيارات قتالية و أخرى ثقيلة مثل المدافع و الرشاشات التي ساهمت في تقوية دفاعات سلاح الإشارة”.
و حسب مصطفى فإن الدعم السريع و بعد هزيمته في المواجهات المباشرة، لجأ إلى خيار القصف المكثف على سلاح الإشارة حيث كان يطلق في اليوم الواحد بين 800 و900 قذيفة على مقره بكثافة غير معهودة و أوضح أن معظم القصف كان من الناحية الشرقية و الشمالية الشرقية لاسيما بمدافع الهاون.
و قال إن القصف ألحق خسائر بسلاح الإشارة عكس المواجهات المباشرة وإن هذا السلاح تعرض لـ37 هجمة منظمة بغرض إسقاطه و السيطرة عليه “و لكن جميعها باءت بالفشل كما أن وتيرة الهجمات تراجعت مؤخرا بفضل صمودهم”.
و وفقا له، فإن الطيران المسيّر التابع للجيش لعب عاملا حاسما في “دك هجمات الدعم السريع و تشتيتها “. و أشار إلى أن قوات الأمن و المخابرات الوطنية لعبت دورا مهما في إسناد سلاح الإشارة لوجود مكاتب لها تتبع دفاعه، فضلا عن امتلاكها أسلحة في مخازن -خاصة بداية الحرب- ساهمت في إجهاض محاولات إسقاط سلاح الإشارة.
و مؤخرا نجح الجيش في فك الحصار عن سلاح الإشارة بالتزامن مع فك الحصار عن مقر قيادته بعد عملية برية انطلقت من أقصى مدينة الخرطوم بحري.
عبد الرؤوف طه علي