أخذت الحرب الدائرة في السودان التي تقترب من دخولها الشهر الـ11 منعطفاً جديداً وتسببت في انقطاع شبكات الاتصالات والإنترنت بشكل تام لأكثر من أسبوع في وقت عادت الخدمة جزئياً لمناطق محدودة من البلاد، مما ترتب عليه أضرار بالغة الخطورة على المدنيين، وتفاقم تهديدات الأمن والصحة والغذاء داخل العاصمة الخرطوم وخارجها وسط ارتباط حياتهم بالتطبيقات البنكية التي تعطلت.
في ظل هذا الوضع نشط تجار الأزمات من السماسرة وتجار العملة، الذين استغلوا أزمة السيولة النقدية التي تشهدها البلاد هذه الأيام بسبب توقف الخدمات البنكية، بخاصة تطبيقاتها الإلكترونية التي يعتمد علىها غالبية المواطنين داخل البلاد، بينما تشهد الولايات السودانية تكدساً من المواطنين أمام المصارف على أمل عودة الاتصالات التي يعتمدون عليها في تحويلاتهم التي تصل إليهم من أقاربهم بالخارج، في وقت أصبح فيه أغلب المواطنين بلا وظائف، فضلاً عن عدم صرف رواتبهم الشهرية، إلى جانب الانتشار الكثيف في الأمكنة التي وفرت خدمة الإنترنت في مقابل مبالغ طائلة للساعة الواحدة.
عزلة واستغلال
تقول فاطمة محمود، التي عملت تسع سنوات في شركة الكهرباء، إن “الحرب العبثية الدائرة بالسودان وإصرار طرفي الصراع على استمرارها أدت إلى تدمير البنيات التحتية وهي بهذه الوتيرة العنيفة من شأنها أن تنهي اقتصاد البلاد، فضلاً عن تسريح ملايين الموظفين الذين أصبحوا بلا عمل مع تضييق فرص إيجاد وظائف بمناطق نزوحهم في ظل نفاد مدخراتهم المالية، مما أدى إلى تفاقم المعاناة المعيشية التي يمكن وصفها بالمأسوية”.
وأضافت “أن انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت واستهدافها في ظل ظروف غامضة وإدخالها ضمن أدوات الحرب إلى جانب الزج بها في أعمال العداوة وتصفية الحسابات بين الأطراف المتنازعة، أصبحت تداعياتها بالغة الصعوبة في الرعاية الصحية والغذاء والأمن، كما أدت إلى شل حركة المواطنين في تدابير الحياة، خصوصاً بعد اعتمادهم على التحويلات التي تصل إليهم من ذويهم بدول المهجر، عبر المصارف وخدمات التطبيقات البنكية”.
تتابع “الانعكاسات السلبية لانقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت ظهرت نتائجها منذ اليوم الأول، إذ نشط تجار الأزمات من السماسرة وتجار العملة في استغلال أوضاع المواطنين، فضلاً عن رفع الفائدة خلال التحويلات عبر التطبيقات البنكية، التي بلغت 5 آلاف جنيه سوداني (ما يعادل 5 دولارات) من كل 100 ألف جنيه (ما يعادل 100 دولار)، إضافة إلى إنتشار أجهزة جديدة للإنترنت بلغت كلفتها قرابة مليوني جنيه (نحو 2000 دولار)، لا سيما أن هذه الأجهزة تعمل بالأقمار الاطصناعية التي بات يستخدمها تجار العملة وأصحاب المحال التجارية”.
صرخات تتعالى
الناشطة الحقوقية وعضو لجنة محامي السودان سامية عبدالرزاق أوضحت أن لجنة طوارئ المحامين التي تعمل منذ اندلاع الحرب في الدفاع عن حقوق المدنيين، أصدرت بياناً اتهمت فيه “مليشيات الدعم السريع” بقطع شبكات الاتصالات والإنترنت وإجبار الفرق الفنية التي تعمل في مقسمات الشركات الرئيسة بمناطق سيطرتها على مغادرتها.
ولفتت إلى أن” المدنيين في مناطق الاشتباكات والولايات الآمنة يواجهون أخطاراً جمة، إزاء تعطيل خدمات الإتصالات والإنترنت، إذ ظل المواطنون مع اقتراب الشهر الـ11 يتعرضون إلى انتهاكات جسيمة، مما يعد مخالفاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان”. وأردفت أنه “من المتوقع ارتفاع الانتهاكات والجرائم حال استمرار خروج الشبكات من الخدمة نهائياً نتيجة ضغوط طرفي الصراع”.
وأشارت إلى أن “الأزمة الإنسانية المزمنة التي يعانيها ملايين المواطنين الذين ما زالوا في مناطق العمليات العسكرية والمستفيدين من خدمات الدعم المالي التي يقدمها المتبرعون، إضافة إلى دعم المنظمات الدولية والمحلية لغرف الطوارئ والمبادرات جراء توقف النظام المصرفي ستتفاقم، فضلاً عن معاناة النازحين في الولايات الآمنة بسبب توقف عمل البنوك والخدمات الحكومية، إضافة إلى معاناة سكان دارفور وكردفان وولاية الخرطوم الذين يعيشون في عزلة عن العالم تحت وطأة الحرب”.
وشددت الناشطة الحقوقية على أنه لا بد من إعادة الشبكات للعمل مع ضمان سلامة العاملين في قطاع الاتصالات في مناطق سيطرت “الدعم السريع”، وعدم إدراج الخدمات الحيوية في إدارة الصراع.
تبادل الاتهامات
في السياق أوضح المتخصص في هندسة الاتصالات والشبكات عصام عبدالرحيم أن “سبب انقطاع شبكات الاتصالات عن العمل مسألة معقدة للغاية، في وقت يتبادل طرفا الصراع الاتهامات بقطع الإنترنت من الشركات التي تقدم الخدمة”، لافتاً إلى أن احتمال عودة هذه الشركات لمباشرة العمل غير وارد في القريب العاجل، بسبب ما حدث من تدمير في المحولات.
وأضاف حتى وإن توصلت الأطراف المتحاربة إلى تفاهمات، فإن عودة الخدمة تحتاج إلى مجهودات كبيرة لمعاودة التشغيل من جديد، فما حدث مثلاً في محول جبرة جنوب الخرطوم أحدث بدوره أعطالاً في محول منطقة بحري، مما أدى إلى توقف خدمة زين بشكل تام عن العمل. وفي ما يتعلق بشبكتي سوداني وMTN أفاد بأن “الأعطال لا تزال قائمة، بينما تعمل الشركتان على إصلاح المشكلات الفنية”.
اندبندنت عربية