ابتزاز ومسارات جديدة.. هكذا تفاقم “تهريب البشر” إلى مصر من السودان

أجبر القتال الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ملايين السودانيين على النزوح داخليا إلى ولايات سودانية خارج دائرة النيران والصراع، بينما اختار الآلاف اللجوء إلى عدد من دول الجوار، مثل تشاد ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان.

ومنذ الشهور الأولى للحرب، تدفقت أعداد كبيرة من السودانيين إلى مصر، بدرجات غير مألوفة، في وقت شهدت فيه قنصليات القاهرة في بورتسودان وحلفا وغيرها، طوابير طويلة من الراغبين في الوصول إلى الجارة الشمالية.

مسارات غير شرعية
ومع تعذُّر الحصول على تأشيرة الدخول الرسمية، اتجهت أعداد من السودانيين إلى خيار السفر عبر التهريب براً، للوصول إلى الأراضي المصرية، وسط تحذيرات من مخاطر عدة تواجه سالكي هذا الخيار.

ويقول “عبد الرحيم”، وهو سوداني خاض تجربة الوصول إلى مصر عبر التهريب البري، مع زوجته وأطفاله الثلاثة، إنهم أفلتوا من الموت بأعجوبة بعد أن تعرضوا لعملية ابتزاز حقيقية من قبل المهربين.

وأضاف عبد الرحيم، وهو اسم مستعار، اختار أن يطلقه على نفسه لضمان سلامته، في حديثه لموقع الحرة، أن عربة المهربين التي كانت تقلهم من وادي حلفا تعطلت في الطريق وبدلا من أن يصلوا خلال ثمانية ساعات، الوقت المعتاد للرحلة، وصلوا خلال 17 ساعة.

ولفت إلى أن “ركاب الرحلة الذين يبلغ عددهم 15 شخصاً تعرضوا للابتزاز، إذْ أجبرهم المهربون على دفع مبالغ إضافية، لتعويض فارق الزمن والعطل الذي لحق بالمركبة”.

وأشار عبد الرحيم إلى أنه لجأ إلى هذا الخيار لأنه وصل من الخرطوم إلى منطقة وادي حلفا السودانية القريبة من الحدود المصرية، قبل أكثر من 5 أشهر وظل طوال تلك الفترة في انتظار الحصول على تأشيرة الدخول إلى مصر عبر معبر أرقين.

وأضاف “عندما أوشكت أموالي على النفاد، قررت اللجوء إلى خيار السفر عبر التهريب البري في رحلة شاقة جدا، إذ كان يتم ربطنا بالحبال مثل البهائم في عربة من طراز “بوكس” حتى لا نسقط منها جراء السرعة الشديدة ومنعرجات الطريق”.

ولفت عبد الرحيم إلى أن الرحلة عبر مسار وادي حلفا، وهو أقصر المسارات البرية الموصلة إلى مصر، تكلف الشخص الواحد 600000 جنيه سوداني، ما يعادل أكثر من 600 دولار أميركي، لكنهم دفعوا ما يعادل 100 دولار إضافية تحت تهديد وابتزاز المهربين.

وفي 2015 افتتحت مصر والسودان معبر “قسطل – أشكيت” البري بمساحة إجمالية تصل إلى نحو 180 ألف متر مربع، لزيارة حركة البضائع والمسافرين بين البلدين.

وفي سبتمبر 2016 افتتح البلدان معبر أرقين البري الذي يستوعب 7500 مسافر، بجانب 300 شاحنة يومياً.

وزادت أهمية المعبرين عقب اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، إذ غادر عبرهما آلاف السودانين والمواطنين من جنسيات أخرى، هربا من نيران القتال.

رحلة شاقة
عمليات التهريب البري من السودان إلى مصر ليست وليدة أزمة القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إذ تصنف مراكز أبحاث مختصة في شؤون الهجرة واللجوء، الصحراء الفاصلة بين البلدين، كمسار نشط لعمليات تهريب البشر، بخاصة المتجهة إلى أوروبا وإسرائيل.

وسرد “عثمان”، وهو سوداني خاض رحلة الوصول إلى مصر عبر التهريب، معلومات مختلفة عن تلك التي ساقها “عبد الرحيم”، وأشار إلى أنه سلك طريقا آخر عبر شرق السودان، بدلا عن مسارات شمال السودان.

عثمان قال في حديثه لموقع الحرة، إن الرحلة بدأت عبر فريق سوداني، وانتهت بفريق مصري، تولى عملية إدخالهم إلى الأراضي المصرية من حدود البلدين، حيث سلّم السائق السوداني ومعاونهق العربة إلى شخصين آخرين من الجنسية المصرية، بحسب ما قال.

ولفت إلى أن الرحلة استغرقت أكثر من 37 ساعة، بكلفة تبلغ 450000 جنيه سوداني، ما يصل إلى نحو 500 دولار أميركي.

وبحسب الخبير في شؤون الهجرة، مازن منصور، فإن السلطات المصرية، ربطت دخول السودانيين إلى أراضيها بالحصول على موافقة أمنية من سفارتها في السودان، وهو ما لم يكن معمولا به قبل الحرب.

منصور، وهو مدير إحدى وكالات السفر والسياحة في السودان، قال لموقع الحرة، إن رغبة قطاعات واسعة من السودانيين في دخول مصر أوجدت طوابير كبيرة أمام قنصلية القاهرة في بورتسودان التي اتخذها قادة الجيش عاصمة إدارية للبلاد، بسبب الحرب في الخرطوم، مما جعل كثيرا من السودانيين يتجهون إلى خيار التهريب عبر البر، وصولا إلى الأراضي المصرية.

ووقّع السودان ومصر في يناير 2004 اتفاقا يضمن حرية التنقل وحرية الإقامة وحرية العمل وحرية التملك، بين البلدين، في ما عُرف باسم اتفاقية الحريات الأربع.

وبعد توقيع الاتفاق أصبح مكفولا لمواطني البلدين السفر دون قيود أو تأشيرات، ما عدا لمن يتجاوز عمرهم 16 عاما ولا يزيد عن 49 عاما من السودانيين الراغبين في الدخول إلى مصر.

وعقب اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، ألزمت مصر السودانيين الحصول على موافقة أمنية من سفارتها وقنصلياتها في عدد من المدن السودانية.

اشتداد المعارك
الباحث الاجتماعي عبد العظيم الطيب، طرح سببا آخر لزيادة تدفقات السودانين إلى مصر عبر التهريب البري، ويشير إلى أن استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني في وسط السودان، زاد معدلات أعداد الراغبين في التهريب.

الطيب قال في حديثه لموقع الحرة، إن “دخول الدعم السريع إلى ود مدني، برهن على أن النزوح الداخلي ليس حلاً فعالا لتفادي نيران المعارك، لأن الذين نزحوا إلى المدينة من الخرطوم وجدوا أنفسهم أمام نيران القتال مجددا”.

الباحث الاجتماعي لفت إلى أن “غالبية الذين نزحوا إلى ود مدني من الخرطوم اختاورا اللجوء إلى مصر، بدلا من المخاطرة برحلة نزوح داخلي جديدة، قد يجدوا أنفسهم بعدها أمام موجة أخرى من نيران القتال، خاصة أن قوات الدعم السريع تورطت في انتهاكات كبيرة بالمدينة”.

السودان
ابتزاز ومسارات جديدة.. هكذا تفاقم “تهريب البشر” إلى مصر من السودان
الحرة / خاص – واشنطن
06 فبراير 2024
Share on Facebook
Share on Twitter
Share on WhatsApp
يعيش في مصر نحو 4 ملايين سوداني
يعيش في مصر نحو 4 ملايين سوداني
أجبر القتال الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ملايين السودانيين على النزوح داخليا إلى ولايات سودانية خارج دائرة النيران والصراع، بينما اختار الآلاف اللجوء إلى عدد من دول الجوار، مثل تشاد ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان.

ومنذ الشهور الأولى للحرب، تدفقت أعداد كبيرة من السودانيين إلى مصر، بدرجات غير مألوفة، في وقت شهدت فيه قنصليات القاهرة في بورتسودان وحلفا وغيرها، طوابير طويلة من الراغبين في الوصول إلى الجارة الشمالية.

مسارات غير شرعية
ومع تعذُّر الحصول على تأشيرة الدخول الرسمية، اتجهت أعداد من السودانيين إلى خيار السفر عبر التهريب براً، للوصول إلى الأراضي المصرية، وسط تحذيرات من مخاطر عدة تواجه سالكي هذا الخيار.

ويقول “عبد الرحيم”، وهو سوداني خاض تجربة الوصول إلى مصر عبر التهريب البري، مع زوجته وأطفاله الثلاثة، إنهم أفلتوا من الموت بأعجوبة بعد أن تعرضوا لعملية ابتزاز حقيقية من قبل المهربين.

وأضاف عبد الرحيم، وهو اسم مستعار، اختار أن يطلقه على نفسه لضمان سلامته، في حديثه لموقع الحرة، أن عربة المهربين التي كانت تقلهم من وادي حلفا تعطلت في الطريق وبدلا من أن يصلوا خلال ثمانية ساعات، الوقت المعتاد للرحلة، وصلوا خلال 17 ساعة.

ولفت إلى أن “ركاب الرحلة الذين يبلغ عددهم 15 شخصاً تعرضوا للابتزاز، إذْ أجبرهم المهربون على دفع مبالغ إضافية، لتعويض فارق الزمن والعطل الذي لحق بالمركبة”.

وأشار عبد الرحيم إلى أنه لجأ إلى هذا الخيار لأنه وصل من الخرطوم إلى منطقة وادي حلفا السودانية القريبة من الحدود المصرية، قبل أكثر من 5 أشهر وظل طوال تلك الفترة في انتظار الحصول على تأشيرة الدخول إلى مصر عبر معبر أرقين.

وأضاف “عندما أوشكت أموالي على النفاد، قررت اللجوء إلى خيار السفر عبر التهريب البري في رحلة شاقة جدا، إذ كان يتم ربطنا بالحبال مثل البهائم في عربة من طراز “بوكس” حتى لا نسقط منها جراء السرعة الشديدة ومنعرجات الطريق”.

ولفت عبد الرحيم إلى أن الرحلة عبر مسار وادي حلفا، وهو أقصر المسارات البرية الموصلة إلى مصر، تكلف الشخص الواحد 600000 جنيه سوداني، ما يعادل أكثر من 600 دولار أميركي، لكنهم دفعوا ما يعادل 100 دولار إضافية تحت تهديد وابتزاز المهربين.

وفي 2015 افتتحت مصر والسودان معبر “قسطل – أشكيت” البري بمساحة إجمالية تصل إلى نحو 180 ألف متر مربع، لزيارة حركة البضائع والمسافرين بين البلدين.

وفي سبتمبر 2016 افتتح البلدان معبر أرقين البري الذي يستوعب 7500 مسافر، بجانب 300 شاحنة يومياً.

وزادت أهمية المعبرين عقب اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، إذ غادر عبرهما آلاف السودانين والمواطنين من جنسيات أخرى، هربا من نيران القتال.

رحلة شاقة
عمليات التهريب البري من السودان إلى مصر ليست وليدة أزمة القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إذ تصنف مراكز أبحاث مختصة في شؤون الهجرة واللجوء، الصحراء الفاصلة بين البلدين، كمسار نشط لعمليات تهريب البشر، بخاصة المتجهة إلى أوروبا وإسرائيل.

وسرد “عثمان”، وهو سوداني خاض رحلة الوصول إلى مصر عبر التهريب، معلومات مختلفة عن تلك التي ساقها “عبد الرحيم”، وأشار إلى أنه سلك طريقا آخر عبر شرق السودان، بدلا عن مسارات شمال السودان.

عثمان قال في حديثه لموقع الحرة، إن الرحلة بدأت عبر فريق سوداني، وانتهت بفريق مصري، تولى عملية إدخالهم إلى الأراضي المصرية من حدود البلدين، حيث سلّم السائق السوداني ومعاونهق العربة إلى شخصين آخرين من الجنسية المصرية، بحسب ما قال.

ولفت إلى أن الرحلة استغرقت أكثر من 37 ساعة، بكلفة تبلغ 450000 جنيه سوداني، ما يصل إلى نحو 500 دولار أميركي.

وبحسب الخبير في شؤون الهجرة، مازن منصور، فإن السلطات المصرية، ربطت دخول السودانيين إلى أراضيها بالحصول على موافقة أمنية من سفارتها في السودان، وهو ما لم يكن معمولا به قبل الحرب.

منصور، وهو مدير إحدى وكالات السفر والسياحة في السودان، قال لموقع الحرة، إن رغبة قطاعات واسعة من السودانيين في دخول مصر أوجدت طوابير كبيرة أمام قنصلية القاهرة في بورتسودان التي اتخذها قادة الجيش عاصمة إدارية للبلاد، بسبب الحرب في الخرطوم، مما جعل كثيرا من السودانيين يتجهون إلى خيار التهريب عبر البر، وصولا إلى الأراضي المصرية.

ووقّع السودان ومصر في يناير 2004 اتفاقا يضمن حرية التنقل وحرية الإقامة وحرية العمل وحرية التملك، بين البلدين، في ما عُرف باسم اتفاقية الحريات الأربع.

وبعد توقيع الاتفاق أصبح مكفولا لمواطني البلدين السفر دون قيود أو تأشيرات، ما عدا لمن يتجاوز عمرهم 16 عاما ولا يزيد عن 49 عاما من السودانيين الراغبين في الدخول إلى مصر.

وعقب اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، ألزمت مصر السودانيين الحصول على موافقة أمنية من سفارتها وقنصلياتها في عدد من المدن السودانية.

اشتداد المعارك
الباحث الاجتماعي عبد العظيم الطيب، طرح سببا آخر لزيادة تدفقات السودانين إلى مصر عبر التهريب البري، ويشير إلى أن استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني في وسط السودان، زاد معدلات أعداد الراغبين في التهريب.

الطيب قال في حديثه لموقع الحرة، إن “دخول الدعم السريع إلى ود مدني، برهن على أن النزوح الداخلي ليس حلاً فعالا لتفادي نيران المعارك، لأن الذين نزحوا إلى المدينة من الخرطوم وجدوا أنفسهم أمام نيران القتال مجددا”.

الباحث الاجتماعي لفت إلى أن “غالبية الذين نزحوا إلى ود مدني من الخرطوم اختاورا اللجوء إلى مصر، بدلا من المخاطرة برحلة نزوح داخلي جديدة، قد يجدوا أنفسهم بعدها أمام موجة أخرى من نيران القتال، خاصة أن قوات الدعم السريع تورطت في انتهاكات كبيرة بالمدينة”.

وفي ديسمبر الماضي، استولت قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني الاستراتيجية في ولاية الجزيرة بوسط السودان، وأصدر قائدها محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي” قرارا بعيين قائد ميداني يدعى أبو عاقلة كيكل حاكما على الولاية، لتبدأ موجة نزوح ولجوء جديدة، بحسب وكالات أممية عاملة في الشأن الإنساني.

وتعرّضت مدن وقرى في ولاية الجزيرة إلى تعديات وانتهاكات، وصفها حقوقيون بالواسعة، عقب سيطرة الدعم السريع على الولاية، كما قالت لجان المقاومة إنها أحصت سرقة ونهب ما لا يقل عن 3 آلاف سيارة.

وأشار الطيب إلى “مصاعب ومخاطر حقيقية تواجه الذين يغامرون بخوض تجربة التهريب البري إلى مصر”، وقال إن “كثيرا من المسافرين وقعوا ضحايا لعمليات ابتزاز واتجار بالبشر، بينما فقد كثيرون أرواحهم من جراء الحوادث المرورية الناتجة، إما عن السرعة الزائدة، أو محاولات الهروب من السلطات الناشطة في مكافحة التهريب في البلدين”.

ولفت الباحث الاجتماعي إلى أن “السلطات السودانية الرسمية حذرت من مخاطر الوصول إلى مصر عبر التهريب والطرق البرية، بما في ذلك المصير الغامض الذي ينتظر من يصلون إلى هناك”.

ويشير الخبير في شؤون الهجرة، مازن منصور، إلى أن من يصلون إلى الأراضي المصرية ستواجههم عقبات تتعلق بقانونية وضعهم، إذْ أن الحصول على الإقامة الرسمية ليس ميسوراً ويحتاج إلى تدابير وأموال طائلة”.

منصور، أضاف “أن التسجيل بمفوضية اللاجئيين هو الآخر يحتاج إلى فترة طويلة، قد يفقد خلالها الشخص كل ما لديه من مدخرات، قبل أن يحصل على البطاقة الصفراء التي توفر له الحماية القانونية من الترحيل”.

وفي ديسمبر 2023 حذرت القنصلية العامة للسودان في أسوان، مواطنيها ورعاياها من الدخول إلى مصر بطرق غير شرعية، لما يترتب عليه من مخاطر ومساءلة قانونية.

ولفتت القنصلية إلى وقوع عدد من الحوادث المرورية، بجانب تعرُّض كثيرين إلى النهب والابتزاز من قبل عصابات تهريب البشر، وأشارت إلى 5 حوادث مرورية، قالت إنها تسببت في وفاة العديد من الأشخاص، بخلاف عشرات المصابين والجرحى.

وفي نوفمبر الماضي، أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن عدد السودانيين الذين وصلوا إلى مصر منذ اندلاع الحرب، بلغ أكثر من 317,000 لاجئ، وقالت إن أكثر من مئة ألف شخص تواصوا مع مكاتب التسجيل التابعة لها في القاهرة والإسكندرية، طلبا لخدماتها.

الحرة

Exit mobile version