سلسلة من التقارير تتناول قضايا تُركت عمداً أو سهواً بلا حل أو نهاية، وربما نهاية غير مقنعة نستها السلطات المختصة، ونسيها المواطن تختلف هذه القضايا مابين حوادث جنائية أو محاولات اغتيال لبعض الشخصيات السياسية والفنية أو مشاريع بني تحتية، أو غيرها من ملفات شغلت الرايّ العام ثم طوى الزمن سيرتها بلا وضع حد لها.
قبل ثلاث سنوات، وفي يوم الأثنين التاسع من مارس عام 2020 الثامنة صباحاً تفاجأ الشعب السوداني بإعلان فشل محاولة لاغتيال رئيس الوزراء دكتور عبد الله حمدوك، بعد حوالي ثمانية أشهر من استلامه منصب رئيس والوزراء ويوم واحد من إخلائه منصب رئيس اللجنة الاقتصادية للفريق أول محمد دقلو (حميدتي).
وقالت وسائل الإعلام الرسمية أن رئيس الوزراء دكتور عبد الله حمدوك نجا من محاولة اغتيال عند تعرَّض موكبه لهجوم بعبوة ناسفة. الهجوم وقع بالقرب من كبري كوبر من ناحية الخرطوم بحري.
وبحسب بعض الشهود سمعوا صوت انفجار أعقبه صوت إطلاق رصاص. لكن لم يصب أحد في الحادث سوى الشرطي سائق الموتر (التشريفية) نتيجة سقوطه من الموتر.
بعد ساعات من الحادثة كشف وزير الإعلام، فيصل محمد صالح عن معلومات جديدة عن الحادثة .وقال: إن موكب حمدوك تعرَّض لهجوم إرهابي صباح اليوم أثناء قدومه من منزله إلى رئاسة الوزراء.
وقال فيصل: إن الموكب تعرَّض لتفجير وإطلاق رصاص في منطقة كبري كوبر. رغم أن المعلومات الأولية للحادثة أشارت لحدوث تفجير فقط، بدون إطلاق رصاص.
عقب المحاولة كتب حمدوك تغريده على موقع تويتر قال فيها “أود أن أؤكد للشعب السوداني أنني في خير، وفي حالة جيدة، وإن الحادث لن يكون إلا بمثابة “دفعة إضافية لمسيرة التغيير في السودان”. لكن لم تتوفر معلومات عن الجهة المنفذة للهجوم.
ونقلت وكالة رويترز عن ما وصفتهم بشهود عيان إن الهجوم وقع قرب المدخل الشمالي لجسر كوبر الذي يربط الخرطوم بحري بالخرطوم حيث يقع مقر مجلس الوزراء. وأشار الشهود أن الاستهداف يبدو أنه وقع من مكان عالٍ.
من جانبها كتبت زوجة حمدوك في تغريدة على تويتر أن زوجها بخير ولم يصب بأي أذى، في حين قال التلفزيون الرسمي إن موكب رئيس الوزراء استهدف بسيارة مفخخة، رغم أن الصور الأولية للحداثة لم تظهر ما يمكن أن يكون سيارة مفخخة، بل أن حتى العربية التي أصيبت كانت إصاباتها خفيفة بصورة لافتة.
في المقابل لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحادث الذي يعتبر أول محاولة اغتيال من نوعها في تاريخ البلاد السياسي، وهو ما يعد تطوراً جديداً للأحداث في أعقاب ثورة شعبية أطاحت بحكم الرئيس عمر البشير والذي امتد لثلاثين عاماً.
أصابع الاتهام
بطبيعة الحال كان أنصار المؤتمر الوطني هم المشتبه به الأول، رغم أن بعض المحللين استبعدوا ذلك خاصة أن البلاد كانت تمر بأزمة اقتصادية خانقة خاصة في الوقود والخبز.
لكن مواقع التواصل الاجتماعي أوردت معلومات يصعب التأكد من صحتها، مثل البيان الذي نسب لجهة جديدة سمت نفسها “حركة الشباب الإسلامي السوداني- طالبان” وأعلنت مسؤوليتها عن الهجوم.
من المستفيد من الحادث؟
موقع الجزيرة.نت كتب أن هناك خمسة سيناريوهات للحادث والمستفيدين منه، أجملها في الآتي:
أولاً: عناصر النظام السابق ذات مصلحة مباشرة من هذا الحادث انتقاماً لنفسها من الحكومة الانتقالية ممثلة في رئيس وزرائها وإعادة خلط الأوراق وإرباك المشهد السياسي وزرع الخوف والفوضى في الشارع، خاصة أن هذه القوى ليس لديها ما تخسره بعد حملة التصفية الواسعة التي طالتها في أجهزة الدولة المختلفة بما فيها الجيش والقوات الأمنية، في وقت زج فيه بأغلب قياداتها في السجون بانتظار المحاكمة.
ثم حدَّدت الجزيرة المتهم الثاني بعض تيارات اليسار. وبررت ذلك
بأن بعض تيارات اليسار تتهم رئيس الوزراء بالتراخي والليونة في تعامله مع العسكر والإسلاميين، وأنه خرج عن سلطتها وصار حليفا للعسكر بدليل الاستعانة بحميدتي وتكليفه أخيرا برئاسة اللجنة الاقتصادية.
وأورد موقع الجزيرة.نت الجيش كمشتبه فيه محتمل كتخطيط على نسق السيناريو المصري بتخويف القوى المدنية وتطويعها من خلال إشاعة ثقافة الاغتيالات، ثم التدخل لاستلام السلطة بدواعي مكافحة الإرهاب وبسط هيبة الدولة.
خاصة أن الجيش أعلن وقتها عن إحباط عدد من المحاولات الانقلابية، وقبلها حدث الاشتباك الشهير بين منسوبي هيئة العمليات، الجناح العسكري لجهاز الأمن والمخابرات، وقوات الدعم السريع.
أيضاً وضعت الجزيرة.نت بعض الجهات الخارجية كجهات يمكن أن تستفيد من اغتيال حمدوك
حصرت في الإمارات والسعودية ومصر لعدم رضاهم عن بعض مواقف قوى الثورة، بحسب تحليل موقع الجزيرة.نت ولم يستبعد موقع الجزيرة.نت أن يكون الهجوم عمل فردي أو جماعة غاضبة من الحكومة وليس لها أي انتماء سياسي.
وزير الإعلام وقتها فيصل محمد صالح، قال: إن التحقيق في الحادثة بدأ، وأنهم يعلمون أن هناك من يستهدف الثورة والمكاسب التي تحققت.
وأكد أنه “سيتم التعامل بالحسم اللازم مع كل المحاولات الإرهابية والتخريبية والمُضي قدماً في تنفيذ مهام الثورة وتفكيك ركائز النظام القديم
وكان لعضو قوى الحرية والتغيير وقتها خالد عمر (سلك) تصريحاته، حيث كتب على تويتر “محاولة اغتيال الرئيس عبد الله حمدوك هي حلقة جديدة من حلقات التآمر للانقلاب على الثورة السودانية”.
وتابع “وحدة وتماسك القوى الشعبية التي أنجزت الثورة هي حائط الصد لحماية السلطة المدنية لا يجب أن يثنيا الإرهاب عن ذلك”.
من ناحيته قرر مجلس الدفاع والأمن اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز وتأمين قيادات الدولة والمواقع الاستراتيجية، ذلك عقب اجتماع طارئ، للمجلس على خلفية تعرُّض رئيس الوزراء لمحاولة اغتيال. مع ضرورة إجراء، مراجعة عاجلة لكافة التشريعات القانونية الوطنية ذات الصلة بجرائم الإرهاب في مدة أقصاها أسبوع.
المباحث الفيدرالية على الخط
مجلس الدفاع والأمن السوداني دعا الأصدقاء للمساعدة في كشف الجناة والوصول إليهم. وأعلن وزير الداخلية عن وصول فريق من هيئة المباحث الاتحادية الأمريكية (اف بي أي) للمشاركة في التحقيقات. وفعلاً وصل يوم الأربعاء 11 مارس وفد مكوَّن من ثلاثة مسؤولين أمريكين، بقيادة المارشال (بيلينقسيلي)، مساعد وزير الخزانة لشئون مكافحة تمويل الإرهاب. ورغم تصريحات وزير الداخلية بأن الوفد حضر خصيصًا للمساعدة في التحقيقات في الحادثة، لكن تصريحات المارشال الأمريكي عقب اجتماعه بوزير الدفاع السوداني لم تشر من قريب أو بعيد للمشاركة في التحقيق في محاولة الاغتيال الفاشلة. ونقلت عنه وكالة السودان للأنباء قوله إن بلاده ستساعد السودان لتجفيف مصادر تمويل الإرهاب ومكافحة غسل الأموال. كما أن بلاده ستقف مع الخرطوم لمواجهة الأزمة الاقتصادية، ودعا المكوِّنين المدني والعسكري للعمل معاً لتحقيق التحوُّل الديموقراطي.
أعتقال أجانب
بعد عدة ساعات من عملية الاغتيال، تسربت أنباء عن اعتقال عدد من المشتبه بهم بعضهم أجانب لم تحدد جنسياتهم. ونقلت وكالة الاناضول عن مصدر أمني اعتقال أجنبيين مساء نفس يوم الحادثة.
وهي معلومات أكدها النائب العام، مولانا تاج السر على الحبر، صبيحة اليوم الثاني، حيث قال إن التحقيقات مستمرة، وأوضح أن كافة الأجهزة الأمنية في حالة استنفار، في حين اعتقلت السلطات الأمنية شخصين أجنبيين على صلة بمحاولة الاغتيال.
شهادات لاحقة
الكاتب الصحفي، الرشيد طه الأفندي، كتب على صفحته في الفيس بوك أنه كان عند العاشرة صباح الاثنين 9 مارس 2020(يوم الحادثة)عند كبري كوبر، وبسبب ربكة المرور ظل بالكبري أكثر من نصف ساعة لم يسمع احد من شهود العيان يتحدث عن صوت إطلاق رصاص، وأن الوضع كان بالخرطوم (عادي) وأنه اعتبر أن خبر محاولة اغتيال حمدوك مجرَّد إشاعة.
المادة المستخدمة في التفجير
بحسب إفادة نسبت لأحد خبراء المتفجرات أن المادة المستخدمة في التفجيرة مادة (أزيد الرصاص) وأنها معروفة بإصدار صوت فرقعة كبير، لكن تأثيرها المدمر قليل وغير مؤثر وهي مادة يمكن تصنيعها بسهولة. وربما هذه الإفادة توضح لماذا أصيبت السيارة بإضرار بسيطة جداً لا ترقى لتفجير باستخدام سيارة مفخخة، حيث من العادة استخدام كميات كبيرة من المتفجرات عالية التأثير مثل ألواح تي ان تي.
أين وصلت التحقيقات؟
ظللت لفترة أبحث في عدة جهات عن إجابة لهذا السؤال، أين وصلت التحقيقات؟ وماهو مصير الأجنبيين الذين اعتقلوا مساء نفس اليوم للاشتباه بعلاقتهم به؟ لكن لم أجد إجابة من أي مصدر رسمي. سألت أحد ضباط الشرطة المتقاعدين حديثاً، عن مصير التحقيق في محاولة اغتيال حمدوك، أجاب أن السؤال مفروض أن يكون (هل فعلاً تم فتح بلاغ في الحادثة؟)
الخميس أول أمس (9 مارس 2023) تكون مضت ثلاث سنوات، على محاولة اغتيال رئيس الوزراء دكتور عبد الله حمدوك، بدون أن تكشف الجهات المختصة نتيجة التحقيق، ورغم السمعة المهنية العالية للمباحث المركزية في كشف تفاصيل وخبايا أي عمل جنائي، لكن ظلت هذه الحادثة بلا مصير واضح، فلا التحقيقات كشفت عن الجناة، ولا الجهات المختصة أعلنت تقييد البلاغ ضد مجهول… لكن البعض يقول إن نتيجة التحقيقات توصلت إلى أن الأمر ليس به محاولة اغتيال.
في الحلقة القادمة
الذكرى الرابعة لفض الاعتصام…لا زال التحقيق جارياً.
تقرير: علي ميرغني
المصدر: التيار