السودان الجديد ـ في قلب الخرطوم، حيث تعصف الحرب بكل شيء، تظهر جبهتان صحيتان جديدتان تتصاعدان تدريجيًا لتصبحا تهديدًا أشد قسوة من ساحة المعركة نفسها، العشى الليلي الذي يبتلع البصر، و السعار الذي يفتك بحياة الأبرياء.
في هذا المشهد المرير، تتشابك الأوجاع وتترسخ المخاوف، وتتحول الخرطوم إلى ساحة موت صامت يضرب بلا هوادة كل شيء يقف في طريقه.
العشى الليلي.. الظلام يقتحم العيون
في مخيمات الإيواء التي تعج بالنازحين الذين فقدوا كل شيء، حيث يفتقر الناس هناك إلى أبسط مقومات الحياة، بدأ الظلام يغزو عيونهم.
العشى الليلي لم يعد مجرد اضطراب بصري، بل أصبح بداية رحلة نحو العمى، وكابوسًا يزداد عمقًا مع كل يوم. مع تدهور الظروف الصحية و سوء التغذية، تفشى هذا الاضطراب بشكل مروع، ليصبح الظلام في أعينهم أكثر من مجرد حالة طبية؛ بل هو علامة على انهيار الأمل. رغم محاولات الجهات الصحية، تظل الحلول محدودة في ظل أزمة الرعاية الصحية الطاحنة.
و كشفت مصادر طبية أن العشى الليلي انتشر بسرعة البرق في العديد من المناطق منذ بداية الحرب، ليصيب الآلاف في الخرطوم ويزيد من معاناتهم، خصوصًا في أماكن الإيواء المكتظة. هذا الاضطراب البصري الذي يعمي الأبصار أصبح خطرًا جديدًا يضاف إلى سلسلة الأزمات المتلاحقة.
كما أوضحت المصادر أنه في ظل هذا التحدي سارعت فرق التغذية لتوفير وجبات غنية بالفيتامينات، مثل “العصيدة” و”القرع”، التي شكلت طوق نجاة بفضل غناها بالعناصر المغذية التي تساهم في تعزيز صحة العين. مع وصول مكملات غذائية إلى المراكز الصحية ودور الإيواء عبر وزارة الصحة، بدأ العشى الليلي في التراجع بشكل ملحوظ، مما ساهم في تقليص الضغط على المرافق الصحية وقلل من التردد عليها.
السعار.. عضة قاتلة تهدد الأرواح
لكن الخرطوم لا تواجه الظلام فحسب، بل تواجه أيضًا هجومًا شرسًا من الكلاب الضالة التي تنتشر في الشوارع المظلمة، تهاجم بلا رحمة.
داء السعار، الذي ينتقل بسرعة مروعة، يشكل تهديدًا حقيقيًا لحياة المدنيين. المعلومات الطبية تشير إلى أن حالات عضات الكلاب قد تضاعفت بشكل مروع بعد اندلاع الحرب، مما حول الخرطوم إلى أرض خصبة لمخاطر صحية قاتلة، رغم الجهود المستمرة للقضاء على هذه الكلاب.
موجة كارثية
و كشفت مصادر مطلعة أن الخرطوم شهدت موجة كارثية من عضات الكلاب الضالة، خصوصًا بعد تحرير أم درمان القديمة، حيث تحولت الشوارع و الأزقة إلى ساحة موت حقيقية. الوضع كان خطيرًا للغاية، إذ أصبحت الكلاب الضالة تهديدًا مباشرًا للحياة. في تلك اللحظات العصيبة، تدخلت وزارة الصحة و وزارة الثروة الحيوانية و الشرطة بسرعة، و اتخذت إجراءات قاسية، تم خلالها إعدام أعداد ضخمة من الكلاب الضالة.
و رغم الصعوبات التي واجهتها السلطات في تأمين الأمصال في البداية، إلا أن توفرها لاحقًا ساهم في السيطرة على الأزمة.
و أكدت المصادر أن الحملة العنيفة ضد الكلاب الضالة كانت حاسمة، حيث انحصرت هذه الكلاب بشكل كبير من الشوارع و الأحياء السكنية. وفقًا لأحدث التقارير لهذا الأسبوع، تم تسجيل أربع حالات عض فقط، ما يعكس تراجع الظاهرة بشكل حاد ويؤكد نجاح العمليات القاسية في اجتثاث الخطر.
العربية