“إعلان أديس أبابا” يعيد السجال السياسي في السودان والمعارك تتواصل
الحركة الإسلامية تشن هجوماً عنيفاً على مخرجات لقاء حمدوك وحميدتي ونائب المجلس السيادي يصفه بـ”اتفاق بين شريكين”
أضاف “إعلان أديس أبابا” الموقع بين تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) وقوات “الدعم السريع”، سجالاً وتصعيداً سياسياً جديداً إلى المعارك والمواجهات العسكرية المحتدمة بالخرطوم وفي جبهات القتال بولايات السودان الأخرى، إذ أثار ردود فعل متباينة رافضة ومؤيدة في الأوساط السودانية بين الداعمين لاستمرار الحرب والمنادين بوقفها.
زاد من سخونة الأجواء تزامن توقيع الإعلان مع حملات التجييش وتسليح المقاومة الشعبية بالولايات وتصاعد وتيرة المعارك في الخرطوم، فضلاً عن مواصلة “تقدم” لحراكها الإقليمي بلقائها، أمس، الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر قيلة، في الوقت ذاته الذي يتابع فيه قائد “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو (حميدتي)، جولته الأفريقية واجتماعه بالرئيس الكيني ويليام روتو بالعاصمة نيروبي.
لقاء روتو حميدتي
بحث الاجتماع تطورات الأزمة في السودان، أسبابها وسبل حلولها وإنهاء الحرب، ورؤية قوات “الدعم السريع” لوقف العدائيات وإطلاق النار وبدء التفاوض للوصول إلى حل شامل وسلام دائم في البلاد.
أكد الرئيس الكيني، عقب لقائه (حميدتي) تقدير بلاده التزام قوات “الدعم السريع” وقائدها بإنهاء الصراع في السودان من خلال الحوار، مشيراً إلى أن محادثات “إيغاد” الجارية ينبغي أن تحقق تسوية سياسية من شأنها إرساء سلام دائم في السودان.
وأوضح قائد “الدعم السريع”، أنه طرح على روتو رؤيته لوقف إطلاق النار والتفاوض للحل الشامل الذي يحقق السلام العادل والمستدام، مؤكداً أنه لمس تفهماً ورغبة من الرئيس الكيني، للعمل مع جميع الأطراف لإيجاد حل يعيد الأمن والاستقرار للسودان.
غرد حميدتي عبر حسابه بمنصة “إكس”، “سعدت بلقاء فخامة رئيس جمهورية كينيا الدكتور وليم روتو، وناقشت معه التطورات الجارية في السودان وأسباب نشوب الحرب وسبل التوصل إلى حل للأزمة يرفع المعاناة عن كاهل شعبنا”.
تعزيز “إيغاد”
على الصعيد ذاته وصل، أمس الأربعاء، وفد تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) بقيادة عبدالله حمدوك، إلى جيبوتي، بدعوة من الرئيس إسماعيل قيلة، رئيس الدورة الحالية لمنظمة “إيغاد”.
وغرد قيلة، عقب اللقاء على حسابه بمنصة “إكس”، “بحثت مع الوفد آخر تطورات الوضع وسبل دعم الحل السلمي في السودان الشقيق”، مؤكداً التزامه مواصلة الجهود مع جميع الأطراف لإنهاء الأزمة وتحقيق السلام والاستقرار لشعب السودان.
من جهتها قدمت تنسيقية “تقدم”، شرحاً وافياً للرئيس الجيبوتي، حول رؤيتها لوقف الحرب وتأسيس السلام المستدام وفقاً لخريطة الطريق التي طرحتها، منوهة بأن اللقاء يأتي استكمالاً للحوار ومساعي البحث عن حلول عاجلة للأزمة السودانية عبر تعزيز دور منظمة “إيغاد” وأصدقاء السودان.
أشار بيان لـ”تقدم” إلى أنها أحاطت الرئيس قيلة، بالجهود التي تبذلها في التواصل مع طرفي القتال، وأسفرت عن توقيع إعلان أديس أبابا مع قائد “الدعم السريع”، الذي يشكل فرصة حقيقية للسلام، مؤكدة تكثيف تواصلها مع قيادة القوات المسلحة لحثها على الجلوس في اجتماع عاجل لاستكمال هذه الخطوات لتحقيق السلام بالبلاد.
ثمَّن البيان جهود “إيغاد” ورئيسها الحالي إسماعيل عمر قيلة، وحرصه على تيسير الوصول لسلام في السودان، ودعمها الكامل لتلك الجهود لتوحيد المنبر التفاوضي والانخراط في عملية سياسية يقودها المدنيون لتنهي الحرب وتؤسس لسلام مستدام.
وكان عبدالله حمدوك، رئيس التنسيقية خاطب، أمس الأربعاء، قائد الجيش لحثه على قبول طلب اللقاء المباشر مع التنسيقية لاغتنام الفرصة التي لاحت لإيقاف الحرب بإبداء قوات “الدعم السريع” استعدادها التام لوقف غير مشروط للعدائيات عبر تفاوض مباشر مع الجيش، وفق إعلان أديس أبابا.
الحركة الإسلامية ترفض
في المقابل شنت الحركة الإسلامية السودانية في بيان عاصف، هجوماً عنيفاً على (إعلان أديس أبابا) ووصفته بأنه “مجرد محاولة لتقنين حالة انفصال البلاد وعزلتها عن شعبها من أجل الوصول إلى مقاعد السلطة على جماجم الأبرياء، ولا يهدف إلى السلام أو إنهاء الأزمة”.
أكدت الحركة أنها ستظل تقف في الجانب الصحيح من التاريخ بمناصرة للجيش والشرفاء في خندق المقاومة الشعبية المسلحة، معلنة مباركتها انطلاقتها من أجل “استئصال سرطان الميليشيات المنتشر وبقايا قوى الحرية والتغيير”.
اتفاق شريكين
رسمياً وصف نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، مالك عقار، الإعلان الموقع بين قائد “الدعم السريع” وتنسيقية “تقدم”، بأنه “اتفاق بين شريكين”.
وقال عقار، في تصريحات صحافية، “أكدنا شروطنا، وقلنا بصريح العبارة إنه لا تفاوض إلا بخروج الدعم السريع من المدن والمساكن والمؤسسات، بما في ذلك مدينة ود مدني، وأيضاً مدن دارفور التي يحتلونها”.
وأوضح نائب رئيس مجلس السيادة، أن اللقاء المرتقب بين قائدي الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” في جيبوتي، سيناقش تنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه في منبر مفاوضات جدة، بما يشمل خروج قوات “الدعم السريع” من المدن والمساكن والمقار الموجودة فيها، على أن تلي ذلك مراحل تفاوضية أخرى لوقف الحرب.
بارقة أمل
من جانب آخر اعتبر عضو تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” صالح عمار، توقيع “الدعم السريع” على إعلان أديس أبابا على رغم النصوص التي تتعارض مع حالة الحرب المنخرط فيها، أمر يستحق عليه الثناء إذا تم التركيز على ما هو مفيد وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح ومقدرات السودانيين.
وصف عمار الإعلان بأنه “بارقة الأمل الأهم” منذ اندلاع الحرب منتصف أبريل (نيسان) الماضي، وخطوة عملية في اتجاه السلام.
انتقاد قانوني
من جهتها قالت هيئة محامي دارفور، إن إعلان أديس أبابا بين تنسيقية “تقدم” وحميدتي، يكرر أخطاء الوثيقة الدستورية 2019، باشتماله على قضايا سياسية وتخويل لمؤسسة عسكرية حق ممارسة العمل السياسي المدني، معتبرة إغفال الإعلان لمسؤولية طرفي الحرب عن جميع الجرائم المرتكبة المتعلقة بالحقوق الخاصة والعامة، والاتفاق على تكوين لجان وآليات من شأنه أن يؤدي إلى تقنين الإفلات من العقاب.
نوهت الهيئة إلى أن ما جاء بالإعلان حول تشكيل إدارات مدنية بمناطق سيطرة الدعم السريع، بمثابة تخويل لها بالحق في ممارسة العمل السياسي وإسباغ الصفة المرجعية عليها تماماً كما حدث بموجب أحكام الوثيقة الدستورية المعيبة.
قفز على المراحل
في السياق، انتقد أستاذ العلوم السياسية بشير بابكر، تضمن اتفاق تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية مع “الدعم السريع” لقضايا ورؤى سياسية، قائلاً إنه “ما كان يجب المزج بين إنهاء الحرب والعملية السياسية في هذه المرحلة، إذ إن الحوار السياسي يعد ضمن قضايا ما بعد إنهاء الحرب ووقف القتال”.
أشار بابكر إلى أن النكهة السياسية للاتفاق جعلته أقرب إلى وثيقة تحالف عسكري مدني منه إلى اتفاق لوقف العدائيات وإنهاء الحرب ومعالجة القضايا الإنسانية، معتبراً أن القفز على المراحل باستدعاء شكل الحكم والتحول الديمقراطي أمراً يضر بالحوار الشامل المنتظر بمشاركة جميع الأطراف في مرحلة ما بعد الحرب.
عبَّر بابكر عن مخاوفه من أن يُكسب الاتفاق “الدعم السريع” دوراً ونفوذاً سياسياً، يضعف من فرص التوافق وتوسيع قاعدة المشاركة بالمرحلة الانتقالية ولا يخدم التوجه العام بخروج العسكريين من المشهد السياسي.
قتال الخرطوم
ميدانياً تواصلت المعارك والمواجهات بين الجيش وقوات “الدعم السريع” بالعاصمة السودانية، وتسبب القصف المدفعي المتبادل في انفجارات عدة بمحيط القيادة العامة للجيش ومنطقة السوق العربي وسط الخرطوم.
وكانت قوات “الدعم السريع” قد عاودت قصفها المدفعي العنيف المتتابع على مقر قيادة الجيش وسلاح الإشارة وسط الخرطوم بحري وسلاح المهندسين بأم درمان، بينما استهدف هو مواقعها في محيط المدينة الرياضية وجنوب الحزام وأحياء الرياض والمعمورة شرق الخرطوم.
ويستخدم “الدعم السريع” منصاته المدفعية المنصوبة في مواقع عدة شرق الخرطوم وشمال الخرطوم بحري في القصف اليومي المتوالي على مواقع الجيش في شرق وجنوب الخرطوم.
مقاتلات ومسيرات
وأفاد شهود عيان بأن المقاتلات الحربية والطائرات المسيرة التابعة للجيش شنت هجمات متكررة، أمس، على تجمعات قوات “الدعم السريع” بأحياء جبرة والصحافة والمجاهدين جنوب شرقي الخرطوم.
أضاف الشهود أن انفجارات عنيفة هزت جنوب غربي مدينة أم درمان وفي محيط معسكر الاحتياط المركزي لقوات الشرطة والمنطقة الصناعية، تصاعدت معها سحب وأعمدة الدخان الداكنة.
الجزيرة وسنار
في ولاية الجزيرة قطع الطيران الحربي والمسير الهدوء النسبي الذي شهدته مدينة ود مدني خلال الأسبوع الماضي، بقصف أهداف لـ”الدعم السريع” في شارع الجمهورية.
وقال بيان للجان مقاومة ود مدني، أمس، إن ميليشيات “الدعم السريع” تواصل عمليات النهب وتدمير البنية التحتية للدولة، باستهدافها لجامعة الجزيرة ونهب وسرقة وتحطيم كل ممتلكاتها، إلى جانب نهب بنك الادخار وفروعه ومزرعة الجامعة، والقاعة الدولية، محملاً الميليشيات ومنسوبيها وحلفاءها مسؤولية النهب والتخريب.
في ولاية سنار ناشدت غرفة طوارئ منطقة مايرنو، المنظمات الأممية والوطنية والخيرين بأن يسهموا في مساعدة أفواج النازحين الذين وصلوا إلى المدينة خلال الأسابيع الماضية عقب اجتياح قوات “الدعم السريع” لولاية الجزيرة.
كشف الأمين العام للغرفة، بابكر آدم محمد علي، أن أعداد النازحين الكبيرة بمراكز الإيواء في مدارس ومؤسسات المدينة، تفوق إمكانات الغرفة الشحيحة، داعياً إلى تدخلات عاجلة لتوفير الغذاء والدواء وكساء الشتاء.
في ولاية القضارف، التي ما زالت تستقبل موجات النازحين من ولاية الجزيرة، أفاد مواطنون بركود شديد في الحركة التجارية بالمدينة بسبب إغلاق المتاجر ونقل التجار لبضائعهم، إثر تفشي إشاعات متزامنة مع حالة التعبئة العامة بهجوم محتمل لقوات الدعم السريع على المدينة، مما سبب حالة من القلق والخوف وسط المواطنين.
جريدة اندبندنت البريطانية