خبراء ومختصون، استنكروا الزيادات الجمركية التي فرضتها الحكومة، مؤخراً على أكثر من (١٥٠) سلعة بالبلاد، واعتبروها هدفت لزيادة دخل الحكومة في موازنة ٢٠٢٣م، موضحين أن زيادة الرسوم الجمركية لزيادة الإيرادات، “سلبية جدا”، توقف الصناعة والتجارة وجلب مدخلات الإنتاج، وأن قطاع الاستيراد سيتراجع، ثم حرمان المواطنين من استهلاك السلع التي يرغبونها.. وأن النظام الاقتصادي لن يستطيع النمو، محذرين من الآثار الاقتصادية والاجتماعية لهذه السياسات، وانعكاساتها سلباً على انتشار العطالة والتفلتات الأمنية والجرائم، وحدوث تغيير في عادات المواطنين، ويضطر البعض للتخلق بأخلاق جديدة، ويكون أغلبها مجافياً للأخلاق السودانية السمحة.
الخرطوم: ابتهاج متوكل
زيادة الرسوم الجمركية (سلبية جداً)
وقال الخبير في السياسات الاقتصادية، د. عيسى ترتيب شاطر، لـ(السوداني) إن القيود الجمركية تفرض لأسباب محددة، أبرزها حماية الإنتاج المحلي (الزراعي والصناعي) من السلع الأجنبية المماثلة، بغرض تنمية الصناعة، كذلك عمل حظر غير مباشر للسلع، للمحافظة على النقد الأجنبي بالبلاد، حتى لا يقدر في سلع كمالية ثم في حالة عجز الموازنة، لابد للحكومة من البحث عن موارد داخلية وخارجية لدعم الموازنة، عن طريق عائدات الصادر وتحويلات المغتربين، والمنح والقروض والهبات والاستثمار المباشر، وأضاف: “الوضع الراهن بالبلاد يعكس وجود حصار غير منظور من قبل مؤسسات التمويل الإقليمية والدولية، مما جعل الجهات المختصة تلجأ لزيادة الضرائب والجمارك والرسوم والجبايات”.
واعتبر شاطر أن زيادة الرسوم الجمركية لزيادة الإيرادات، “سلبية جدا”، توقف الصناعة والتجارة وجلب مدخلات الإنتاج خلال المدى المتوسط، ومع مرور الزمن ستتوقف نهائياً، ويتأثر الإنتاج الزراعي ويكون خالياً من التقانات والتكنولوجيا الحديثة، كذلك قطاع الاستيراد سيتراجع، الى جانب حرمان المواطن استهلاك السلع التي يرغبونها، وأن النظام الاقتصادي لن يحقق التنمية والرفاهية للمواطنين.
ونوه شاطر إلى أن المواطن السوداني يعاني اقتصادياً واجتماعياً، والاقتصاد يواجه انكماشاً، والناتج المحلي ودخول الأفراد تتراجع، بسبب السياسات الراهنة المغلقة، وزاد أن الشأن السياسات انعكس على الأوضاع الاقتصادية، وجعل المواطنين يواجهون معاناة حقيقية، وحرموا من الرفاهية في حياتهم.
سيناريو اقتصادي واجتماعي مرتقب
ويرى الخبير الاقتصادي، د. حسين القوني، أن زيادة التعريفة الجمركية لعدد من السلع، هدفت لزيادة دخل الحكومة في موازنة ٢٠٢٣م، وقال لـ(السوداني) إن الجمارك صارت قيمتها عالية بعد قرار إلغاء الدولار الجمركي وتحرير سعر الصرف، وزاد قرار زيادة الجمارك نظرياً يؤدي لزيادة دخل الحكومة، ولكن عمليا الزيادة الجديدة إضافة للسياسات المتبعة، لا أظنها تزيد من دخل الحكومة، إنما سيقل، وأضاف: يلاحظ خلال الفترة الماضية عقب تحرير إلغاء الدولار الجمركي، تقلصت الإيرادات بسبب الإحجام عن الاستيراد، نتيجة ارتفاع التكاليف وعدم مقدرة المواطنين على الشراء، الأمر الذي أدى للتحول من الركود إلى كساد الأسواق وقصور إيرادات الدولة، وتابع: (لا أظن الجمارك تستطيع الوصول للربط المحدد في العام الجاري). لافتاً إلى أن الارتفاع الكبير في الأسعار السلع والخدمات خلال الفترة المنصرمة بسبب السياسات الحكومية أدى لتراجع النشاط التجاري والاقتصادي بالبلاد، وكذلك أدى لانحسار إيرادات الحكومة والمحليات والولايات، ويظهر ذلك تأخر وعجز الحكومة عن سداد مرتبات عاملين بالدولة، وحدوث اضرابات واحتجاجات، ونتيجة لذلك أصبح السوق لا يقبل المزيد من الرسوم والجبايات الحكومية، وأخشى ان يقود ذلك لإفساد ضعاف النفوس وينتشر الفساد ويتهرب البعض من دفع الرسوم والجبايات الحكومية.
وحذر القوني، من آثار اجتماعية واقتصادية لمثل هذه الزيادات، فهي معروفة ومعاشة، من بينها انخفاض دخل الأسرة لارتفاع الأسعار بالأسواق، والسحب من الودائع والمدخرات، تضاف إلى فقدان وظائف والدخول بسبب الانكماش الاقتصادي، الناتج عن إغلاق المصانع والمشاريع والأنشطة الاقتصادية، مما ينعكس على ارتفاع نسبة البطالة، التي تفضي إلى حدوث تفلتات أمنية وانتشار الجرائم الأخلاقية، مشيراً إلى أنه بسبب السياسات الاقتصادية والمالية للحكومة، تغيير عادات المواطنين وتضطر بعض الأسر إلى التخلق بأخلاق جديدة، ويكون أغلبها مجافياً للأخلاق السودانية السمحة ، المستمدة من القرآن والسنة، متسائلاً هل في ظل هذه الأوضاع والنتائج المترتبة عليها، من المصلحة في شيء أن تستمر الحكومة في زيادة الرسوم الجمركية والرسوم الأخرى؟ تابع للإجابة على هذا السؤال، نأمل أن تقوم وزارة المالية بإجراء دراسات عملية وعاجلة، حول الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على مثل هذه الإجراءات، داعياً لاتخاذ ما يلزم من قرارات وإجراءات لمعالجة هذه المشكلة .
بسبب زيادة الرسوم الحكومية لن تجدوا (تجار ولا قطاع خاص)
رئيس الغرفة التجارية بولاية الخرطوم، قال لـ(السوداني) إن الأسواق ظلت تواجه ركودا حادا بسبب ضعف الشرائية للمواطنين، وأصاب عدداً من التجار الإفلاس، وصار (كل يوم وتاني) يخرجون من الأسواق، وأضاف: موازنة ٢٠٢٣م المواطن لا يعلم عنها شيء، ولم تنشر حتى يطلع على تفاصيلها، وحالياً تشهد الساحة الاقتصادية قرارات وإجراءات جديدة مفاجئة للمواطن، وذكر أن استمرار إجراءات وسياسات زيادة الرسوم الجمارك والضرائب، تنعكس سلبا على التجارة والقطاع الخاص، وتابع (في العام الجاي لن تجدوا تجارا ولا قطاعا خاصا).
وأكد الحسن، أن زيادة التعريفة الجمركية لن تحقق ايرادات، بل ستتدنى الإيرادات ولن تستفيد الدولة من هذه القرارات، منوهاً إلى أن زيادة الجمارك تؤدي لتحجيم الاستيراد وارتفاع الأسعار وضعف القوة الشرائية بالأسواق، وزاد لن تكون هنالك زيادة في الدخل تدعم الإيرادات العامة بالبلاد.
تنبيهات وتحذيرات سابقة للموردين
موردون في قطاعات مختلفة، سبق أن أكدوا تراجع حركة الاستيراد بالبلاد، لأسباب ضعف حركتي البيع والشراء بالأسواق، وحدوث الركود التضخمي للاقتصادي بالبلاد، إلى جانب كثرة الرسوم والجبايات ، واعتبروا أن أكبر تحدٍّ يواجه القطاع هو” الركود”، إلى جانب ارتفاع تكلفة الشحن للموانئ، مشيرين إلى أن حالة عدم الاستقرار السياسي انعكست سلباً على البلاد وأدخلتها في أزمة، إضافة إلى استمرار التحديات ومشكلات قطاع الاستيراد دون حلول، وأشار تقرير سابق للأداء السنوي للبنك المركزي، انخفاض قيمة الواردات السلعية، من ٩.٨ مليارات دولار العام ٢٠٢٠، مقارنة بـ٩.٤ مليارات دولار عبارة واردات البلاد للعام ٢٠٢١م، بمعدل انخفاض ٤.٣%، وعزا التقرير ذلك الأداء لانتهاج سياسة تحرير وتوحيد سعر الصرف وتعديل الدولار الجمركي.
القطاع الخاص: (يا اخوانا حرام عليكم نحن نعيش ظروفاً اقتصادية صعبة )
وابتدر الأمين العام الأسبق لاتحاد الغرف الصناعية عبد الرحمن عباس، بشعر مخاطباً وزير المالية ( وما أنا بالمصدق فيك قولاً، ولكن شقيت بحسن ظني) وتابع (يا اخوانا حرام عليكم نحن نعيش ظروفاً اقتصادية صعبة) وقال لـ(السوداني) إن الأسواق حالياً تواجه كساد ضارب، متسائلاً كيف يصدر منشور بزيادة التعريفة الجمركية ورسوم الوارد ؟ وزاد هذا ليس الوقت المناسب، ويجب مراعاة الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وحال المواطنين الذين لا يستطيعون الشراء، داعياً لتنفيذ السياسات الاقتصادية بالتدرج ليس (مرة واحدة كدا)، ومضى قائلاً إن قطاعات أصحاب العمل المختلفة، سبق أن احتجوا على هذه السياسات، ولكن من يستجيب؟، ولم يحدث أن تجاوبوا مع القطاع الخاص. وأشار عباس ، إلى أن الزيادة يفترض أن تكون نسبية، حتى يستطيع المواطن التعايش معها على فترات متعددة ،الى ان تكتمل رؤية الدولة، وذكر الدولة في غياب تام بدليل هذه (الأوضاع والظروف) الصعبة جداً التي يواجهها المواطن حاليا.ً
الاستيراد يحسن أوضاع ومعاش المواطنين
رؤية وزير مالية حكومة الظل لحزب بناء السودان، مجاهد خلف الله، دافع عن قطاع الاستيراد بالبلاد ، وقال لـ(السوداني) إن هنالك انطباعا عاما ضد الاستيراد ويروج حديث حول ” أن الاستيراد سيئ وكثير ويجب تقليله”، وأضاف: الاستيراد أمر “ضروري لحياة الناس”، لأنه يعني استهلاك أشياء لا نستطيع توفيرها لأنفسنا ، واعتبر حياة الإنسان عملية من الاستهلاك والإنتاج، وذكر أن الإنسان مجبور على الإنتاج ، ولكن الحافز الأساسي للإنسان للعمل هو “رغبة الاستهلاك ” لعدد من الاشياء من الأكل والشرب والملبس ، وشراء احتياجات مختلفة.
وأكد مجاهد، أن الاستيراد بسببه يحدث إنتاج، لأنه قطاع نشط بما يكفي” مشبع” برغبات واستهلاك المواطنين، وأن هذه الرغبات حافز للاستيراد والاستهلاك، وأضاف: واجب على الحكومة إزالة الموانع عن الاستيراد، لافتاً إلى أن الفرصة أكبر للسوق الحر لتشغيل التجارة، الأمر الذي يجعل المواطنين يقومون بتصدير أي شيء و إعطائهم مجال لبيع بضائعهم، ومن ثم نجدهم تلقائياً يستوردون احتياجاتهم ، وهذا النشاط يبرز في اتاحة عمل قطاعي الصادر والوارد، مما يسهم في تشغيل ملايين المواطنين وخلق وظائف لهم، وتساعد على تحسين أوضاعهم ومعاشهم، إلى جانب تحريك القطاعات الأخرى، بما ينعكس إيجاباً على حركة الاقتصاد والناتج المحلي الإجمالي .
تعديل التعريفة الجمركية لأكثر من ١٠٠ سلعة
أبرز زيادات التعريفة الجمركية ، بحسب قائمة قرار تعديل التعريفة الجمركية التي شملت سلع النشأ وسميد الفواكه، وحبوب السورغوم، وأنواع سكر أخرى، وحنطة سوداء، وصلصة جاهزة ومكملات غذائية، ملح طعام وجبص وأسمنت وبنزين وجازولين وفيرنس، كذلك دهانات ورش وألوان سطحية، شامبو وصابون ومطهرات معاجين مختلفة، وايضا بارود ومتفجرات ومنتجات تصوير فوتوغرافي، صفائح والواح، ثم ورق الطباعة والمطلي والخام والصناعة، وخيوط القطن وثياب نسائية قطنية، وخيوط ونسيج، والملابس والأحذية، إلى جانب أغطية منتجات وبضائع مختلفة وقوارير، سراميك وبورسلين، هياكل من حديد والمونيوم، وقطع غيار مضخات كافة شمسية مضاغط وأجهزة إشعال افران، أجزاء من الثلاجات والغسالات، إضافة الى بطاريات الطاقة الشمسية وقطع غيار السيارات الكهربائية، واشارات وخطرات وعربات،واجزاء مسجلات وفيديوهات، اقراص واشرطة وذواكر وفلاشات، شاشات ووحدات عرض ، ومكسرات صوت الكترونية وصوتية، مركبات نقل عام اقل من ٢٤ راكب، الركشات، عربات وشاحنات الكهرباء، دراجات نارية وهوائية، وايضا عربات أطفال وأصناف تسلية، ومقطورات وسفن رحلات، مناشف صحية وحفاضات ودمى للخياطين، وقوارير وأغطية عازلة للحرارة.
وفيما يخص ضريبة الرسم الإضافي، جاءت الزيادة في لحوم واحشاء واسماك وقشريات ومنتجات صناعة الألبان، الخضروات والفواكه، الدقيق وسميد الفواكه ولحوم واسماء محضرة،عسل صناعي، شوكولاتة ومحضرات غذائية ومحضرات خضر وثمار، ومحضرات الصلصات الجاهزة، وحساء ومرق ومثلجات البوظة وعصائر اصطناعية، ومشروبات وسوائل كحولية وخل وتبغ الخام والتبغ المصنع ، والأسمنت الابيض ودهانات ومخاليط ومواد عطرية ومستحضرات تجميل، كذلك محضرات الحلاقة ومزيلات، انابيت ومواسير والواح وصفائح المدائن لاصقة، حمامات ومغاسل ومرشات، أكياس التسويق واواني منزلية بلاستيكية، ادوات بناء من اللدائن،ومصنوعات أخرى اللدائن ومناديل ورق الثياب القطنية، وسجاد واغطية ارضيات، رخام جرانيت، أواني وادوات بورسلين، حلى خرز واصناف زينة، أسلاك حديد وشائك ومسامير وصواميل، اضافة إلى أواني منزلية من حديد والمونيوم وغسالات، ومبردات الهواء وشاشات عرض ولمبات وركشات وعربات كهربائية ودراجات نارية وأثاثات .
إشارة حمراء.. عجز الجمارك
كشفت إدارة الشؤون المالية والإدارية، بهيئة الجمارك، عجز الجمارك في تحقيق الربط المقرر للعام ٢٠٢٢م في الموازنة العامة، وقال مدير إدارة الشؤون المالية والإدارية، بالجمارك، اللواء الفاتح دهب، في ورشة تنمية وتطوير المعلومات مؤخراً، إنه لم يحدث طيلة السنوات الماضية عجز في تحقيق الربط، إلا خلال في العانم ٢٠٢٢م، وأرجع ذلك لارتفاع الدولار الجمركي (صار عالياً جدا) ، الأمر الذي جعل العديد من الموردين يخرجون من السوق، وذكر إنه كان شاهد عيان لمورد (حلف بالقسم بأنه لن يأتي بمنفذ جمركي)، موضحاً أن الجمارك صارت عالية جداً بعد تحرير الدولار الجمركي، وهذا الواقع الذي حدث، وأضاف: كلما سهلت وخفضت التقديرات ستكون الإيرادات عالية، وأن ارتفاع الجمارك تمثل سوقاً جيدة جداً للتهريب، مؤكداً أن تسهيل الإجراءات للممول او التاجر وتحديد (جمارك مناسبة وضرائب معقولة) تساعد في زيادة الدخل ، لان هذا التاجر سياتي بنفسه ولن يذهب للتهريب، لافتا الى ان تكلفة مكافحة عالية تحتاج آليات ومعدات ضخمة جدا، متطلعا أن تستجيب الدولة للحديث حول تخفيض الجمارك ، مشيراً إلى أنه عندما كان الدولار بجنيهين ونصف، جاءت الإيرادات في القمة، ولكن حاليا الدولار باكثر من 500 جنيه ، بينما الايرادات متدنية بسبب اللجوء التهريب ، وتابع الضرر لحق ايضا بالضرائب، لأن تدني تقييم الجمارك يؤثر عليها ، وكلما ارتفعت الجمارك انعكس ذلك إيجاباً على الضرائب.
صحيفة السوداني