كيف تؤثر الحرب على العادات الاستهلاكية للسودانيين في رمضان؟

يواجه السودان جملة من التحديات الهائلة والتعقيدات الاقتصادية الضاغطة نتيجة الحرب المستمرة منذ الخامس من أبريل الماضي.

ويعد شهر رمضان المبارك من الشهور الفارقة في حياة المواطنين، إذ يتغير مجرى الحياة اليومية ويتزايد التركيز على التحضيرات والاستعدادات لاستقبال هذا الشهر الكريم.

ومع ذلك، يظهر تأثير الحرب الراهنة بشكل واضح على استعدادات المواطنين للشهر الفضيل بمجموعة من القضايا الاقتصادية الملحة.

أحد التحديات الرئيسية التي تعصف بالمواطنين هو الضغط الكبير الذي يمارسه الوضع الاقتصادي على الحياة اليومية؛ فالحرب أثرت بشكل كبير على الاقتصاد الوطني، في ضوء تدهور القوة الشرائية للمواطنين، كما أن ارتفاع الأسعار لم يقتصر على بعض السلع الرئيسية بل امتد إلى مجموعة واسعة من السلع والخدمات الأساسية، مما يجعل تلبية احتياجات شهر رمضان تحديًا أكبر.

وتأتي مشكلة نقص السلع الأساسية على رأس التحديات الاقتصادية التي يواجهها المواطنون.

فتدمير الكثير من المصانع وتوقف الإنتاج في عديد من القطاعات أدى إلى انخراط البلاد في مأزق، حيث يشعر المواطنون بصعوبة في الحصول على السلع الضرورية لشهر رمضان.

لا يقتصر التأثير الاقتصادي السلبي للحرب على ارتفاع الأسعار ونقص السلع فقط، بل يمتد أيضًا إلى مشكلة سعر صرف الجنيه.

فأزمات سوق الصرف وحتى التحويلات تخلق بيئة اقتصادية غير مستقرة، مما يؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين ويجعل التخطيط لاستهلاك شهر رمضان أمراً صعباً

وفق دراسة أجراها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، فإن:

عدد النازحين ارتفع إلى 10 ملايين و700 ألف شخص منذ اندلاع الحرب كأكبر حالة نزوح في العالم.
قدرت تكاليف الحرب بأكثر من 100 مليار دولار، إذ توقف 70% من النشاط الاقتصادي في السودان.
تُقدر تكلفة المعارك بنحو نصف مليار دولار يوميًا؛ اعتماداً على حجم الخسائر ومعوقات النمو الاقتصادي وتعطيل الخدمات والمرافق الحيوية بالبلاد.
انخفض معدل النمو الاقتصادي إلى -18.3 بالمئة وفقًا لتوقعات البنك الدولي لعام 2023.
وتضاعفت أسعار بعض السلع الغذائية الرئيسية بأكثر من ثلاث مرات بسبب توقف سلاسل الإمداد وانخفاض قيمة الجنيه السوداني.

غياب السلع الأساسية في الأسواق

الكاتب الصحافي السوداني، عبد الناصر الحاج، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: لقد اعتاد السودانيون قبيل حلول شهر رمضان المعظم على الإقبال المبكر لشراء احتياجات الشهر كافة وتوفير الكثير من السلع الاستهلاكية.

ويضيف: كانت الأسواق تشهد وفرة كبيرة في جميع أنواع السلع الاستهلاكية، خاصة المواد الغذائية المرتبطة بشهر رمضان الكريم “لكن في الوقت الراهن تشهد الأسواق ظرفاً استثنائيّاً نتيجة مباشرة للحرب المستمرة منذ 15 أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع قبل نحو 11 شهراً”.

ويضيف:

الحرب ألقت بظلال وخيمة كثيفة على عموم المشهد السوداني، من جوانب أمنية واقتصادية ومجتمعية.
تأثرت العاصمة الخرطوم على وجه التحديد بهذه الحرب، وهي أكثر المدن السودانية التي تتمركز فيها كثير من الصناعات المحلية الخاصة بالمواد الغذائية؛ بما يعني توقف عمليات الإنتاج بالكامل.
تمددت الحرب إلى ولايات السودان التي تنتج الحبوب الغذائية وكثير من المنتجات الحيوانية، ما أثر على أمنها الغذائي.
يهل شهر رمضان هذا العام على السودانيين، والأسواق تعاني كساداً كبيراً وشاً بائناً.
انهيار ملحوظ للعملة الوطنية، مما يعني ارتفاع جنوني في أسعار كثير من السلع الاستهلاكية – على قلة المعروض منها والمتوفر.
طيلة شهور الحرب، يعتمد غالبية السودانيون، على تحويلات الأموال من المغتربين خارج البلاد، إلا أن انقطاع شبكات الاتصال، قد أثر تأثيراً مباشراً على التحويلات البنكية، وهو الأمر الذي من الممكن أن يضاعف معاناة السودانيين ويجعل رمضان هذا العام مختلفاً في كل شيء.
يحتاج المواطن السوداني الكثير من السلع الغائبة عن الأسواق، من دقيق الخبز والذرة، والسكر، والزيوت وجميع مستلزمات المائدة الرمضانية، حيث إن بعضها أصبح الحصول عليها أمراً عسيراً، وفي حال الحصول عليه يجده المواطن بأسعار عالية فوق مقدرته المادية، وبالتالي لا يقوم بشرائها.
ووفق الدراسة المشار إليها الصادرة عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، فإن العملة السودانية تعرضت لضغط كبير ، وقد خسر الجنيه 50 بالمئة من قيمته منذ أبريل الماضي، حيث يتم تداول الدولار بأكثر من 1000 جنيه سوداني بعد الحرب، بالمُقارنة بـ600 جنيه قبل الحرب.

كذلك ارتفعت معدلات البطالة في السودان من 32.14% في عام 2022 إلى 47.2% عام 2024، وفقاً لإحصاءات صندوق النقد الدولي.

تراجع قيمة الجنيه وغلاء الأسعار

في سياق متصل، يقول الخبير الاقتصادي السوداني، هيثم فتحي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن شهر رمضان يحل على أهل السودان في ظروف شديدة القسوة اجتمعت فيها الحرب على مناطق الخرطوم والجزيرة وسنار، ودارفور وبعض مناطق كردفان، وفي وقت بلغت الاحتياجات الغذائية أعلى مستوياتها، حسب تقارير الأمم المتحدة.

ومنذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل؛ توقفت عجلة الإنتاج في العاصمة الخرطوم التي تعتبر مركز الثقل الاقتصادي في البلاد؛ إضافة إلى مناطق عديدة في إقليمي دارفور وكردفان المتأثران بالحرب أيضاً.

ويضيف:

يشهد السودان موجة من غلاء الأسعار وتدهور سعر صرف الجنيه أمام الدولار الأمر الذي ترك أثراً عميقاً على الحياة المعيشية للسودانيين.
أزمات الحياة اليومية من كهرباء وماء ومحروقات وخبز وغذاء لا تنتهي.. وباتت هذه الأزمات مرتبطة ببعضها.
يشهد السودان الكثير من الخسائر التي تؤثر على توفير السلع للسكان.
تعيش البلاد وضعاً اقتصادياً صعباً، يقابله انخفاض مستوى الحد المتوسط في أجور اليد العاملة وتأخر رواتب الكثير من موظفي القطاع العام، وتشريد موظفي القطاع الخاص، فضلاً عن عدم توفر فرص عمل للحرفيين.
توقف إنتاج مصانع السكر بالكامل خاصة في ولاية الجزيزة وسنار وتم تشريد العمال، ونهب جميع أصول هذه المصانع من أثاث وسيارات ومنقولات.. “ونخشى تدمير وسرقة الآليات الخاصة بهذه المصانع”.
يعيش عمال المصانع الموجودة في النيل الأبيض والتي تضم أكبر مصنعين للسكر “مصنع كناكة والنيل الأبيض”، حالة من عدم الاستقرار النفسي والأمني، مما ينعكس على الإنتاج ويجعله دون المستوى ولم يحقق الهدف المنشود منه، ليخلق هذا الأمر حالة من القصور تعيق تلبية هذه المصانع احتياجات المواطنين السودانيين في شهر رمضان المعظم.
وشدد فتحي على ضرورة دراسة وزارتي التجارة والمالية هذا الأمر بهدف تغطية العجز من خلال الاستيراد من الولايات المستقرة “الشرقية والشمالية والوسط” في جنوب كردفان، مؤكدًا أنه يمكن للولايات الحدودية أن تغطي حاجتها عبر التبادل التجاري من الحدود، كما يمكن أن ينفذ هذا الأمر سكان هذه الولايات.

سكاي نيوز

Exit mobile version