الاقتصاد

بعد القفزة الكبيرة للدولار مقابل الجنيه.. أين يكمن الخلل ؟

تفاقمت الأزمة الاقتصادية بالبلاد مؤخراً  بشكل مريع ، ويشير الجهاز المركزي للإحصاء إلى أن معدل التضخم السنوي انخفض إلى 83 ٪ ولكن نسب التضخم لا تزال عند مستويات هي الأعلى في العالم حالة  ونجد أن حالة عدم الاستقرار السياسي التي تعيشها البلاد فاقمت الوضع الاقتصادي المتردي وأدت إلى ارتفاع حدة الفقر ، وبحسب  مفوضية الأمان الاجتماعي والتكافل وخفض الفقر فقد وصلت حدة الفقر فى السودان إلى حوالي 65 ٪ ،  نتيجة ارتفاع أسعار  السلع الأساسية والخدمات.
نتيجة غياب الرؤى الإستراتيجية المتعلقة بالاقتصاد والتنمية، فضلاً عن غياب العمل على وجود صناعات تساهم في ارتفاع مستوى الدخل.
وشهدت  العملة المحلية  تراجعاً مستمراً  مع ارتفاع كبير لأسعار العملات الأجنبية، وأرجع تجار بالسوق السوداء   في حديثهم لـ (الإنتباهة) أسباب تصاعد العملات الأجنبية إلى اتجاه المواطنين إلى بيع مدخراتهم والسفر إلى خارج السودان نتيجة الأزمة  الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها البلاد ، الأمر الذي أدى إلى أحداث  نشاط كبير في  السوق السوداء وزيادة الطلب على الدولار ، إلى جانب اتجاه التجار في هذا التوقيت إلى استيراد مستلزمات شهر رمضان المعظم،  حيث قفز سعر الدولار بالسوق السوداء إلى 603 جنيهات للشراء و605 جنيهات للبيع، بينما ارتفع سعر الريال السعودي إلى 158 جنيهاً للشراء و160 جنيهاً للبيع، بينما سجل سعر الجنيه المصري 20 جنيهاً للشراء و21 جنيهاً للبيع.

جهات مجهولة :

وفي غضون ذلك قال مدير إدارة التسويق بالبنك الفرنسي طارق شدو ان سبب القفزة الكبيرة التي حدثت للدولار مؤخراً  سببها أن   الشرائح  المجهولة  غير المدرجة في بنك السودان المركزي بدأت تعمل على شراء الدولار من السوق السوداء  عقب بيع أصولهم  وتحويل قيمتها إلى دولار بغرض الهجرة إلى الخارج ، وأكد في حديثه لـ (الإنتباهة) أن من يشتري الدولار هذه الأيام من السوق لا يهمه حال انخفض أو ارتفع السعر، مشيراً إلى أن هذه الشريحة مستعدة إلى شراء الدولار بأي سعر حتى ولو وصل سعر الدولار الواحد إلى 650 جنيهاً ، ونبه الى أنه حال كانت هذه الجهة تريد الاستيراد كانت من الأجدى أن تقدم طلبا للبنوك لتحصل على ماتريد من عملات  بيد أن بنك السودان ملتزم بتوفير الموارد  إلى كافة الجهات المستوردة  بسعر أقل من السوق السوداء ومع ذلك نجد أن الإقبال في عملية شراء العملات الأجنبية بالسوق أكثر من البنك.

فقدان الثقة  :
وفي ذات السياق أشار موظف ببنك فيصل محمود عيسى إلى أن سبب القفزة الكبيرة التي حدثت للدولار سببها الهلع الذي أصاب المواطنين مؤخراً نتيجة  الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسبة التضخم نتيجة توقف عملية الإنتاج  ، وأوضح في حديثه لـ (الإنتباهة) أن المواطن يحاول تفادي حدوث عملية  التآكل  للعملة المحلية  لذلك يقوم بشراء وتخزين العملات الصعبة، مشيراً إلى أن الدولار أصبح سلعة وتسمى هذه الحالة (الدولارية) أي أن الدولار أصبح مخزناً للقيمة حاله حال الذهب  مايحدث الآن هو قانون العرض والطلب ، ونبه إلى أن المواطن أصبح حريصاً على تخزين العملات لجهة أن أرباح البنوك أصبحت ضعيفة للودائع الاستثمارية وذلك بسبب انعدام العمل بالبنوك خلال العامين الماضيين  بيد أن الأرباح كانت دون المتوقع ، و هذا الأمر أصاب العملاء الإحباط لذلك اتجهوا إلى شراء العملات الأجنبية ، موضحاً أن أرباح  الودائع الثابتة أو  المقيدة   بالبنوك  تتراوح مابين 17 إلى 18 ٪ ، إلا أن معظم العملاء في السودان لا يستطيعون تجميد حساباتهم إلى فترة العام حسب شروط البنوك لذلك  يقومون بتحريك حساباتهم  لتصبح وديعة (مطلقة) مما  قد يؤدي إلى تراجع نسبة الأرباح من 18 ٪ إلى 10 ٪   مشيراً إلى أن بعض البنوك أحياناً تعلن عن أرباح بنسب غير حقيقية لجهة أن الحساب متحرك وهذا الأمر  خطير  لجهة أن العميل عندما يكتشف أن النسبة التي أعلن  عنها  البنك غير حقيقية يفقد الثقة في النظام المصرفي ويسحب الودائع ومن ثم يتجه إلى  التعامل مع السوق السوداء  بشراء الدولار وبذلك يكون قد ضمن الفائدة و تكون الفائدة أكبر من فائدة البنك ، واشترط عدم لجوء العملاء للسوق السوداء حال إيفاء البنوك بوعودها لهم ، وعمل سياسات تشجيعية للعملاء .

عدم اليقين :

وفي المقابل لفت المدير العام لبنك تنمية الصادرات السابق عمر سيد أحمد إلى أن سبب ارتفاع الدولار يعود إلى قانون العرض  والطلب  ، وأشار في حديثه لـ( الإنتباهة) الى أن السبب الذي يغير الطلب عليه هي  الحكومة التي تعتبر أكبر مشتر للعملة  وهي التي تغير السعر   وعندما تدخل في شراء أية سلعة مثل احتياجات رمضان مثلاً  يكون الطلب مرتفعاً على العملة إلى جانب  حالة  عدم اليقين  بالاستقرار السياسي  التي تخلق هلعاً في السوق  لذلك يتجه المواطن إلى تحويل العملة المحلية  فضلاً عن أنه في فترة من الفترات خاصة عقب انقلاب 25 أكتوبر  اتجه المواطنون لبيع مدخراتهم و الهجرة إلى الخارج  وقد نشطت الهجرة مؤخراً إلى تركيا ومصر وغيرهما من الدول وهذا يزيد من نسبة الطلب على الدولار بالرغم من أن حالة الفقر التي سيطرت على المواطنين في الفترة الأخيرة  إلى جانب  إدارة الدولة من قبل الطفيلية  مع توقف عملية الإنتاج، وأضاف : لا توجد جهة توضح سبب قفزة الدولار لجهة أن الدولار يرتفع لأسباب عديدة .

تدمير الاقتصاد :
وفي ذات الأثناء  أبان الخبير المصرفي إبراهيم اونور أن سبب ارتفاع الدولار يعود إلى إجراءات وزير المالية جبريل إبراهيم القاضية بزيادة رسوم جمارك الواردات ورفع الدعم عن السلع والخدمات لها أثر كبير في زيادة سعر الدولار نتيجة ارتفاع تكلفة البضائع إلى جانب تراجع سعر الجنيه المصري لجهة ان المصريين يقومون بشراء الدولار من السوق السوداء  بالسودان وجلب بضائعهم  ، وقطع أونور في حديثه لـ (الإنتباهة) أن المصريين متمددون بشكل كبير في الاقتصاد السوداني وذلك بوجودهم وسيطرتهم  في الشركات والمؤسسات وعملهم كسماسرة ، وجزم بأنه حال لم تنتبه لهم الدولة سيعملون على تدمير الاقتصاد السوداني  وذلك بشرائهم للبضائع السودانية بالجنيه السوداني وجلب بضائع  القيمة لها بالدولار ، لذلك العلاقة بين الجنيه السوداني والمصري أصبحت قوية وكلما حدث تراجع في الجنيه المصري يحدث تراجع تلقائي للجنيه السوداني  وهذا الأمر لا يجب أن يحدث لذلك ارتفاع سعر الدولار بالنسبة لهم  لا يؤثر ومهما ارتفع سعره في السودان يستفيدون من قيمته في مصر  ، وأردف : لا يوجد سبب اقتصادي واضح لارتفاع سعر الدولار  ،   ونبه إلى أن بيع بعض المواطنين أصولهم ومدخراتهم بغرض الهجرة  قد يؤدي الى ارتفاع سعر الدولار .

هشاشة السوق  :
ويرى الخبير الاقتصادي عبدالعظيم المهل أن أهم الأسباب التي أدت إلى ارتفاع سعر الدولار بهذا الشكل الخلافات والاضطربات السياسية، فضلاً عن تخوف المواطنين من المستقبل القاتم  والإرهاصات  والمراجعة بين الجيش والدعم السريع  علاوةً على تأخر  الحكومة وعدم إعلانها  والماضي في اتجاه إقصاء  المنتمين إلى المؤتمر الوطني  من الساحة السياسية وهذا يعود بنا إلى بداية فترة قوى الحرية والتغيير  بيد أن وقتها ارتفعت الأسعار واختفت بعض السلع مع حدوث أزمة في السلع الأساسية مثل الدقيق والوقود وغيرهما  وقد تحدث ندرة في السلع أو تختفي   ونتيجة هذه الأسباب  يعملون على تحويل أموالهم إلى الخارج عقب تحويلها إلى دولار لذلك أصبحت الطلبات على العملات كثيرة وأوضح في حديثه لـ (الإنتباهة) أن السوق  أصبح هشاً  أي أن أي طلبية زائدة تؤدي إلى رفع سعر العملات الأجنبية بالسوق السوداء ،  وتابع : إلى جانب عدم سيطرة  بنك السودان المركزي على السوق وكان من المفترض على بنك السودان أن يتدخل كبائع أو مشتر  وعدم تدخله في تركيز السعر  حدث لأسباب مختلفة أما أن يكون بنك السودان لا يملك الاحتياطي الكافي أو لأسباب سياسية أدت إلى عدم رغبته في تركيز السعر  مما أدى إلى ارتفاع سعره وقال مؤخراً ظهرت طلبات كثيرة من قبل التجار على الدولار وغير معلوم الأشياء التي يرنون إلى استيرادها ويفترض أن الطلب يزيد ببداية الموسم الزراعي  بغرض توفير مدخلات الإنتاج مما يزيد سعر الدولار ، إضافةً إلى أنه ببداية العام الشركات الكبرى خاصة شركات الاتصالات وبعض الشركات الأخرى تقوم بعمل موازناتها وتوضح أرباحها لتدخل السوق بعد ذلك لشراء الدولار بغرض تحويل  أرباحها للمساهمين في الخارج.
تدهور العملة :
وأبان الخبير الاقتصادي محمد الناير أن  ارتفاع سعر الدولار وانخفاض قيمة العملة الوطنية بعد أن استقرت لفترة وصلت إلى ستة أشهر  ناتجة عن أن السياسات التي اتبعت لتحقيق الاستقرار لم تكن سياسات كلية أو جيدة لتحقيق استقرار مستدام باعتبار أن السياسات التي انتهت هي سياسة أدت إلى رفع الرسوم والضرائب والجمارك والدولار الجمركي بصورة غير مسبوقة وهذا من جهة يقلل الطلب على الدولار باعتباره يؤثر إيجاباَ في حدوث استقرار في سعر الصرف ولكن بالمقابل يؤثر على الإيرادات العامة للدولة وبالتالي قد حدث نوع من الكساد في السوق الى جانب حدوث توقف شبه تام لحركة النشاط التجاري في البلاد وهذا الأمر له انعكاسات سالبة بالتأكيد إذا فتح باب الاستيراد كما كان الوضع عليه قبل هذه السياسات بشكلها الكامل سيكون هناك طلب جديد على الدولار وبالتالي يؤدي إلى تراجع قيمة العملة الوطنية مرةً أخرى ، وقال في حديثه لـ (الإنتباهة) بدأ للأسف السوق الموازي يطل برأسه من جديد ، ودعا الدولة لاستخدام كل الآليات والسياسات اللازمة لمنع عودة السوق الموازي من جديد حتى لا يكون هناك أثر مباشر  لجهة أن قضية تعدد أسعار سعر الصرف في السابق كانت تحدث مشكلة كبيرة والفرق بين السعرين في السوق الرسمي في المصارف والسوق الموازي كبير وبالتالي معظم المبالغ كانت تحول عبر الموازي وهذا الأمر له أثر كبير وسالب على الاقتصاد، وتابع : نأمل أن تدرك الدولة خطورة هذا الأمر إذ ما حدث اتساع للفجوة بين سعر المصارف الرسمي وسعر السوق الموازي هذا  من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من تدهور قيمة العملة الوطنية وعلى بنك السودان المركزي تدبير أمره وأن يعمل على تسهيل انسياب تدفقات النقد الأجنبي وتلبية متطلبات الاستيراد عبر المصارف بصورة أساسية.

المصدر: الانتباهة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى