عثمان ميرغني: احتلال المدن.. لن يمنح الشرعية..

انظر إلى هذا السيناريو.. الدعم السريع بعد توقيع الاعلان السياسي مع مجموعة “تقدم”، و حال استمرار رفض الفريق أول البرهان مقابلة مجموعة “تقدم”، يوجه الدعوة للقوى السياسية لتشكيل “حكومة انتقالية تأسيسية” حسب ما ورد في بيان قائد الدعم السريع بعد سقوط مدينة مدني.
ولنطلق عليها “حكومة الخرطوم” فالدعم السريع يسيطر على غالبية ولاية الخرطوم ويستطيع أن يمنح هذه الحكومة القصر الجمهوري ومجلس الوزراء وغالبية الوزارات التي تقع مقارها تحت يده.
صحيح ستكون نسخة من سيناريو ليبيا الذي جعل حكومتين في طرابلس وبنغازي تتقاسمان السلطة، لكن هناك أصلا سلطة شرعية معترف بها دوليا مقرها في مدينة بورتسودان حيث لا تزال بعض السفارات تعمل هناك، ولن تقبل غالبية دول العالم الاعتراف بحكومة الأمر الواقع في الخرطوم، لكونها وليدة حرب وواقع عسكري لا يحظى بالشرعية.
بالضرورة “حكومة الخرطوم” تحتضنها وتشكلها القوى السياسية في “تقدم”، وهنا يطفر السؤال المتوحش الحتمي.. هل ستوافق “حكومة الخرطوم” على خروج الدعم السريع من منازل المواطنين وعودتهم إليها؟ أم تتحجج بأن ذلك أمر متروك لجولة مفوضات مع مالكي هذه البيوت؟
هل ستتطبع الحياة ليذهب الناس إلى أعمالهم و ممارسة حياتهم الطبيعية دون خشية على أنفسهم واعراضهم واموالهم؟
الاجابة سهلة و (لا تحتاج إلى بطل) على عنوان كتاب مذكرات الجنرال شوارزكوف في حرب الخليج الثانية، من الواقع الذي لا يحتاج إلى افتراضات أو خيال أو جدال..
قوات الدعم السريع في العاصمة ما احتلت منطقة إلا هرب مواطنوها، لدرجة أن مناطق سيطرة الدعم تكاد تكون خالية من المواطنين.
في مقطع فيديو قبل أيام قلائل تحدث شيخ الامين من مسيده في بيت المال طالب المواطنين بعدم العودة إلى منازلهم وتجنب الاستماع للدعوات التي تقول لهم أن الحي آمن، ومعلوم أنه لا يزال خاضعا لسيطرة الدعم السريع.
أحياء مدينة بحري وشرق النيل وحتى العيلفون هجرها أهلوها وتفرقوا في الولايات أخرى وبعضهم وجد ملاذات آمنة خارج البلاد..
آخر الشواهد مدينة مدني كثير من مدن وقرى الجزيرة كانت آمنة تستضيف الملايين الذين اختاروها بديلا للخرطوم.. بل انتقلت الأعمال التجارية إلى مدني.. وما أن دخلها الدعم السريع حتى خرج الملايين يبحثون عن مدن وقرى أخرى.. وأكثر من ذلك بدأت المدن البعيدة التي لم تصلها قوات الدعم السريع في النزوح خشية أن تواجه مصير مدني.
هذا يعني عمليا أن المسألة ليست في احتلال العاصمة والمدن، وليست في فرض السطوة والقوة على المقار الحكومية والمؤسسات القومية مثل بنك السودان و رئاسات شركات الاتصالات وغيرها، بل في منطق ان تكون الحكومة قادرة على تطبيع حياة المواطن فيها بلا خوف او رهبة أو اهانة او اذلال.
من المستحيل أن يُكّون الدعم السريع حكومة ولو تحالفت معه قوى “تقدم” أو غيرها، وعمليا استمرار السيطرة على العاصمة و الجزيرة و دارفور لن يمنح الدعم السريع شرعية ادارة هذه المناطق، ولن يدفع فاتورة ذلك إلا المواطن المغلوب على أمره الذي لن يستطيع العودة الى حياته الطبيعية الا بخروج الدعم السريع.
هذه الحقيقة تحتاج قوى “تقدم” أن تدركها جيدا، إن كانت تبحث عن انهاء الحرب وانقاذ السودان من سيناريوهات التقسيم والموت انتحارا.

صحيفة التيار

Exit mobile version