اليوم العالمي للمياه

يحتفل العالم سنوياً في الثاني والعشرين من شهر مارس الجاري بالمياه، وتم تسمية هذا اليوم باليوم العالمي للمياه منذ قمة الأرض (قمة ريو) التي نظمتها الأمم المتحدة، التي إنعقدت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية عام ١٩٩٢، والهدف من هذا اليوم هو الإدارة المتكاملة للمياه؛ بالمحافظة علي مصادرها وحمايتها من التلوث، وترشيد إستخدامها ومعالجتها وإعادة تدويرها.

الماء هو الأكثر شيوعاً على الأرض، ويغطي أكثر من ٧٠% من سطح الأرض (المياه السطحية والجوفية)، وحتي الهواء الجوي يوجد به ماء في شكل بخار، وثلثي جسم الإنسان يتكون من الماء، ولا حياة بدون ماء؛ وكما قال الله عز وجل: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ صدق الله العظيم.

ولم تقتصر أهمية الماء علي الشرب والري فقط؛ وإنما الماء يتسبب في تشكيل تضاريس الأرض، فالأمطار تهطل على الأراضي اليابسة، وبواسطة السيول والفيضانات تجرف معها التربة الي الأنهار والشواطي، وتلتطم مياه المحيطات بالشواطيء وتكسر الصخور وتبني الرواسب الصخرية.

بالرغم من أن الماء يغطي ٧٠% من سطح الأرض؛ إلا أن ٣% فقط من مياه العالم عذبه، بالإضافة إلى أن توزيع هذه المياه ليس متساوي، ويتفاوت هطول الأمطار من منطقة الي منطقة أخري، فهنالك مناطق الأمطار فيها شحيحة، وفي المقابل هنالك مناطق أخري غارقة بالأمطار والسيول والفيضانات، وهذه ليست مشكلة؛ نسبةً لوجود دورة الماء، وهي هطول الأمطار في منطقة معينة ثم تنجرف هذه المياه والتربة الي الوديان والمنخفضات والأنهار والبحار، ومن ثم تتبخر بِفعّل حرارة وأشعة الشمس الساقطة عليها، ومن ثم يبرد ويتكثف بخار الماء هذا؛ ليصبح ماء سائل؛ بِفعّل الرياح، ثم يسقط في شكل أمطار مرة أخري، وهكذا وهذه هي دورة الماء التي خلقها الله عز وجل لتساهم في توزيع المياه توزيعاً يناسب الأمكنة والمناطق؛ إلا أن تدَخَّل الإنسان بأقامة وتشيّد المباني في مجاري السيول والأمطار، وطرح النفايات ومياه الصرف الصحي والصناعي في الأنهار والمياه السطحية؛ مما تسبب في تلوث المياه وتغير المناخ؛ مما أعاق إكتمال دورة الماء بصورتها الطبيعية، وأيضاً دورة الكربون ودورة النيتروجين ودورة الفسفور ودورة الكبريت لم تسلم من ظاهرة التغير المناخي والتلوث لمصادر المياه.

بالرغم من الصراعات والحروب علي المياه؛ إلا أن كمية المياه الحالية الموجودة تكفي إحتياج العالم كله بدون أدني شك، وكما قال الله عز وجل في محكم تنزيله: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرض وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} ويُمكن لهذه المياه أن تُغطي إحتياجاتنا من المياه في حالة أوقفنا التلوث ورشّدنا الإستخدام، وإتبعنا نظام الإستخدام المستدام والإدارة المتكاملة للمياه، وقبل قرون عديدة قال الرسول صلَّ الله عليه وسلم:
(إذا كنت علي نهرٍ جاري؛ فلا تسرف في الماء).

زادت أهمية الماء في حياتنا في الفترة الأخيرة؛ بسبب إزدياد عدد السكان وبسبب إستخدامه في النظافة والصرف الصحي (الحمامات ودورات المياه)، أضف الي ذلك أن الصناعة تستخدم المياه النقية أكثر من أي مادة أخري، وأيضاً نستخدم الماء لإنتاج الطاقة الكهرومائية من السدود، ومن هنا بدأت حرب المياه بين القبائل والدول والقارات، ودونكم سد النهضة الإثيوبي خير دليل وبرهان للتوترات السياسية بين السودان ومصر وإثيوبيا، ولحل هذه الصراعات والحروب المائية؛ توَّلد علم جديد ودبلوماسية جديدة تسمي بدبلوماسية المياه.

د. الفاتح يس
أستاذ وباحث في البيئة والتنمية المستدامة

المصدر: اليوم التالي

Exit mobile version