مواضيع بارزة

تقارير تشرح تفاصيل الخلاف بين البرهان وحميدتي

تشهد العملية السياسية في السودان، تعثراً ملموساً وتحديات جديدة تعترض مسارها إثر تصاعد وتيرة الخلافات بين رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ونائبه قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ “حميدتي“.

تأتي هذه الخلافات على الرغم من أن العملية السياسية التي ترعاها الآلية الثلاثية التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة “إيقاد”، شارفت على الانتهاء ومن المفترض أن يبدأ تشكيل مؤسسات السلطة الانتقالية استناداً إلى الاتفاق الإطاري المبرم في 5 ديسمبر الماضي.

لكن المكون العسكري لم يستطع الحفاظ على تماسكه أمام أحزاب وجماعات مدنية تحالفت على قاعدة الاتفاق الإطاري بعد أن بلغت الخلافات ذروتها نظراً لوجود تباين ملحوظ بين موقفي الجيش وقوات الدعم السريع في بعض القضايا الأساسية على الساحة السياسية.

وبعد أن كانت العملية السياسية متوقفة على تقارب وجهات نظر القوى المدنية أصبح الوضع الآن في حاجة إلى توافق بين المكونات العسكرية في أعقاب اشتراط البرهان دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة مقابل المضي في الاتفاق الإطاري، وهي عملية طويلة ومعقدة ربما تقود إلى مزيد من التعطيل لمسار الحل السياسي للأزمة، وفق محللين.

وينص الاتفاق الإطاري المبرم بين المكون العسكري في المجلس السيادي وقوى سياسية مدنية على أن يكون البرهان قائداً للقوات المسلحة، فيما يبقى حميدتي قائداً لقوات الدعم السريع.

وينتظر أن تقود الوثيقة إلى خروج المؤسسة العسكرية كلياً من الحياة السياسية وتشكيل حكومة مدنية تدير البلاد خلال فترة انتقال مدتها عامين.

أسباب الخلافات بين البرهان وحميدتي

1. ملف الدمج:
يعتبر دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة، إحدى نقاط الخلاف الأساسية حالياً، بسبب وجهات النظر المتباينة بين الطرفين بشأن الدمج.

مصادر متطابقة من الجيش ذكرت لـ”الشرق”، أن إحدى القضايا الخلافية تتمثل في تردد قيادة قوات الدعم السريع في دمجها بالقوات المسلحة.

وقالت المصادر إن اجتماع هيئة قيادة الجيش الذي عقد في يناير، انتهى إلى ضرورة دمج قوات الدعم السريع وإصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية، وكلف الاجتماع كلاً من الجيش والمخابرات العامة والشرطة، بإعداد وتقديم رؤيتها بشأن إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية.

وأضافت المصادر أن الاجتماع أوصى بتشكيل لجان من ضباط برتبتي فريق ولواء لإعداد دراسة إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية.

ولم تتلق “الشرق” حتى الآن، رداً من قوات الدعم السريع على طلب للتعليق بشأن الخلافات بين الجانبين.

2. الاتفاق الإطاري:
المصادر ذكرت أن الاتفاق الإطاري أعطى الدعم السريع استقلالية عن القوات المسلحة على أن يكون البرهان قائداً للقوات المسلحة وحميدتي قائداً للدعم السريع، وأن يخضع كلاهما للرئيس المدني الذي سيعين بمقتضى الاتفاق الإطاري، وهو ما يرفضه الجيش وعضوا المكون العسكري في مجلس السيادة الفريق أول شمس الدين كباشي، والفريق أول ياسر العطا، بالإضافة إلى رئيس هيئة الأركان الفريق أول محمد عثمان الحسين.

وأشارت المصادر إلى سبب آخر للخلاف في سياق الاتفاق الإطاري، إذ يتمسك قائد قوات الدعم السريع بتشكيل حكومة مدنية بمشاركة قوى مدنية محدودة، فيما يتمسك الجيش بتشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة وتوافق وطني كبير.

3. الملفات الخارجية:
مثلت إدارة الملفات الخارجية ولا تزال تحدياً كبيراً للجانبين، بحسب المصادر العسكرية التي أوضحت أن أبرز القضايا الخلافية في هذا الملف تتمثل في العلاقات بين السودان وإسرائيل وروسيا إلى جانب العلاقات مع الدول المجاورة.

ويتهم الجيش، حميدتي، بالسعي لخلق علاقات دبلوماسية موازية للدولة، ودلل على ذلك بزياراته إلى عدد من الدول التي يزورها البرهان ما يعطي إيحاءً بأن هناك قائدين للبلاد.

وبشأن العلاقة بين الخرطوم وتل أبيب، ذكرت مصادر دبلوماسية لـ”الشرق”، أن هناك تنافساً بين الرجلين من أجل فتح قنوات اتصال بين البلدين، إذ يسعى حميدتي لتأسيس علاقة مع جهاز “الموساد” وهو ما دفع البرهان وحمدوك للاحتجاج لدى الجانب الإسرائيلي في وقت سابق.

ولاحقاً قرر البرهان تسليم ملف العلاقات مع إسرائيل إلى اللواء متقاعد مبارك عبد الله بابكر في أبريل 2022، لتوحيد قنوات الاتصال بين البلدين، وهي خطوة كانت تهدف لوضع العلاقة في إطارها الصحيح بحسب عسكريين تحدثوا لـ”الشرق”، وقد نجح الأخير في ذلك، إذ أعلن حميدتي عدم علمه بزيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين إلى الخرطوم، مطلع فبراير الماضي، وأنه لم يلتق به أو الوفد المرافق له.

4. الصراع الغربي الروسي:

أفادت مصادر لـ”الشرق” بأن خلافاً نشب بين البرهان وحميدتي بشأن العلاقة مع روسيا باعتبار أنها تؤثر بشكل مباشر على علاقة الخرطوم مع واشنطن.

وفي فبراير 2022 قام حميدتي بزيارة مثيرة للجدل إلى العاصمة الروسية موسكو التقى خلالها الرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرجي لافروف، وهي الزيارة التي تزامنت مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا ما أثار تساؤلات بشأن الهدف منها.

وأثارت الزيارة حفيظة الجانب الأميركي وحينها كشفت مصادر، أن القائمة بأعمال السفارة الأميركية في الخرطوم، لوسي تاملين، عقدت اجتماعاً مع البرهان وعدد من أعضاء المكون العسكري، استفسرت خلاله عن سبب زيارة حميدتي إلى روسيا.
وتلقت الدبلوماسية الأميركية رداً من البرهان بأن حميدتي زار موسكو بصفته قائداً لقوات الدعم السريع وليس بصفته نائباً لرئيس مجلس السيادة.

5. العلاقات مع دول الجوار:
قالت المصادر لـ”الشرق” إن أحد أكثر الخلافات تعقيداً في هذا الملف هو علاقة حميدتي بعدد من الدول المجاورة، لأنه يدير شراكات اقتصادية واستثمارات في عدد من الدول الإفريقية أبرزها إثيوبيا وإفريقيا الوسطي.

وأشارت المصادر إلى الخلاف بين الرجلين بشأن العلاقة مع إثيوبيا، إذ رفض حميدتي مشاركة قواته في العمليات العسكرية التي شنها الجيش السوداني على مجموعات إثيوبية مسلحة كانت متمركزة في أراضٍ سودانية محاذية للحدود المعترف بها دولياً منتصف عام 2021.

وقالت مصادر عسكرية لـ”الشرق”، إن البرهان وحميدتي لديهما وجهات نظر متباينة بشأن التعاطي مع الدول المجاورة لغرب السودان، خاصة تشاد وإفريقيا الوسطى، في ظل أنهما يقعان في دائرة صراعات النفوذ الإقليمية بين دول غربية وروسيا.

وصدرت عن الجنرالين خلال الفترة الماضية، تصريحات متباينة بشأن هذا الأمر، إذ أشار حميدتي إلى وجود قوات سودانية تحاول تغيير النظام في إفريقيا الوسطى، فسارع البرهان إلى نفي التهمة وقال إن الخرطوم لا ترسل مليشيات لزعزعة الأمن والاستقرار في دول الجوار.
ووصل الخلاف بين البرهان وحميدتي إلى رفض الأول نشر قوات الدعم السريع على الحدود مع إفريقيا الوسطى، وهو الموقف الذي دعمه رئيس المجلس الانتقالي في تشاد محمد ديبي، وأبدى عدم ارتياحه لنشاط قوات الدعم السريع على حدود البلدين وفي هذه المنطقة الحساسة أمنياً.

مستقبل الخلاف بين البرهان وحميدتي

وإزاء تصاعد الخلاف بين طرفي المكون العسكري سعت أطراف في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير إلى الوساطة لتلافي أي مواجهة أو صدام قد يقود البلاد الى كارثة.
لكن مصادر أشارت لـ”الشرق”، إلى أن البرهان رفض الوساطة، وأكد عدم وجود خلاف بينه ونائبه.
الخبير العسكري الدكتور أمين اسماعيل مجذوب، يرى أن حميدتي بدا مسانداً لروسيا في الساحل الإفريقي وتشاد وإفريقيا الوسطى، بينما يؤيد البرهان الموقف “الأميركي الأوروبي الخليجي” المناهض لخطة موسكو التوسعية في القارة السمراء.
وقال القيادي بقوى الحرية والتغيير شهاب ابراهيم لـ”الشرق”، إن “الحرية والتغيير تعمل على تحمل مسؤوليتها، في إزالة التباين بين الأطراف العسكرية في العديد من القضايا الخلافية”.

واعتبر مجذوب، أن الخلاف بين البرهان وحميدتي، يتعلق بالمستقبل السياسي بشأن من سيبقى ومن سيذهب، فكل واحد منهما يعد العدة لما بعد المرحلة الانتقالية أي الانتخابات المقبلة، لكنه يستبعد تحول الصراع إلى حرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، معتبراً أن ما يحدث “خلاف على مستوى القادة ولم يصل إلى قواعد القوات المسلحة والدعم والسريع”.

وأضاف أن “هذه الخلافات تمثل تحولاً كبيراً في الساحة السياسية العسكرية، وإرباكاً جديداً للاتفاق الإطاري، وأصبحت فرص الالتحاق به من أي طرف مدني منعدمة، وصار تحت رحمة صراع بين القادة العسكريين حول من يذهب ومن يبقى”.

مخاوف قائمة

ورغم استبعاد تطور الخلافات إلى حرب بين الجيش والدعم السريع، إلا أن الخبير العسكري الفريق متقاعد خليل محمد الصادق حذر من إمكانية “حدوث صدام مسلح بين الطرفين ما لم تحدث تدخلات عاجلة وإيجاد مخرج من هذا النفق، فالخلاف جوهري وكبير وليس مجرد أمور عابرة”.

وقال لـ”الشرق” إن جوهر الخلاف حالياً هو ملف الإصلاح الأمني والعسكري، فلم يتحرك البرهان ويطلب دمج الدعم السريع إلا بعد بروز أصوات من بينها حميدتي نفسه تنادي بهيكلة الجيش فهذا أمر خطير يستدعي التوقف عنده.

وأضاف الصادق: “الدمج عملية طويلة ومعقدة بحاجة إلى وقت واتفاق على ترتيبات محددة بشأن التسليح والعتاد وإعادة التدريب والرتب العسكرية وغيرها، وفي تقديري أن قيادة القوات المسلحة تريد حسم الملف في هذه المرحلة بالتحديد لأن تأجيل القضية ربما يقود المؤسسة العسكرية الوطنية إلى فخ كبير قد يهدد هذا الكيان الوطني الكبير، فلا بد من إنهاء الوضعية شبه المستقلة لقوات الدعم السريع”.
ومع تباين وجهات نظر الخبراء إزاء الخلافات، تبقى السينارهات مفتوحة بشأن مستقبل هذا الصراع الذي ترتفع وتيرته يوماً بعد يوم.

باج نيوز

تعليقات الفيسبوك

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى