ما زال القلق يساور حسين بشأن أخته المريضة التي تسكن في العاصمة الخرطوم، خاصة بعد انتقاله إلى مصر وانقطاع الاتصالات في السودان، والتي لم يكن آخرها مبشًرا بالنسبة له، فقد تلقى اتصالًا يخبره بتردي حالة أخته بعد أن تم حجزها في مستشفى النو بأمدرمان إثر تعرضها لوعكة صحية، الأمر الذي يجعله يشعر بالقلق بعد انهيار الخدمات الصحية في العاصمة جراء نقص الدواء والكادر الطبي بعد أكثر من (10) أشهر من الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
تتواتر الأنباء عن حدوث وفيات في صفوف المدنيين في مناطق الاشتباكات جوعًا، بعد أن استحالت وصول المساعدات المالية التي كانت تتلقاها بعض المبادرات التي تقدم وجبات مجانية للعالقين
ولا يعتبر حسين المتضرر الوحيد من انقطاع الاتصالات في السودان، وفقدان التواصل مع الأسر في مناطق الاشتباك، إذ يعاني ملايين السودانيين داخل وخارج حدود الأراضي السودانية من هذه الكارثة الإنسانية التي كانت بدايتها في السادس من شباط/فبراير الجاري.
وتتواتر الأنباء عن حدوث وفيات في صفوف المدنيين في مناطق الاشتباكات جوعًا، بعد أن استحالت وصول المساعدات المالية التي كانت تتلقاها بعض المبادرات التي تقدم وجبات مجانية للعالقين في براثن الحرب في السودان، وذلك وفقًا لبيانات نشرتها منصات رسمية للجان مقاومة وغرف طوارئ في مناطق متفرقة من العاصمة الخرطوم.
حولات مالية
مع أن السودان يسبق المملكة المتحدة في التوقيت بساعتين، إلا أن زهرة التي هاجرت لبريطانيا منذ عقد من الزمان، أعادت ضبط توقيتها ليكون ملائمًا تمامًا مع السودان منذ انقطاع الاتصالات، وذلك لتتمكن من أن تتوقع مواعيد الوجبات التي تمر على أسرتها العالقة بالعاصمة الخرطوم، والمكونة من (5) أفراد توقف جميعهم عن العمل بسبب الأحداث الأخيرة في السودان، وأصبحت هي العائل الوحيد لهم في ظل هذه الظروف، ومنعها توقف شبكات الاتصالات من إرسال التحويلة المالية التي اعتادت أن ترسلها إلى أسرتها شهريًا، تقول زهرة لـ “الترا سودان” أنها أصبحت تعاني من أرق متلازم جراء خوفها من أن يموت أفراد أسرتها جوعًا، مؤكدة أن كل مساعيها قد فشلت في الوصول إليهم.
ويعتمد معظم السودانيين في مناطق الاشتباكات على التحويلات المالية من أقاربهم في دول المهجر، ويهدد خطر انقطاع هذه الشبكات العالقين في ولايات السودان المشتعلة بالحرب، حيث قالت منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في السودان كليمنتاين سلامي في وقت سابق من الآن عبر حسابها على منصة “X” إن انقطاع الاتصالات المستمر بالسودان يقيد ملايين الأشخاص من التداولات المالية في وقت هم في أمس الحاجة إليها. وذلك بجانب إعاقته لأنشطة الاستجابة الإنسانية الهامة، ووصول الناس إلى المعلومات المنقذة للحياة.
المطابخ الجماعية
مع اندلاع الحرب في السودان أقيمت عدد من المبادرات التي توزع الوجبات للمواطنين العالقين في مناطق الاشتباكات، وذلك في أجزاء متفرقة من البلاد، وانتشرت على منصات التواصل الاجتماعي الحسابات البنكية الخاصة بالقائمين على هذه المطابخ في منشورات للحث على التبرع لصالح إطعام المتضررين من الحرب والحفاظ على حياتهم، وبالتزامن مع انقطاع الاتصالات الذي يدخل الآن أسبوعه الثالث، أعلنت غرفة طوارئ بحري عن حدوث وفيات في العاصمة مع استحالة تنسيق عمل المطابخ في ظل انقطاع شبكات الاتصال.
وفي ذات السياق قالت غرفة طوارئ جبل أولياء إن ثلاثة مطابخ مركزية توقفت قسريًا عن العمل جراء توقف التحويلات المصرفية الإلكترونية بسبب انقطاع شبكات الاتصالات في السودان، الأمر الذي ينذر بكارثة إنسانية كبيرة متمثلة في قتل المواطنين المدنيين العالقين في المناطق التي لم تعد إليها شبكات الاتصال حتى الآن جوعًا بدون بنادق أو ذخيرة.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ظهرت الكثير من المناشدات من أشخاص فقدوا التواصل مع أسرهم
مناشدات على المواقع
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ظهرت الكثير من المناشدات من أشخاص فقدوا التواصل مع أسرهم، يبحثون عن سبل للوصول إليهم، فمنهم من يريد أن يخبر أسرته بمواعيد التأشيرات التي أمنوها لهم في وقت سابق والتي شارفت على الانتهاء، ومنهم طلاب حصلوا على منح دراسية في جامعات مرموقة بالخارج وعليهم البدء في الإجراءات قبل فوات الأوان، ومنهم من هو كحالة حسين الذي لم يعد يكتب مناشدات على مواقع التواصل الاجتماعي لأشخاص يخبرونه عن حالة أخته في المشفى،وذلك بعد أن تلقى اتصالًا من مدينة شندي التي عادت إليها شبكات الاتصالات، اتصالًا لم يكن على البال من أحد أصدقاء أبناءه الذي كان في العاصمة الخرطوم وتحرك منها لمدينة شندي لقضاء بعد الأشياء، أهمها أن يخبره بوفاة أخته في المشفى منذ (6) أيام، ودفنها في مقابر أحمد شرفي بمدينة أمدرمان، ليتحول قلقه الدائم إلى حزنين، الأول على وفاة أخته، والثاني على الحال التي الذي قد وصل إليه السودان.
الترا سودان