علمت “العربي الجديد” أن جولة مفاوضات “فنية” جديدة بشأن أزمة سد النهضة الإثيوبي جرت في العاصمة الإماراتية أبوظبي، على مدار يومي الأربعاء والخميس الماضيين، بمشاركة خبراء من الدول الثلاث المعنية بالأزمة، مصر والسودان وإثيوبيا. وفيما لم تسفر هذه المفاوضات عن أي جديد بحسب المصادر، أكد مصدر مصري أن القاهرة تستعد للتوجه إلى مجلس الأمن الدولي مجدداً بقضية السد.
أزمة سد النهضة: جولة مفاوضات مثل سابقاتها
وقالت مصادر “فنية” سودانية ومصرية إن “جولة المفاوضات، التي جاءت بوساطة إماراتية، كانت مثل سابقاتها من الجولات التي لم تسفر عن أي جديد”، مشيرة إلى أن الجانب الإثيوبي عرض معلومات بشأن عملية الملء الرابع المقرر لها أن تبدأ في موسم الفيضان المقبل، أي في شهر يوليو/تموز 2023.
ولفتت المصادر إلى أن الوفد الإثيوبي الذي شارك في الاجتماعات لم يطرح أي مواقف جديدة لبلاده، رغم الضغوط التي تمارسها القاهرة على الوسطاء الدوليين من أجل إحياء المفاوضات السياسية الخاصة بأزمة السد، والاتصالات التي تقوم بها أبوظبي بين الأطراف الثلاثة.
وأوضحت المصادر أن أديس أبابا “تحاول جاهدة استمالة موقف الخرطوم في أزمة سد النهضة، من أجل الفصل بين الموقفين المصري والسوداني، وذلك في ظلّ قناعات لدى أطراف فاعلة في السودان باختلاف الأهداف بالنسبة لبلدهم عن مصر”.
في هذا الإطار، قال مصدر مصري مطلع على المفاوضات بين الدول الثلاث لـ”العربي الجديد”، مفضلاً عدم ذكر اسمه، إن القاهرة “تدرك جيداً حجم المحاولات التي تقوم بها أديس أبابا لتغيير الموقف السوداني وفصله عن الموقف المصري، عبر عرض مجموعة من التسهيلات التي تخاطب المخاوف السودانية”.
وأشار المصدر إلى أن أديس أبابا “عرضت معلومات مفصّلة على الخرطوم بشأن عملية الملء الرابع، بحيث تتمكن الأخيرة من الاستعداد الجيد لعملية الملء بالشكل الذي يجنبها أي مخاطر أو تداعيات سلبية”، لافتاً إلى أن الخرطوم من جانبها “تلقت الخطوة الإثيوبية بالترحاب، من دون التمسك بربطها باتفاق قانوني ملزم، وهو المطلب الذي تتمسك به مصر”.
وأوضح المصدر أن عملية الملء الرابع “ربما تكون الأخطر من حيث التداعيات السلبية المتوقعة من ورائها، حيث تسعى أديس أبابا للوصول إلى مخزون مياه خلف السد، خلالها، يصل إلى نحو 30 مليار متر مكعب”.
وكشفت صورة حديثة التقطتها الأقمار الصناعية استعدادات إثيوبيا للملء الرابع، وأوضحت أن إثيوبيا افتتحت قبل يومين البوابة الغربية للسد، وتركت البوابة الشرقية لتصريف نحو 50 مليون متر مكعب من المياه.
وبحسب المصدر المصري، فإن “المحاولات الإثيوبية للفصل بين الموقفين المصري والسوداني تأتي في الوقت الذي تستعد فيه القاهرة لطرق أبواب مجلس الأمن الدولي مجدداً، في ظل تعنت إثيوبيا بشأن العودة إلى المفاوضات”، موضحاً في هذا الصدد أن القاهرة “لا يمكنها الإقدام على تلك الخطوة من دون توافق مع الخرطوم بشأنها”.
وأشار المصدر إلى أن الموقف السوداني “غير واضح تماماً في الفترة الراهنة”، معتبراً في الوقت ذاته أن “المؤشرات الواردة من الخرطوم تميل إلى التنسيق مع أديس أبابا في تلك المرحلة”. ولفت إلى أن الخرطوم “لم تبد موقفاً صريحاً حتى الآن بشأن عدم التنسيق مع القاهرة”.
لا يمكن للقاهرة التوجه إلى مجلس الأمن مجدداً بقضية السدّ من دون توافق مع الخرطوم
ويثير السودان مخاوف من مخاطر تترتب على عدم التنسيق وتبادل المعلومات والتأثيرات السلبية على سد الروصيرص، الذي يبعد كيلومترات قليلة عن سد النهضة، ما يشكل تهديداً للتشغيل الآمن للسدود السودانية.
ويشدد الجانب السوداني على أن هناك معلومات لا بد أن توفرها إثيوبيا، مشيراً إلى أن غياب التنسيق “يؤثر سلباً على التوليد المائي من سد الروصيرص وخزان مروى”.
أزمة السدّ بين “الحلّ الأفريقي” ومجلس الأمن
وكان آخر تحرك مصري تجاه مجلس الأمن عبارة عن خطاب موجه من وزير الري المصري السابق محمد عبد العاطي في أغسطس/آب الماضي، حذرت فيه القاهرة من “وجود شقوق تمتد في الواجهة الخرسانية للسد الفرعي المرتبط بسد النهضة الإثيوبي”، مؤكدة أن هذا الأمر “مثير للجزع بشكل خاص بسبب فشل إثيوبيا في الامتثال لواجب إجراء دراسات الأثر البيئي والاجتماعي والاقتصادي المطلوبة”.
واعتمد مجلس الأمن الدولي، في 15 سبتمبر/أيلول 2021، بياناً رئاسياً، دعا فيه أطراف الأزمة إلى استئناف المفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي.
وأكد مساعد وزير الخارجية المصري السابق، السفير حسين هريدي، أن توجه القاهرة في الوقت الحالي إلى مجلس الأمن الدولي، بخصوص أزمة سد النهضة الإثيوبي، “غير مطلوب”، لا سيما في ظل الحرب الروسية الأوكرانية.
ورأى هريدي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه “لا داعي الآن للتوجه إلى مجلس الأمن، والأفضل هو التركيز على ما يسمى بـ(الحل الأفريقي)، مع الأخذ في الاعتبار أن العالم بأسره منشغل بالحرب في أوكرانيا”.
وبشأن الخيارات المتاحة أمام مصر لضمان عدم الإضرار بحقوقها المائية، قال هريدي إن مصر “ملتزمة بنهج التفاوض من أجل التسوية السلمية للنزاعات بين الدول، وبالتالي فهي تريد حل المشكلة سلمياً”.
وفي هذا السياق، أكد أستاذ القانون الدولي العام أيمن سلامة أن “أي قرار أو بيان يصدر عن مجلس الأمن من دون الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ليس في صالح مصر والسودان”.
واعتبر سلامة، في تصريحات لـ”العربي الجديد”، أنه “لكي يصبح قرار مجلس الأمن الدولي إلزامياً إنفاذياً، يجب أن يصدر تأسيساً على الفصل السابع من ميثاق منظم الأمم المتحدة، وليس توصية”. وأوضح أن “البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن يجب أن يصدر بإجماع كافة الدول الـ15، ويعد وثيقة رسمية للمجلس ويحفظ في الأرشيف الرسمي لمجلس الأمن، ويمكن أن يعول عليه مستقبلاً عند تناول المجلس ذات النزاع أو الموقف المهدد للسلم والأمن الدوليين”.
وأضاف عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية أن “هناك فرقاً بين البيانات الرئاسية والبيانات الإعلامية، والأخيرة لا تحوز إلزامية إنفاذية مقارنة بالقرارات التي تصدر عن مجلس الأمن تأسيساً على الفصل السابع من ميثاق منظمة الأمم المتحدة، أما في حال تأسيس قرار مجلس الأمن على الفصل السادس، فهذه القرارات ليست إلزامية إنفاذية”.
العربي الجديد