اعتقلت السلطات المصرية عبدالباسط حمزة رجل الأعمال المحسوب على جماعة الإخوان في السودان، في خطوة بدا الهدف منها تفادي غضب الولايات المتحدة وإسرائيل بعد صدور مذكرة أميركية ترصد مكافأة لكل من يدلي بمعلومات عنه، في ظل اتهامات تلاحقه بتمويل حركة حماس.
العرب اللندنية – حمل إلقاء الأجهزة الأمنية المصرية القبض على رجل الأعمال السوداني عبدالباسط حمزة قبل أيام رسائل أمنية وسياسية لعدة أطراف، في توقيت بدأت فيه القاهرة التخلي عن تعاملها الهادئ مع بعض الملفات.
وصلت رسائل القاهرة لمن يهمهم الأمر، بالنظر لارتباط رجل الأعمال الموقوف بعدة ملفات، فهو محسوب على نظام الرئيس السابق عمر البشير وحزب المؤتمر الوطني، الذراع السياسية لإخوان السودان، واتهمته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بتمويل حركة حماس، وجمعته علاقة قديمة بتنظيم القاعدة ومؤسسها الراحل أسامة بن لادن.
ووُجهت اتهامات إلى عبدالباسط حمزة بشأن علاقته بتجارة غير مشروعة في مجال الذهب، وتزامن احتجازه في القاهرة مع إلقاء القبض على رجل الأعمال المصري روماني عيسى، الملقب بـ“إمبراطور الذهب”.
يُعد هذا الإجراء خطوة تمنع إسرائيل من التفكير في استهدافه داخل مصر، ربما دون تنسيق معها في ظل توتر واضح يشوب العلاقات المصرية الإسرائيلية بسبب اتهامات متبادلة حول الطرف الذي يُعرقل دخول المساعدات إلى قطاع غزة، وآليات ضبط الأمن على محور فيلادلفيا.
وشنت وسائل إعلام إسرائيلية هجومًا على جهاز الموساد، واتهمته بالعجز عن الوصول إلى أكبر ممول لحماس، وهو عبدالباسط حمزة، على الرغم من إقامته في مصر منذ فترة، وهو فضيحة إستخباراتية كبرى.
ووصف أودي ليفي، الذي رأس في السابق (شعبة هاربون) المسؤولة عن التحقيق في مصادر تمويل التنظيمات المسلحة ومحاربتها، إفلات حمزة من المراقبة حتى السابع من أكتوبر الماضي بأنه “فشل صارخ للموساد”.
ويُنظر إلى رجل الأعمال السوداني داخل الأوساط الإستخباراتية الدولية كثاني أخطر ممول لحماس بعد زاهر جبارين، القيادي في الحركة، ووسيطها المالي لدى فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
وتريد القاهرة في هذه المرحلة مراعاة أهدافها المحلية والخارجية المتعددة، من خلال مواصلة دورها كوسيط رئيسي بين حماس وإسرائيل للحفاظ على دورها الإقليمي، واتخاذ ما يلزم حيال حماية أمنها وحدودها، وتحرص على علاقات جيدة مع واشنطن التي رصدت مبلغا ماليا طائلا لمن يدلي معلومات عن خمسة من ممولي حماس، كما ترمي إلى أنها غير منحازة للجيش السوداني ورجاله.
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية في بداية يناير الجاري، أنها ستدفع عشرة ملايين دولار مقابل معلومات عن الخمسة أو أي شيء يؤدي إلى تعطيل آليات تمويل حركة حماس.
والخمسة المطلوبون، هم: عبدالباسط حمزة الحسن محمد خير، وعامر كمال شريف الشوا، وأحمد سدو جهلب، ووليد محمد مصطفى جادالله، ومحمد أحمد عبدالدايم نصر الله، الذين صنفوا سابقا “إرهابيين عالميين”.
ويعرض وجود شخصية لعبت دورًا رئيسيًا في تمويل حركة حماس، بحجم حمزة داخل مصرعلاقاتها مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل ودول غربية لمزيد من الشكوك التي تحرص القاهرة على تلافيها.
وقالت الخارجية الأميركية إن عبدالباسط حمزة من بين من صنفتهم واشنطن كإرهابيين زود حماس بحوالي عشرين مليون دولار، وضمن عشرة أشخاص فرضت عليهم وزارة الخزانة الأميركية عقوبات مالية، واصفة إياهم بأنهم إما أعضاء أو ممولون لحركة حماس.
وسائل إعلام إسرائيلية شنت هجومًا على جهاز الموساد، واتهمته بالعجز عن الوصول إلى عبدالباسط حمزة أكبر ممول لحماس
واتهم رجل الأعمال الإخواني السوداني بتوفير التمويل لحماس عبر شبكة ضخمة من الشركات والارتباط بتاريخ طويل من تمويل الحركات الإرهابية، كتنظيم القاعدة والشركات التابعة لأسامة بن لادن في السودان.
وتحافظ القاهرة بهذا الإجراء على علاقاتها مع دول الاتحاد الأوروبي الذي جمّد، الجمعة، أصول ستة أفراد على صلة بحركة حماس، وتم حظر سفرهم، وبينهم عبدالباسط حمزة.
ويفصل توقيف القاهرة لحمزة بين دورها الذي تحرص على استمراره وتطويره في إيصال المساعدات إلى غزة، وبين ما تزعمه وسائل إعلام إسرائيلية بشأن اتهامها بتسهيل نقل الأسلحة إلى حماس وتهريبها عبر أنفاق من سيناء وشاحنات تتحرك بين الجانبين.
يصعب إغفال الرسائل الأخرى، من وراء توقيف حمزة، بسبب علاقته الوثيقة بالجيش السوداني الذي تدخل من قبل لتبرئته والسماح له بالسفر من الخرطوم عام 2021، بعد أن تمت إدانته بالفساد وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب والحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات وتجميد أصوله المقدرة بملياري دولار من قبل لجنة إزالة التمكين في الخرطوم.
وقال الباحث في شؤون الحركات الإسلامية أحمد سلطان إن القبض على عبدالباسط حمزة مرتبط بأكثر من قضية، فهناك حملة على بعض تجار الذهب في مصر لضبط أسعاره بعد انفلاتها مؤخرا، وعلاقاته المتشابكة مع حركة حماس.
وأكد سلطان في تصريحات لـ”العرب” أنه في هذه الحالة سيكون الهدف التعرف على شبكة تمويل الحركة وما إذا كانت هناك صلات لها بشركات أو مؤسسات عاملة في مصر والإقليم، ومن ثم تكوين تصور أشمل عن الشبكة المالية لحماس.
وأضاف قد يكون القبض عليه وسيلة لتجنب الدخول في مشاكل مع جهات خارجية عقب الإعلان عن مكافأة كبيرة رصدتها الولايات المتحدة لمن يُدلي بمعلومات تؤدي للوصول إليه، وبالتالي أصبحت حياته في خطر ومطلوب أخفاؤه كي لا يتم استهدافه في مصر من أي جهة وتحدث أزمة.
ولم يستبعد أحمد سلطان في تصريحه لـ”العرب” أن تكون عملية التوقيف المصرية رسالة للفرقاء في السودان بأن القاهرة مهتمة بحل أزمتهم، ويمكن أن تنخرط فيها، ليس لحساب طرف على آخر، ومستعدة لتكون وسيطا نزيها بين الجيش والدعم السريع لإيقاف الحرب الدائرة بين الطرفين.
وأوقفت القاهرة ضابطا سودانيا سابقا تربطه علاقة وثيقة بالجيش، وظل عضوًا مهمًا في حزب المؤتمر الوطني الذي حكم السودان أيام البشير.
وتخفف القاهرة بهذه الخطوة فكرة اتهامها بدعم الجيش وتوفير ملاذ آمن لأحد رموزه المتهمين بالفساد، والتربح بثروات ضخمة تحصل عليها من سيطرة حزب المؤتمر الوطني على السلطة لنحو ثلاثة عقود.
وترسل إشارة للتيار المدني وقوات الدعم السريع والشعب برمته أنها حريصة على مصالح السودان، وأنها في خندق محاربة الفاسدين ممن سرقوا ثرواته ليمولوا بها كيانات مسلحة خارجية.
وأحرجت القاهرة بتوقيف شخص في أهمية وخطورة عبدالباسط حمزة الأجهزة الأمنية السودانية التي وفرت فرصة لهروب رموز إخوانية من السجون، وهم لا يقلون خطورة عنه.
وقد تكون خطوة توقيف رجل الأعمال السوداني مدخلا لتمارس القاهرة ضغوطا أكبر على قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان الذي يعد الطرف الرافض لإيقاف الحرب، في وقت تزايدت مخاوف دول الجوار من اتساع رقعة القتال وتحوله إلى حرب أهلية، وتقسيم البلاد.
الراكوبة نيوز