أحمد غباشي : فوضى ما قبل الرحيل!!
السودان الجديد ـ منطقة المثلث الواقعة بالريف الجنوبي لأمدرمان، قبالة خزان جبل أولياء، بها سوق يعرف محلياً بـ “سوق الجبل”، يعتمد عليه مواطنو الريف الجنوبي في تأمين حاجياتهم اليومية، بعد أن تقطعت بهم سبل العيش الكريم في ظل وجود المليشيا، التي درجت على ممارسة صنوف القهر والإذلال بحق هؤلاء المواطنين المغلوبين على أمرهم، فضلاً عمّا تثقل به كاهلهم من الجبايات غير المنطقية التي يحصلها أفرادها في اراتكازاتهم المنتشرة بفوضوية على طول الطريق..
في الآونة الأخيرة، تفاقمت المأساة على رواد السوق من باعة ومواطنين، جراء قصف متكرر بقذائف الهاون، من مدى ليس بالبعيد، دائماً ما تستهدف الأماكن مكتظة!!.. إدَّى إزهاق أرواح العشرات من المواطنين، بما فيهم الباعة بالسوق..
و ما أن تسقط القذيفة وتنتشر الفوضى، حتى يأتي أفراد المليشيا حاملين أسلحتهم وسياطهم، فيقومون بتفريق المواطنين وإبعادهم، بإطلاق الرصاص على بصورة عشوائية، وأحياناً على على مستوى المواطنين، وفقاً لتأكيدات شهود عيان!!.. وما أن تتفرق الجموع، حتى تبدأ عمليات النهب والسرقة للبضائع والأموال!!..
تحاول المليشيا أن تلصق حوادث القصف بالجيش، فيقولون إن الجيش يدفع بالمتسللين من عناصره ليقوموا بتلك المهام!!.. ولكن تلك الدعاوى لم تنفق لدى المواطنين ولم تنطلِ عليهم.. بل أصبح واضحاً للجميع، أنه لا صلة للجيش بذلك القصف، خاصة أنه يتم من أماكن قريبة لا وجود للجيش فيها.. فكيف يدفع الجيش بمتسللين بمدافع الهاون لتلك المناطق البعيدة عن تمركزاته دون أن تكتشفهم المليشيا؟!.. بل أصبح من شبه المؤكد للناس هناك أن هذا القصف المتكرر، بما يصل إلى ثلاثة مرات في الأسبوع، ما هو إلّا أسلوب دنيء يمارسه عناصر المليشيا، لتسهيل عمليات السلب النهب، التي صارت سلوكاً مميزاً لهم!!.
و من الظواهر التي أصبحت ملاحظة، جداً، كثرة الاشتباكات بين مجموعات المليشيا المتنافرة، ومحاولات السطو على بعضهم البعض.. قبل يومين قتل بقرية هجيليجة أحد أشهر منسوبي المليشيا الذين عرفوا بالسطو على المنازل، حين حاول في مجموعة من خمسة أفراد السطو على منزل أحد مستنفري المليشيا، فوقع تبادل لإطلاق النار بينهم، سقط على إثره ذلك اللص صريعاً، بينما لاذ رفاقه بالفرار!!.. و غير ذلك من الحوادث، التي أصبحت مشاهد شبه يومية!!.
هذه الظواهر تنامت بصورة كبيرة، بالتزامن مع وفود مجموعات كبيرة من المليشيين الفارين من مدن الجزيرة وقراها المحررة، وكذلك من الخرطوم والخرطوم بحري!!.. كثير من هؤلاء الفارين جاءوا إلى الريف الجنوبي ليلتقطوا بعض أنفاسهم ليواصلوا بعدها رحلة الفرار الطويل!!.. وفي أثناء التقاط تلك الأنفاس، لا بأس من التقاط بعض الغنائم!!..بأي طريقة كانت!!.. فتلك النفوس المريضة لا تقيم وزناً لروح إنسان تزهق، و لا تعرف رعاية لوشيجة زمالة أو رابطة من أي نوع، حتى لو كانت رابطتهم الدموية تلك!!.
إنها فوضى ما قبل الرحيل!!.. لقد بات سكان الريف، رغم قسوة المحنة المعاناة، على ثقة من أن ما تبقّى هو القليل، وأن ما صبروا عليه ومضى هو الكثير!!.. فهؤلاء هم الجلادون يحزمون الآن امتعتهم وما جمعوه من منهوبات خلال ما يقارب عامين، يحزمونه على متون مركباتهم، و يبيعون ما استطاعوا بيعه بحفنة من الجنيهات، استعداداً للرحيل و الفرار غرباً!!..نحو مصير مجهول!!.
أحمد غباشي