محمد أزهري : من الخنادق إلى الفنادق!
السودان الجديد ـ بداية الحرب، كان الجيش بلغة الكورة (مضروب في كل محور)، كنا نكذب أنفسنا ما نسمعه و ما نراه عبر فيديوهات الأوغاد، و كنا ندخل في نقاشات حادة مع زملاء نكذب حتى الحقيقة الماثلة أمامنا، بأن الجيش لا يهزم، و على الأرض يضرب متحرك تلو أخر و يسقط موقع هنا وهناك.
في تلك الشهور البائسة أعرف ضباط أرسلهم الجيش للتدريب في دول عظمى على قتال المدن وتكنولوجيا الحرب الحديثة، وفي الداخل انتظمت معسكرات الاستنفار، وبينما تزداد شراسة المعارك مع تفوق كبير للمليشيا على الجيش، وانفتاحها على ولايات جديدة، زاد اليأس عندي، مع تساؤلات مشروعة، (ما فائدة التدريب ولم يتبقى للجيش سوى مواقعه الرئيسية؟).
في تلك الأيام المريرة شنت المليشيا نحو مائة وأربعون موجة هجوم (مليشي خلوي) على قلعة المدرعات الحصينة، جميعها تكسرت أمام صخرة دفاعات مصممة وفق نهج دفاعي عسكري مدروس في (الكلية الحربية)، ومدعم بدورات في أرفع الأكاديميات العسكرية في الداخل و الخارج لمن صمموه، فكانت المدرعات عبارة عن حاصدة أرواح عملت بطاقة إنتاجية عالية في موسم حصاد الجنجويد.
بمرور الوقت وثبات الرجال وصبرهم نجحت خطة القيادة في تحطيم الكتلة الصلبة للمليشيا، تبدلت أوضاع الميدان من الدفاع إلى الهجوم، خرج جيش المدرعات منذ فترة في عمليات تمشيط، طهر مواقع و أحياء مجاورة، ثم تمدد و انفتح اليوم شمالاً وفي أول هجوم على دفاعات المليشيا تكسرت أمامه بكل سهولة، دخل الرميلة، و القوز، و حرر الإمدادات الطبية وسك العملة ثم حطم دفاعات المنطقة الصناعية، و أصبح الجيش على بعد أمتار من وسط الخرطوم والقيادة العامة و المقرن، وستكون عملية إلتحام جيش المدرعات مع جيش أم درمان و القيادة العامة مسألة وقت و قاصمة ظهر للمليشيا وتطهير كامل لوسط الخرطوم والانفتاح جنوباً حتى الإلتحام مع الجيوش القادمة من الجزيرة والنيل الأبيض، وإعلان الخرطوم حرة من دنس التمرد الغاشم بإذن الله.
تقدم اليوم بلا شك أكد المؤكد بأن الجيش كان يعمل بدقة لهذه اللحظة التاريخية، ثبت وصبر على الهجوم ونجح في صده ثم صبر ودرب عناصره جيداً وهاجم بضراوة وهاهو ينجح بإمتياز في عملية تحرير أرض الخرطوم الطاهرة، ونظافة عماراتها وفنادقها مؤسساتها و مساجدها، وتكون هذه أكبر عملية برية مفاجئة للجنجويد لأنها انطلقت من (حُفر) الخنادق إلى سوح الفنادق.
محمد أزهري