تعرضت في الفصلين السابقين من مذكرات الشيخ عبدالرحيم أبوسنينة إلى عدة تواريخ وإلى عدد من الرموز الأفذاذ الذين أسسوا وقادوا العمل النقابي في مشروع الجزيرة وفي أحلك الأيام والتي كان فيها المستعمر صاحب الكلمة الأولى في البلاد في الفصل الثالث هذا من المذكرات نقف على تواريخ مفصلية في تاريخ أؤلئك الرجال حيث يمضي الشيخ عبدالرحيم أبوسنينة في مذكراته ويذكر أنه في عام 1946م تم تكوين الهيئة الاستشارية لمزارعي الجزيرة برئاسة الشيخ أحمد بابكر الأزيرق وكان رجلاً ذو حنكة و دراية، وله قدرة على الحوار وفي عام 1948م تم تكوين هيئة مزارعي الجزيرة برئاسة الشيخ أحمد بابكر الأزيرق سكرتارية الشيخ محمد عبدالله الوالي و الشيخ أبو الحق لأمانة الخزينة وتم إنتداب السادة العوام نمر و يعقوب الصالح مستشارين للهيئة والتي ظلت تباشر نشاطها حتى صدور قانون مشروع الجزيرة في 1950م بعد إنهيار الشركة الزراعية البريطانية و قد تم تأميم المشروع و صدور قانون مشروع الجزيرة وقد أصبحت العلاقة في القانون الجديد 40℅ للحكومة 40% للمزارع 14% للحكومات المحلية و 2 % إحتياطي مزارعين..
في موسم 1951-50م حدثت طفرة في أسعار القطن بسبب الحرب العالمية الثانية وصرف المزارعون أرباحاً طائلةً من عائدات القطن وأنشئت وقتها مصلحة الخدمات الإجتماعية والتي تم تكوين عدة إدارات لتلك المصلحة أهمها إدارة الآبار الجوفية و إدارة البساتين وإدارة الإرشاد النسوي وتعليم الكبار و إدارة تحرير جريدة الجزيرة و إدارة البحث الإجتماعي هذا بالإضافة للمساهمة في تشييد المستشفيات والمراكزالصحية والمدارس الأولية و الوسطى و الثانوية مما جعل الجزيرة تعد لحركة إجتماعية وخدمية في كل المجالات و كانت بالفعل نقلة حضارية كاملة جعلت مجتمع الجزيرة من مجتمع بدائي إلى مجتمع متقدم و متحضر في جميع مناحي الحياة إلا أنه في الموسم 1953/52م تدهورت للأسف أسعارالقطن و أحس المزارعون بالفرق الكبير في عائد الأرباح على إثر ذلك تحرك الشيخ الأمين محمد الأمين في وفد من خمس وعشرين عضواً كان كاتب المذكرات أحدهم وقد أعد الشيخ الأمين محمد الأمين بياناً من أربعة عشرة مطلباً تخص المزارعين على رأسها تغيير اسم الهيئة إلى إتحاد، وللحقيقة فلقد كان الموجهون لذلك العمل كوادر الحزب الشيوعي على رأسهم الأستاذ كامل محجوب والذي يعمل ليلاً ونهاراً في كتابة المنشورات والمذكرات و قامت الحركة بحصر و تسجيل كل مزارعي الجزيرة و كانت تعقد المؤتمرات على مستوى المدن والقرى وكان شعار الحركة أنها حركة بدون أهداف سياسية و أن مطالب المزارعين لا تتعدى ما بين التقنت و أبو عشرين و تم توقيع المذكرات المطالبة بحل هيئة المزارعين لإتهامها بالعمالة مع الإدارة البريطانية و طلبوا مع حل الهيئة استبدالها بلجنة الشيخ الأمين محمدالأمين و لكن المحافظ ومديرالمديرية رفضا حل الهيئة وقرر الجميع قيام جميع المزارعين بموكب إلى الخرطوم لرفع عريضة للحاكم العام وذلك فى 1953/12/29م و ذهب كل المزارعين من عموم تفاتيش الجزيرة حتى أطراف المشروع في مكتبي السديرة و الفراجين وكان المنظر رهيباً حيث ذهبوا باللواري ولم يكن الطريق بين مدني و الخرطوم معبداً و عند، مدخل الخرطوم قابل الموكب المرحوم مصطفى المهدي حكمدار بوليس الخرطوم و معه مجموعة من الضباط والعساكر و كان و قتها قد صدر إعلان الطوارئ من مدير مديرية الخرطوم. وفي هذا السياق ذكر صاحب المذكرات الشيخ أبوسنينة أنه تحدث إليهم أن مسؤولية الأمن مسؤوليته الشخصية وهو يتحمل تلك المسؤولية في إستباب الأمن وهو يطلب التعاون معهم وهم يقومون بتنظيم الموكب و قد تم إعداد ميدان عبدالمنعم مكاناً لتجمع المزارعين و على سائقي المركبات تفريغ حمولاتها وتخرج إلى مكان أعد لها ويمضي شيخ أبوسنينة بالقول أن التنظيم كان دقيقاً وأن الموكب رهيباً ، يستطرد شيخ أبوسنينة أنه في عصر يوم 1953/12/30م حضر إليهم وفد من حزب الأمة بقيادة السيد الصديق عبدالرحمن المهدي و عدد من أعضاء حزبه و طافوا بالموكب محيين المزارعين وفي نهاية الطواف على الموكب إلتقى الوفد باللجنة ووجه لهم الدعوة لتناول الإفطار بمنزله بود نوباوي بعدها تم إبلاغ اللجنة بأنه تم تحديد الساعة العاشرة من صباح يوم 1953/12/31م لرفع المذكرة للحاكم العام البريطاني وفي صبيحة اليوم التالي كتبت جريدتي (الأمة) و (النيل) و بالبنط العريض خبر زيارة رئيس حزب الأمة إلى موكب المزارعين وأن حزب الأمة يؤيد مطالب المزارعين وذكرت الجريدتان أمر دعوة رئيس حزب الأمة لتناول طعام الإفطار بمنزل السيد الصديق عبدالرحمن المهدي وفي المساء زارت لجنة الحزب، الوطني الإتحادي بقيادة الأستاذ يحي الفضلي وعدد من أعضاء حزبه و نواب الجزيرة بالبرلمان الأول للعام 1953م يحملون مذكرةً بها اسماء تسعة من أعضاء اللجنة الذين ينتسبون للحزب الوطني الإتحادي من بينهم صاحب المذكرات الشيخ أبوسنينة.. وإجتمع وفد الوطني الإتحادي بهؤلاء التسعة وكان مضمون حديثهم أن هذه الحركة يقودها الشيوعيون بغرض عمل إنهيار دستوري لأن الحزب الشيوعي لم يتوفق في الإنتخابات البرلمانية وليس للحزب سوى نائب واحد بالبرلمان هو السيد حسن الطاهر زروق الذي فاز باسم الجبهة المعادية للإستعمار وأن المادة (53) من الدستور تعطي الحاكم الحق في حالة عدم الاستقرار السياسي أو الإقتصادي له الحق أن يعلن الإنهيار الدستوري و يلغي إتفاقية الحكم الذاتي و عليه فأن الحزب الوطني الإتحادي يطلب من عضويته بلجنة المزارعين الوقوف ضد هذه الحركة وكان رد اللجنة أن الحركة مطلبية وليست سياسية لكنهم رفضوا هذا المنطق بإعتبار أن الحركة يقودها الحزب الشيوعي لأهداف سياسية وفي مساء 1953/12/31م إنعقد إجتماع بمنزل احد اعضاء الحزب الشيوعي بحي بانت حضره جميع أعضاء الحزب الشيوعي وتمت فيه تلاوة المذكرة على المجتمعين نقف هنا على أمل أن نلتقي في الفصل الرابع من مذكرات الشيخ عبدالرحيم أبوسنينة والتي نقف فيها على مواقف مفصلية شكلت القادم لقيادة إتحاد مزارعي مشروع الجزيرة .وذلك إن مد الله في الآجال
والله من وراء القصد وهو الهادي لسواء السبيل
المصدر: الانتباهة