المشاريع الزراعية .. تحتضر؟

تعالت أصوات المزارعين من كثرة الشكاوي بإهمال الدولة للمشاريع الزراعية التي تعتبر العمود الفقري للاقتصاد ، رغم الشعارات المرفوعة بأن السودان سلة غذاء العالم لتوافر المياه العذبة والأراضي الشاسعة والأيدي العاملة ،كل هذه المقومات  والحكومة تتعامل مع الزراعة بأنها آخر اهتمامها، حال المزارعين الآن مابين مطرقة السجون وسندان البنك الزراعي، هذا إهدار للوقت في طرح المشكلات لإيجاد الحلول ولذلك طالب عدد من المهتمين بالشأن الزراعي بضرورة التدخل  العاجل من الدولة وأهمية  إعادة الأجسام النقابية المهنية للقطاع الزراعي، لجهة أن  الغياب أثر بصورة كبيرة جداً على سير العملية الزراعية وإهمال واضح لكل المشاريع وعدم التحضير في الوقت المناسب ، (الإنتباهة)  وقفت على الوضع الراهن للمشاريع الزراعية وتعالت الأصوات من قبل بعض من المهتمين بالشأن الزراعي وحذروا من تراجع المساحات الزراعية وتدني الإنتاجية وفقاً لتحديات كبيرة تجابه عدداً من المشاريع وتدني أسعار المحاصيل وعزوف المزارعين عن الزراعة .

إزالة الغُبن :

كشف نائب المدير الزراعي لأقسام المناقل عبد القادر  أحمد عن حصاد كميات مقدرة من القمح، وأوضح في حديثه لـ (الإنتباهة) أن إنتاجية الفدان تراوحت مابين (16) الى (30) جوالاً ، مشيراً إلى سير خطوات الحصاد بمشروع الجزيرة بصورة جيدة  معلناً عن  أن أقسام المناقل زُرعت فيها  (168) الف فدان والمساحات التي تم حصادها بأقسام المناقل بلغت (45) الف فدان ، أي ان المناقل حصدت 25 ٪ من المحصول ككل   ، لافتاً إلى أنهم يقومون بجولة طواف يومية للتأكد من سير عملية الحصاد كما يجب وفق الضوابط التي حددتها الإدارة ،  مشيراً إلى أن جوالات الخيش متوفرة في السوق المحلي ولا يوجد بها أي شح وكذلك الحاصدات   ،   ولفت إلى إدارة مشروع الجزيرة ممثلة في المحافظ دفعت بمذكرة إلى  الجهات المعنية لتحديد سعر تركيزي للقمح تشجيعاً للمزارعين بيد أن المذكرة حددت سعر تركيزي (35) الف جنيه للجوال وهذا السعر قد يكون مجزياً في الظروف الحالية لجهة أن سعر القمح في الأسواق الآن يتراوح مابين (18) إلى (20) الف جنيه للجوال  وتحديد سعر تركيزي يشجع المزارعين ويزيل عنهم الغُبن ، وأضاف : ما يشغل المزارعين الآن ضرورة تحديد السعر التركيزي للقمح .

خسارات مليارية :

أكد رئيس تجمع مزارعي الولاية  الشمالية رضا الإدريسي على قلة  المساحات المزروعة في الموسم الشتوي لجهة تأخر التقاوي والأسمدة ، وقال في حديثه لـ (الإنتباهة) ان الكميات التي تمت زراعتها لا تتجاوز 5 ٪ ، مشيراً إلى أن أكبر  المشاريع الزراعية بالولاية متمثلة في مشروع الوحدة الجابرية ومشروع البكري ومشروع سنة لم يزرع فيها محصول القمح وقد خرجت من الخدمة بشكل نهائي ، وشكا الإدريسي من انعدام آليات الحصاد ، لافتاً إلى أن انعدام التسويق للمحاصيل أدى إلى تكبد المزارعين خسارات فادحة بلغت مليارات الجنيهات ، موضحاً أن سعر كيلو الطماطم انخفض من (500) جنيه إلى (160) جنيهاً فقط ، أما سعر جوال الفول المصري انخفض من (100) الف جنيه إلى (50) الف جنيها  مع انعدام السيولة  لشرائه حتى بهذا السعر  ، مؤكداً على أن أي محصول تمت زراعته في الولاية الشمالية  نتيجته الحتمية الخسارة، مؤكداً على إن المزارع سيخرج بشكل نهائي من العملية الزراعية خاصةً زراعة القمح .

وقال رئيس مبادرة تأهيل مشروع السوكي الزراعي عمر هاشم ان السوكي من ضمن المشروعات القومية  المرورية الأربعة ، ويعيش بشكل مباشر حوالي (7) آلاف مواطن ، في (136) قرية وعدد المزارعين ١٢،٥٠٠  مزارع بمساحة تقدر حوالي (100) الف فدان ، ويروى بنظام ري الطلمبات ، وتم استبدالها عام  2010م رغم أنها نفس الشركة ولكنها بجودة أقل ، وتعطلت عام 2015م ، ولجأت وزارة الري إلى وزارة المالية وقدمت فاتورة بقيمة (57) الف دولار للصيانة ، ولكن وزارة المالية بحكم السياسات العليا للدولة والتي تنظر للزراعة نظرة ثانوية لم تستجب لهذه الفواتير إلا بعد خمس سنوات ، عام 2022م ولكن تأخر الوقت وتم هلاك الطلمبات بالكامل ، والآن مشروع السوكي الزراعي خارج الدورة الزراعية وخارج دائرة الإنتاج لثلاثة مواسم متتالية ،  بسبب عدم وجود ري  مما تسبب في إفقار المزارعين   ودخولهم في ديون ، في آخر شركة تعاقدية وعدد كبير من المزارعين دخلوا السجون ، وبدورها الشركة تطلب مبلغ (620) مليون جنيه ، للمزارعين المعسرين ، ونبه عمر الى أن عددا كبيرا من المجتمع والثروة الحيوانية يعيشون على الزراعة حوالي (3) ملايين رأس جميعها هاجرت إلى الجزيرة والرهد للمشاريع المجاورة لكي تشرب ، وهناك واجهتها مشاكل كبيرة السرقات والنهب وقتل  الرعاة، وأضاف أن هناك عدداً من النساء جزء من الأيدي العاملة وبسبب بعد المسافات تم إجهاض عدد منهم وتم تسجيل تلك الحالات ، وتشريد عدد من الشباب منهم من ترك العمل في الزراعة ويعملون في مناطق التعدين ، ونبه عمر  خلال حديثه لـ ( الإنتباهة ) أمس إلى عمل مبادرة لتأهيل مشروع السوكي من قبل أبناء المنطقة والتواصل مع الحكومة ممثلة في وزارة الري والمالية ولكن ، المحاولات باءت بالفشل ،  وأرجع ذلك إلى أن بعض الوزراء ليس لهم صلاحيات ، وأبواب وزارة المالية مغلقة دون الوصول إليها ، وأضاف  اتجه هؤلاء الشباب إلى قانون تنظيمات الإتناج الزراعي والحيواني ، لتكوين جسم شرعي ، والعمل مع المستثمرين في القطاع الزراعي، وتم الاتفاق مع مستثمر سوداني لديه طلمبات جاهزة وذلك قبل حوالي سنة ونصف ، وأيضاً مستثمر آخر أبدى استعداده دفع مبلغ (80) مليون دولار ، لإعادة أحياء هذا المشروع، ولكن ظهرت مشكلة أخرى عدم وجود جسم شرعي ، واتهم عمر الفلول بالسيطرة على ولاية سنار والتي لها اختصاص أمني يسمح بقيام الجمعية العمومية ، رغم تدخل وزارة العدل ممثلة في تنظيمات العمل بإعلان الجمعية العمومية ، ولكن هؤلاء الفلول لديهم آليات عبر الدولة العميقة ولجنة أمن سنار وأيضاً الوالي الحالي يعملون على تعطيل قيام الجمعية العمومية بحجج كثيرة  ، من ضمنها عدم وجود أمن  ، وأردف أن (700) الف مزارع وثلاث محليات الآن تحت رحمة الدولة ، وانتقد عدم قيام الحكومة بواجباتها  ومسؤولياتها تجاه الزراعة وصيانة الطلمبات المتعطلة ، ولم تسمح للمزارعين بعمل جسم شرعي أو الذهاب للقطاع الخاص ،  وقال إذا تم تطبيق معايير برنامج الغذاء العالمي في هذه المنطقة نجد أن أكثر من (50) قرية وصلت إلى مرحلة المجاعة ، ولا يوجد قوت اليوم ، وأضاف عمر وصلنا إلى طريق مسدود ، وقدم شكوى لمن يهمه الأمر لوالي سنار ولجنة أمن الولاية ودعا إلى ضرورة التدخل العاجل ومساعدة المزارعين لتنفيذ الجمعية العمومية والوصول إلى جسم شرعي ومن ثم الدخول في شراكة تعاقدية مع المستثمرين لإعادة أحياء مشروع السوكي وإنقاذ المواطنين من المجاعة ، وقال عمر كل  الحكومات تتعامل مع الزراعة بأنها آخر اهتماماتها .

وقال نطالب الدولة بسن تشريعات تعطي أولوية للزراعة وأن تكون الميزانية بعد التعليم والصحة للزراعة ، وأردف وعدم اهتمام الدولة بالزراعة تعني المزيد من التشريد ،  وشدد على ضرورة سن تشريعات خاصة بالتسويق ، و طالب عمر  بإقالة  والي سنار ولجنة الأمن واتهمهم بأنهم امتداد للفلول ويسيطرون على الولاية ، ولا يهتمون بحياة المواطنين ونبه إلى وجود أكثر من (700) الف يواجهون خطر الجوع ، وقال المشاكل الأمنية تأتي بعد ظهور الجوع وليس  كما يدعون الآن ،مضيفاً  ظلوا يعرقلون قيام الجمعية العمومية لأكثر من أربع مرات دون أسباب واضحة  ،  واستهجن عدم تدخل وزارتي  الري والزراعة  قائلاً : لا يملكون أدنى صلاحيات ، وابتعدوا عن المساهمة في حل مشروع السوكي وناشد الجهات المختصة من  صناع القرار بالتدخل العاجل لحسم قضية مزارعي السوكي .

 

وضع سيئ

 

وفي ذات الأثناء تحسر رئيس مزارعي الرهد السابق يوسف حمد النيل عن سوء الأوضاع للمزارعين وقال خلال حديثه لـ( الإنتباهة ) أمس أغلبهم دخل السجون بسبب تراكم المشكلات مشيراً إلى ارتفاع تكاليف المدخلات الزراعية مقارنةً مع كساد في الأسعار وأضاف أن البنوك أحجمت عن التمويل الأصغر  ولا توجد بشريات للموسم الصيفي بجانب عدم وجود جسم نقابي أثر على العملية الزراعية بشكل كبير وجزم بالقول : (حالياً العمل واقف)  وأضاف بدأ التحضير للموسم من قبل بعض الجهات للاستثمار الأجنبي وتم طرح شراكة بأن يكون تمويل 50 % من الدولة وأكدوا اهتمامهم والعمل على صيانة جميع الطلمبات وترحليها عبر البر إلى القاهرة ، ولكن تخوف المستثمرين من عدم وجود دولة وهذا الأمر خلق فجوةً كبيرةً في التمويل لدى الشركات التعاقدية ، وبالتالي فأن التحضير للموسم صعب لعدم وجود الإمكانيات بالإضافة إلى الديون التي تقع على كاهل المزارعين والمسؤولين من رؤساء النقابة وأردف هؤلاء وضعهم ( حدث ولا حرج ) وأشار يوسف إلى عدم الاستقرار السياسي أثر بصورة كبيرة على أوضاع المزارعين والزراعة وقال ستكون المحصلة في النهاية (زيرو) .

أوضاع سيئة

ولم يكن حديث المزارع الصادق فتاحة منطقة أم سنيطة بالجزيرة  بعيداً عن سابقه بأن الأوضاع سيئة جداً ومؤسفة  وأوضح بأن الإنتاج ضعيف جداً بجانب تدني الأسعار حيث تتراوح الأسعار مابين (17) إلى (18) الف جنيه لجوال القمح مضيفاً هذه الأسعار لا تغطي تكلفة التحضير ، وأبان فتاحة أن متوسط الفدان حوالي (7) إلى (8) أفدنة كأعلى إنتاجية وأردف أن السعر محبط جداً للمزارع ، ونبه إلى عدم الاستعداد للتحضير للموسم الصيفي وقال أغلب المساحات حالياً مغمورة بالمياه.

 

ضعف الإنتاج :

وفي ذات الاتجاه أكد المزارع بمشروع الجزيرة القسم الشمالي مكتب الكويت يوسف خرسانة على ضعف حجم الحصاد ، وأشار في حديثه لـ (الإنتباهة) الى أن متوسط إنتاجية الفدان من (6) إلى (7) جوالات للفدان ، منبهاً إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج حيث بلغت رسوم الضريبة (16) ألفا أما سعر إيجار الحصاد (15) الف جنيه للفدان إلى جانب ارتفاع تكاليف الترحيل أما سعر مجمل تكلفة الإنتاج للفدان يبلغ (330) الف جنيه   في حين أن سعر جوال القمح (18) الف جنيه في الأسواق ، وقال إن الخسارة التي يتكبدها المزارع لا يمكن تغطيتها الأمر الذي أدى إلى عزوف عدد كبير من المزارعين عن الحصاد خاصةً وأن السعر التركيزي للقمح لم يتم الإعلان عنه لتشجيع المزارعين على الحصاد كاشفاً عن أن المزارعين مضغوطون من قبل الشركات في جانب السداد ، مبيناً أن إدارة المشروع قامت باختيار مساحات قليلة ونادرة  في حجم الإنتاج مقارنةً بباقي المساحات التي تمت زراعتها من القمح  حيث تراوح حجم  إنتاج هذه المساحات من (18) إلى (19) جوالاً للفدان   وعلى أساسها حددت متوسط حجم الإنتاج ، في حين أن متوسط حجم الإنتاج يُبنى على أساس المساحات الأكبر وليس على المساحات القليلة وقال إن هذه العملية تشكل ظلماً للمزارعين لجهة أن إنتاجهم  قليل ولا يقارن بإنتاج المساحات التي حددتها الإدارة.

المصدر: الانتباهة

Exit mobile version