إستيقظ العالم منذ أيام على فاجعة السودان التي عرت الوجوه المُستفيدة من هذا الصراع، فالأمر لا يتوقف عند البرهان أو “حميداتي”، بل يتعداه إلى أطراف أُخرى تتغذى من هذه الفتنة وتريد أن تحصل على حصتها من الثروات السودانية الكبيرة وأولها الذهب، فالحرب الدائرة هناك ليست بين جيش نظامي وقوات الدعم السريع، وإنما بين مجموعة من الدول وعلى رأسها أمريكا التي لا تفعل شيئا ببلاش، فإسقاطها السودان من قائمة الدول الإرهابية كان بسبب رغبتها في التحكم والسيطرة عليه وعلى ثرواته، قبل أن تُفاجأ بشريكين جديدين لم يكونا في الحساب، الصين المُنافس الشرس لها وروسيا عدوتها اللذوذة، ولهذا فالمعركة قد تطول وتأخذ أبعادا مُختلفة مثلما حدث في ليبيا إذا لم يضع السودانيون حدا لهذا العبث، فالخطة واضحة وضوح الشمس وقد تم تنفيذها في دول أُخرى مازالت تحت سيطرة الغرب بسبب تعنت مسؤوليها وتقديم مصالحهم على مصالح بلدهم، والمُؤسف في هذا كله هو رُؤية العشرات من العائلات السودانية تفر وتهرب من جحيم الحرب إلى دُول جارة مُعاناتها لا تختلف كثيرا إلا إذا إستثنينا مصر التي لحد الساعة تنعم بالإستقرار رغم كل المكائد، فما ذنب “آلات فوزي” وكثير من السودانيين الذين ينتمون لهذا البلد الغني بالثروات الحيوانية والمعادن وحتى النفط، أن يجدوا أنفسهم مُشردين وقتلى في شوارع كانت بالأمس جُزء لا يتجزأ من حياتهم، فمن أجل هؤلاء مُهم جدا الرجوع إلى طاولة الحوار وبأسرع وقت بمُشاركة دُول الجوار والإتفاق على نقاط الإختلاف وفتح المجال للشعب السوداني لإختيار سُلطة مدنية تُمثله وتُدافع عنه، فدور الجيش في أي بلد هو دعم الإستقرار والدفاع عن الوطن في وجوه الأعداء، لكن ما حدث في السودان وقبلها ليبيا وعديد البُلدان العربية والإفريقية أين كان الجيش هو السبب في الإنقلاب والدمار، يُبين أن بعضا من الجيوش قد حادت عن الطريق وعوض لعب دور إيجابي في تحرير الأمة من براثين العدو، هاهي تُفسد وتُحطم، وتريد أن تحكم وتستبد بإسم مُحاربة الإرهاب، فالمفروض من جيش أي دولة في وضعه الطبيعي أن يكون حصنا ودرعا لمُواجهة المخاطر والتحديات، ولكن حين ينحرف عن مساره يفقد كل سبب لوجوده، وهذا ما حدث ويحدث في السودان وجيشه، فالدومنيكان حلت جيشها سنة 1981 بعد أن قام بمحاولة إنقلابية، ونفس الشيء في بنما سنة 1990، وهي تعيش الآن في إستقرار وهدوء بعد أن تم تحويل الميزانية التي كانت تُصرف على الأسلحة إلى تنمية الإنسان ومُكافحة الفقر، ونحن هنا لا ندعوا لحل كل الجيوش وإنما لتوحيدها وتجميعها في قضايا تهم الأُمة ومُستقبلها وخاصة القضية الفلسطينية وإفريقيا.
الأكيد أن إنفصال السودان ودفعه لحرب أهلية سيُقلل من فُرص السلام والهدنة فيه، والتغيير السياسي المنتظر لن يكون سهلا وفي مدة قصيرة، وثرواته ستُستغل وستهلك الأمة العربية التي تعتبر الأراضي الزراعية السودانية مصدرا لغذائها وقوتها، والدول المُجاورة له ستضعُف من كل النواحي وخاصة مصر المُنهكة إقتصاديا والمُتربص بها من إسرائيل التي تعرف أن إضعافها هو حماية لها، فالخطة نُفذت بنجاح وهاهو بلد آخر يقع في مصيدة الأعداء والخونة، والقادم دون شك سيكون أسوأ وأخطر علينا كشعوب عربية وإفريقية، لذا التفطن ونبذ الخلافات وخاصة بين القوى السياسية الداخلية أصبح أكثر من ضروري، فلو إتجهت نحو التوافق وتركت الخلاف لما حدث كل هذا في السوادان، لكن لهثها وراء ديمقراطية زائفة ووهم أوهمه بها المتربصون ببلدهم هو من أوصل إلى هذه النتيجة السلبية وتسبب في تقسيم هذا البلد مرتين، الأولى سنة 2011 لما فًصل جنوبه عن شماله، وإنقسم إلى ديني ومدني، الآن وفي سنة 2023 أُشعلت نار الفتنة مُجددا فيه وقُسم إلى مدني وعسكري، ثم ظهر تقسيم جديد بين العسكر، واحد يُوصف بالتقليدي الدكتاتوري المُناصر للإسلاميين وآخر مرتبط بالحرية والديمقراطية الداعي إلى نظام سياسي جديد غير إستبدادي بقيادة مدنيين، طبعا لا توجد مهزلة وسُخرية أكبر من هذا، كيف لا ونحن نرى نفس المشاهد تتكرر في أكثر من بلد عربي إسلامي وإفريقي ولا نُحرك ساكنا ونكتفي بالدعوات والتنديدات، فيا أبناء السودان إتحدوا وضعوا نصب أعينكم هدفا واحد وهو إسترجاع البلد وثرواته وسيادته، وإلا ستجدون أنفسكم في حرب أهلية لا نهاية لها، فالسفينة بقائد وليس بقائدين، والله واحد أحد لا شريك له، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في سورة الأنبياء.
بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعال: ” لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون” سورة الأنبياء.
وجيدة حافي
كاتبة من الجزائر