المقالات

كاتب سوداني : موقع السودان في خارطة العالم الجديد

السودان الجديد ـ مع عودة دونالد ترامب إلى كرسي الحكم في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، بدأت الرياح تهب عاصفة من كل الاتجاهات، فسياسات الرجل هذه المرة، تشبه الإعصار الذي يقلب كل شيء رأساً على عقب.. إنه يفكر بعقل أمريكي موغل في الذاتية، لا يكترث لشيء مما كان العالم القديم يحفظه من تحالفات استراتيجية، أو سياقات سياسية استقرت لدى الدول الكبرى منذ نهاية الحرب الباردة، بل ربما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية!!..
ترامب هذه المرة يطلق رصاصاته في كل الاتجاهات، بعد أن أحاط أمريكا بجدار من الدروع!!..رصاصات باتحاه الهجرة، شرعية كانت أم غير شرعية.. وباتجاه التجارة والاقتصاد؛ الدولار في مقابل منطقة اليورو!!..ورصاصات في قلب السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، ربما تنتهي بتصدع العلاقات السياسية والعسكرية التي ربطت أمريكا بأوروبا طيلة العقود الماضية!!..
لقد قلب ترامب طاولة الاتفاقات التجارية والاقتصادية مع أوروبا ودول الغرب؛ بما يقود إلى مواجهة مع اليورو..فرض الرسوم الجمركية على السلع!!..أوقف الصرف على المساعدات بما فيها المساعدات العسكرية لأوكرانيا مما يعني أن ظهر أوروبا قد أصبح مكشوفاً أمام الدب الروسي!!..هذا فضلاً عن توجهات سياسية باتجاه احتلال جزيرة غرينلاند التي تتبع رسمياً للتاج الدينماركي، مما يعني أن شبح الحرب نفسه قد يطل بين أمريكا وأوروبا!!.
لأول مرة في تاريخها السياسي، منذ خروجها من عزلتها خلال الحرب الكونية، لم تتجه أمريكا بهذه الحدة إلى مصادمة أوروبا اقتصادياً و سياسياً، مثلما يحدث الآن مع عودة ترامب!!.. وأوروبا تستشعر الخطر و تستعد للمواجهة!!.. وتعلن أنها لن تقف مكتوفة الأيدي!!.. والدنمارك السياسية تتحرك في محيطها الأوروبي طلباً للنصرة في مواجهتها مع أمريكا، فتتسابق الدول الإوروبية إلى إعلان موقفها المساند لها، وتبدي استعدادها للوقوف إلى جانبها إذا ما قاد الأمر إلى مواجهة عسكرية..مثلما حدث في جولة رئيسة الوزراء الدنماركية في إوروبا هذا الأسبوع!!.
هذا عالم جديد يتشكل في الفترة القادمة!!.. وإذا سارت الأمور بهذا الاتجاه، فإن كل الخرط ستتغيير..خارطة التحالفات الدولية ستعيد تموضعها على نحو عجيب!!.. أوروبا في مكان جديد، والصين في مكان، وروسيا في مكان جديد، ربما بجانب أمريكا.. وخارط الصراعات ستتبدل.. فالصراعات بالوكالة التي كانت تديرها الدول الإوروبية في إفريقيا وغيرها، ستحل محلها الصراعات بالأصالة، حيث ستكون أوروبا مشغولة بصراعها المباشر مع أمريكا.. وسيكون لذلك أثره على (الصراع السوداني)!!.. فلن يكون هناك وقت أمام الأوروبيين، الذين يساندون المليشيا، للعب الشطرنج في رمال الصحراء ، أو سهول السودان!!..أروقة مجلس الأمن ستكون مشغولة بملفات أزمات أخرى، جديدة، هي أزمات العالم الأول، ولن يكون هناك فراغ تقضيه الدول الكبرى لتقليب أرواق أزمات العالم الثالث!!..
ترامب يقود عاصفة.. والجميع يدركون ذلك، مثلما يدركون أن أحداً لا يمكنه التكهن بموقعه بعد سكون هذه العاصفة!!.. في أعلى الشجرة؟!..أم على سفح الجبل؟!.. أم في قعر الوادِ؟!..القوى الدولية والإقليمية التي تقف وراء مليشيا التمرد تعي ذلك!!..وتعي كذلك أن المليشيا التي فشلت طيلة الفترة الماضية في تنفيذ كل ما تم التخطيط له، وبل وفشلت في الاحتفاظ بالأراضي التي كسبتها خلال الحرب، ليس أمامها الآن إلا فرصة أخيرة وهي محاولة شطر السودان من جديد، والانقسام بدولة جديدة في دارفور، وذلك يعتمد على السيطرة على مدينة الفاشر بأي شكل كان؟!..
و لذلك كان التهديد الذي صدر للمليشيا واضح جداً، وهو أن المساعدات المادية والعسكرية واللوجستية، سوف تنقطع عنها تماماً، إذا لم تحقق نجاحاً حاسماً بالاستيلاء على مدينة الفاشر!!.. وهذا ما كشفت عنه مصادر عسكرية أوضحت، أن القوى الإقليمية التي تقف خلف قوات الدعم السريع طالبتها منذ شهور بالسيطرة على الفاشر، وهددتها بقطع إمدادات الأسلحة المتطورة والطائرات المسيرة عبر الأراضي التشادية و الليبية في حال فشلها!!.. وهذا يفسر العودة للهجمات اليائسة التي قامت بها المليشيا الأيام الماضية، التي يتحدث البعض أنها قد استخدمت فيها الخيول والجمال بجانب ما تبقى من سيارات وعتاد حربي!!..
كما يفسر اللجوء إلى القصف العشوائي بغرض قتل أكبر عدد من المواطنين وإشاعة الخوف والذعر، في المناطق التي تم قصفها، مثل سوق صابرين بأم درمان، وسوق ليبيا بأم درمان، وشرق النيل، وداخل الفاشر، وغيرها من المناطق وقتل فيها عشرات المدنيين الأبرياء.. بجانب الهجمات التخريبية على البنى التحتية، مثل استهداف محطة توليد الكهرباء بسد مروي، واستهداف محطة دنقلا ومحطة الشُوَك بالقضارف، ومحطة أم دباكر بالنيل الأبيض، وخزان سنار!!..
و حرب السودان أيضاً سيكون لها دور في الصراع المتوقع بين أمريكا و أوروبا، فمناطق النفوذ في إفريقيا، لن تكون بعيدة عن الصراع الأوروبي الأمريكي.. فأمريكا ستنافس أيضاً في مواطن الثروات في إفريقيا، ولن تذعن لما كان متواضعاً على في السابق من تحديد لمواطن النفوذ الفرنسي، والبريطاني في إفريقيا.. كان هذا واضحاً في سعي أمريكا للمزاحمة في كسب ود كثير من الأنظمة السياسية في إفريقيا، التي كانت تعتبر مناطق تحت النفوذ الفرنسي، مثل إفريقيا الوسطى و تشاد.. أمريكا تمد عينيها إلى ثروات إفريقيا، والسودان بالنسبة لها مدخل جيد ومهم!!

أحمد غباشي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى