كسلا.. المقاهي تزدهر في غياب الاتصالات
في تمام الساعة الثامنة صباحًا بالتوقيت المحلي لمدينة كسلا شرقي البلاد، يبدأ بعض الشبان بالتوافد إلى مقهى شعبي في السوق الرئيسي، وعادة في مثل هذه الأوقات كانت المقاهي تقتصر على كبار السن، لكن خمسة أيام من توقف شبكات الإنترنت في السودان قلبت الحياة الاجتماعية رأسًا على عقب.
رغم عودة الناس إلى الحياة الاجتماعية في المقاهي مجبرين بسبب قطع الاتصالات لكن يبدو عليهم التوتر والقلق
لم يختبر السودانيون في حربهم الشرسة أوضاعًا أكثر صعوبة من الذي يحدث حاليًا، فحظر الاتصالات والمحادثات الهاتفية والإنترنت بواسطة الدعم السريع أوقف أكبر مشغل للهاتف التابع لشركة (زين) جنوب العاصمة الخرطوم منذ السادس من شباط/فبراير الجاري.
يقول عماد الذي تواصل مع “الترا سودان” عبر البريد الإلكتروني من مقر منظمة في كسلا، إن الحاضرين في المقهى ينقسمون بين جيل شاب وأجيال سابقة لا تكترث لقطع الاتصالات سوى في حدود إجراء المحادثات التلفونية، وذلك للتواصل مع العائلة والأصدقاء والمعارف. أما الشبان فهم قلقون بطبعهم لأنهم اعتادوا على الهاتف الذكي وتصفح الشبكات الاجتماعية.
حتى أخبار الحرب لم تعد متوفرة لديهم حسب عماد، ولا توجد معلومات مباشرة إلا عبر متابعة المحطات التلفزيونية، والتي لا تقدم الصورة الكاملة للمشهد في السودان مثل ما تفعل المنصات الاجتماعية التي يستخدمها ملايين السودانيين.
من منظور آخر ربما أدت الاتصالات وثورتها الواسعة إلى عزلة اجتماعية، فالناس مثلًا في أوقات الفراغ يفضلون التواصل الإلكتروني، وذلك عوضًا عن الخروج من المنزل أو مقر العمل أو حتى الذهاب إلى مناسبة اجتماعية.
في الصباح ومنذ وقت مبكر يكتظ الشبان في المقاهي في مدينة كسلا، أما الفتيات فهن يفضلن الذهاب إلى المطاعم، خاصة خلال المساء لتعويض الملل الناتج عن توقف الاتصالات طبقًا لسارة حسن التي تواصلت مع “الترا سودان” من مقر منظمة في كسلا، والتي حصلت على خدمة الإنترنت نتيجة عودة الاتصالات الأرضية لسوداني “فايبر” الساعات الماضية.
وتضيف سارة: “الملل يقتل الناس مع انقطاع الاتصالات، لم يعد بالإمكان معرفة ما يدور في السودان ولا العالم. أغلبنا لا يعرف أسباب قطع الإنترنت والمكالمات، والبعض يتداول شائعات ومعلومات غير صحيحة عن تدمير المقسمات، ويأتي ذلك نتيجة وقوعه في فخ الشائعات في مثل هذه الأجواء”.
وتقول سارة: “حتى الخروج إلى المطاعم والأسواق لا يمكن أن يكون بصورة يومية، لأن الوضع الاقتصادي لا يسمح بذلك، فالوجبات السريعة ارتفعت بين ثلاثة إلى خمسة آلاف جنيه لقطعة خبز “سندوتش” دون إضافة تكلفة المواصلات”.
تردف هذه الفتاة قائلة: “لا يعني أن الناس ينامون مبكرًا أو يخرجون من المنزل مضطرين أو يتبادلون الزيارات أن حياتهم أصبحت أكثر تواصلًا من الناحية الجسدية، في الحقيقة هم يشعرون بالتوتر والقلق من طول أمد حظر الاتصالات والإنترنت، بالتالي فقدان كافة سبل الحياة الاقتصادية من تحويلات مالية وأعمال البنوك والتأثير حتى على السيولة النقدية، لذلك الحياة في طريقها للتوقف كليًا ما لم تحدث تطورات تعيد الاتصالات. بعض الناس يخططون للسفر إلى دول الجوار ولو بطرق غير نظامية”.
الترا سودان