كيف يعمل صحافيو السودان وسط الاشتباكات؟
تتضاعف المخاوف على حياة وعمل الصحافيين السودانيين، وسط القتال المتواصل منذ أكثر من شهر بين الجيش وقوات الدعم السريع. وترصد نقابة الصحافيين السودانيين المنتخبة حديثاً، على مدار اليوم، ما يتعرض له العاملون في هذا القطاع من انتهاكات، آخرها ما تعرّض له الصحافي أحمد فضل.
السبت الماضي، أصدرت نقابة الصحافيين السودانيين بياناً كشفت فيه عن اقتحام قوة مسلحة تابعة للدعم السريع شقة الصحافي في قناة الجزيرة في الخرطوم، أحمد فضل. وأفادت بأن فضل تعرض، مع أقارب له وزميله المصور الصحافي راشد جبريل، للضرب من قبل هذه القوة التي “نهبت أيضاً هواتفهم النقالة، وكل ما يملكون من مال وملابس، وسيارته (فضل) الخاصة”. وذكرت أن الصحافي نفسه أوقف قبل هذه الحادثة بيوم واحد في إحدى نقاط التفتيش التابعة لقوات الدعم السريع، حيث “قضى ليلة كاملة تحت رحمة عنتهم، وتم أخذه إلى أحد مراكز الدعم السريع في منطقة كافوري في اليوم التالي، وكان معه أيضاً المصور راشد جبريل”.
خلال الأسبوع الماضي أيضاً، رصدت النقابة سقوط مقذوفة على منزل الصحافي خالد شرف الدين في نيالا، ضمن سلسلة أحداث العنف التي شهدتها المدينة. وتعرّض شرف الدين لإصابات في رجله ويده، ويتلقى العلاج حالياً، بعد إجلائه إلى منطقة آمنة. كما اعتدت مجموعة تابعة لقوات الدعم السريع على الصحافي عيسى دفع الله، ونهبت هاتفه وأمواله، في أثناء توثيقه لأحداث حرق ونهب محال تجارية في نيالا. واقتاده أفراد من قوات الدعم السريع قسراً، بعد اتهامه بالعمل لصالح الاستخبارات العسكرية، رغم أنه أشهر هويته الصحافية. ولاحقاً أطلق سراحه، بعد تهديده.
وأكدت النقابة رفضها استهداف الصحافيين وترويعهم، وحمّلت أطراف النزاع المسلح المسؤولية الكاملة عن سلامتهم وهم يعملون في ظروف بالغة التعقيد.
وفي سياق ما يواجهه الصحافيون السودانيون، قال الصحافي محمد أزهري إن قوة تابعة للدعم السريع أوقفته على بعد كيلومترين من منزله، في منطقة البنك العقاري جنوب أم درمان، وهدده أفرادها، وأجروا تفتيشاً دقيقاً لسيارته، متهمين إياه بأنه يتبع لجهة أمنية. وأضاف الأزهري متحدثاً لـ”العربي الجديد”: بعد التهديد والوعيد نهبوا هاتفي بقوة السلاح، وقالوا لي: إذا طلبت إعادة هاتفك فسنطلق عليك الرصاص… فتركته وغادرت المكان”. وأكد أزهري تعرض الصحافيين السودانيين لانتهاكات عدة وخطيرة، معظمها على يد قوات الدعم السريع، لوجودها في نطاق واسع من العاصمة الخرطوم، في نقاط مختلفة داخل وخارج الأحياء السكنية. وشدد على ضرورة اتباع الصحافيين لخطوات السلامة اللازمة في تغطية مناطق الصراع المسلح، والابتعاد قدر الإمكان عن أماكن تواجد القوات الأمنية، وتحديداً في مناطق الخطورة والبنايات العالية، لأن معظمها تعتبر مخابئ للقنّاصة.
والاعتداءات تطاول المؤسسات الصحافية أيضاً؛ على الرغم من مرور أكثر من شهر على بدء الاشتباكات، فإن الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السودانية لا تزال متوقفةً عن العمل والبث. وطالبت النقابة، الأسبوع الماضي، قوات الدعم السريع بالخروج الفوري من مباني الهيئة. كما دانت تحويل المؤسسات الإعلامية ميداناً للمعارك العسكرية، “ما يُعرّض الإرث التاريخي والقومي الذي تحويه تلك المؤسسات إلى خطر الإتلاف والتخريب”. وناشدت النقابة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) “بالاهتمام بالخطر الحقيقي على مكتبتي الإذاعة والتلفزيون” ودعتها للتدخل من منطلق مسؤوليتها في حفظ التراث الإنساني، مع التذكير بـ”إرثٍ سوداني لا يقلُ أهميةً عن مكتبتي الإذاعة والتلفزيون يتهدّده التدمير حال وصول أصابع الحرب اللعينة إليه مثل متحف السودان القومي، ودار الوثائق القومية، وأرشيف معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية، وأرشيف البرلمان، وغيرها من المكتبات والمتاحف التي تحوي إرث وذاكرة السودانيين”.
وكشف رئيس تحرير صحيفة السوداني، عطاف محمد مختار، أن الحرب أوقفت الكثير من المؤسسات الصحافية، ومنها الصحف الورقية التي تلاشت تماماً بعد خروج أول طلقة، وهو ما لم يحدث طوال تاريخ السودان. وقال مختار، لـ”العربي الجديد”، إن الصحافيين “هم أكثر الفئات استهدافاً في هذه الحرب التي لا تفرق بين الصحافيين ومؤسساتهم وتوجهاتهم أياً كانت”. وأوضح أن القائمين على الصحيفة كانوا منهمكين في اليوم الأول للاشتباكات بإجلاء الصحافيين والعاملين من مقرها الذي انهمرت عليه القذائف والرصاص. وبعد الإجلاء، اتجه صحافيو “السوداني” للتركيز على الموقع الإلكتروني، وبيّن مختار أنه كرئيس تحرير لم ولن يكلف صحافياً بعمل ميداني قد يعرّض حياته للخطر، مشيراً إلى توقف الصحيفة عن كتابة أسماء الصحافيين على الأخبار المنشورة حفاظاً على سلامتهم.
من جهة ثانية، قال الصحافي نجل الدين آدم، إنّ أحد الواجبات الأساسية للجيش هو حماية وتعزيز حرية العمل الصحافي، باعتباره الآن مسؤولاً عن إدارة البلاد، زاعماً، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن الانتهاكات بحق الصحافيين من قبل قوات الدعم السريع “هي تصرفات فردية من بعض منسوبيها”، وأن “بعض الانتهاكات سببها ظروف الحرب بصورة عامة، ويمكن أن يقع فيها أيضاً عناصر الجيش أنفسهم”. وأضاف آدم أن المهنية الصحافية “غابت بشكل كبير” منذ بدء الحرب، و”سيطر الإعلام الموجه بشكل واضح، حتى في القنوات الخارجية حيث تأخذ الوسائط الإعلامية المختلفة ما يأتيها من معلومات من أحد أطراف الحرب وتتعامل معها، من دون وضعها في الميزان المهني، والسبب الأساسي في ذلك هو غياب الصحافيين عن الميدان، لأن الطرفين لم يضعا في حساباتهما وضعية الإعلام وتمكينه من الوصول إلى المعلومة”.
ومع تصاعد الانتهاكات ضد الصحافيين تزايدت الانتقادات التي وجهت إلى نقابة الصحافيين، إذ اتهمها البعض بغض الطرف عن تصرفات قوات الدعم السريع. لكن سكرتير العلاقات الخارجية في النقابة، طاهر المعتصم، نفي الاتهامات كلها، وأشار إلى أن النقابة، وقبل اندلاع الاشتباكات، “حاولت تجميع عدد من الكيانات النقابية في جبهة واحدة ضد الحرب التي بانت نذرها في ذلك الوقت، وبعد اندلاعها لم تنحز لأي طرف من الأطراف وحرصت على تشكيل غرفة لرصد الانتهاكات، ولم تتردد في نشر الانتهاكات وإدانتها مهما كان الطرف المتورط فيها، وظلت تصدر بصورة دورية بيانات تدين تلك الانتهاكات من منع للصحافيين من القيام بعملهم أو تعرضهم للاعتداء، كما حدث مع محمد عثمان مراسل بي بي سي في حالة الجيش، وأحمد فضل في حالة قوات الدعم السريع، على سبيل المثال وليس الحصر”. وذكر المعتصم، لـ”العربي الجديد”، أن النقابة تواصلت مع الصليب الأحمر والهلال الأحمر لإجلاء صحافيين احتجزوا في مكاتبهم في الأيام الأولى من الحرب، وذلك من أجل فتح ممرات آمنة لخروجهم. وأكد أن النقابة ذهبت أبعد من ذلك، بتشكيل لجنة لمتابعة أوضاع صحافيين لجأوا للدول المجاورة هرباً من جحيم الحرب، لمحاولة معالجة أوضاعهم الإنسانية المتأزمة، رافضاً بشدة ما وصفه بـ”محاولات البعض الزج باسم النقابة في أتون حرب تحاربها وتحارب خطاب الكراهية الذي يرافقها”.
منذ 15 إبريل/ نيسان الماضي، أسفر النزاع بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) عن مقتل ألف شخص، وأكثر من مليون نازح ولاجئ. وكان الوسطاء الأميركيون والسعوديون أعلنوا أنهم توصلوا، بعد أسبوعين من المفاوضات، إلى هدنة تعهد الجانبان احترامها. لكن منذ بداية الحرب، أعلن مراراً عن اتفاقات لوقف النار تعرضت للانتهاك في كلّ مرة.
العربي الجديد