أدركوا السودان قبل فوات الأوان
أخشى أن يكون السودان في لحظات احتضار أو أن يكون محمولاً إلى غرفة الإنعاش بعد أن أرهقه النخب من سياسيين وعسكريين وتسببوا له في مرض مزمن عمَّ كل الجسد وقد بدأ ظهور ذلك منذ الاستقلال، وسببه الخلافات الحزبية التي ليست لها رؤية ولا روية ولا برنامج.
إلا الجري وراء السلطة وتقاسم المناصب بين العساكر والأحزاب
مما جعل السودان ضحية للانقلابات العسكرية والحكم المدني ومما زاد الطين بلة بروز القبليات والجهويات حتى أصبحنا لا نرى الإشارة الحمراء ولا نسمع صافرة الإنذار التي تنبه بالخطر المحدق بالبلاد،
ونقول السودان ليس بحاجة إلى ما يحدث الآن من لتٍ وعجن والتحدث عن مبادرات أو تسوية أو اتفاق السودان في حاجة إلى خبراء في كل المجالات من أصحاب المعاشات الذين عاشوا أغلب الحقب التي مرت على السودان ليقدموا له روشتة علاج مما هو فيه من مرض عم كل جسده قبل أن نفقدهم لأنهم قد تقدمت أعمارهم،
السودان في حاجة إلى تصفير كل شيء وفي كل المجالات وأعني بالتصفير الرجوع إلى الخلف لنستعرض كيف كنا وإلى أين وصلنا نحن في حاجة لروشتة لعلاج كل جسد السودان ولكل مرض أطباؤه ومختصوه، فلنستعرض العلاج في كل المؤسسات بدأً بالتعليم كيف كان تلميذ الصف الرابع يدير مرافق الدولة والآن طالب الصف الثامن لا يستطيع كتابة اسمه ولا يفرق بين الزاي والذال وكيف كان المعلم ومكانته في المجتمع ولدى تلاميذه وهذا يتطلب مراجعة كل المناهج،
ثانياً: الاقتصاد لماذا كان الجنيه السوداني يساوي ثلاثة دولارات وأين هو الآن وكيف كانت السكة الحديد ومشروع الجزيرة والكهرباء والمياه والخطوط الجوية والخطوط البحرية والشركات الحكومية والصادرات والواردات والمال العام والتصرف فيه والإيرادات والمصروفات والزكاة والضرائب كيف تجمع وأين تصرف وماذا عن البترول والذهب والمعادن، ثم الصحة لماذا كانت نقطة الغيار تعمل عمل المستشفى فكانت البيئة نظيفة فإلى أين وصلت النفايات الآن والذباب والباعوض والمجاري، ثم الخدمة المدنية كيف كان الضباط الإداريون يديرون الدولة في الولايات والمحافظات وأين هي الخدمة المدنية الآن والإدارة الأهلية كيف كانت وكيف أصبح كثير من قياداتها يقودون المعارك ضد بعضهم البعض ويثيرون الفتن بين قبائلهم والتعدي على الأراضي والحواكير بحجة ملكيتها للقبيلة.
وعلاقة الولايات بالمركز كيف كانت وإلى أين وصلت، والخدمة العسكرية كيف كان الانضباط ولماذا فقدت العسكرية هيبتها وقد فقدت الدولة معها هيبتها كذلك وقد كان الصول يدير المركز والذي لا يستطيع إدارته اليوم عدد من الضباط وكان للدولة جيش واحد وشرطة واحدة فصار الجيش والشرطة لا قاش مكروب ولا كاب ملبوس بعد تعدد الجيوش والحركات، ثم العلاقات الدولية كيف كانت تحافظ على المصالح والسيادة الوطنية وما حالها اليوم وقد أصبحت البلادمستباحة للأجانب والسفارات، والعلاقات الاجتماعية لماذا ترك السودانيون كثير من العادات السمحة واستبدلوها بالقبلية والجهوية وخطاب الكراهية والأنانية وحب الذات، نريد مراجعة كل شيء مستصحبين معنا ما كان عليه السودان فلنأخذ من القديم ما يواكب ويعاصر ونترك ما دون ذلك ويمكن أن تسمى هذه الروشتة كيف يحكم السودان أو برنامج عمل، وبعدها يمكننا أن نتحدث عن حكومة تنفذ هذه الروشتة لا يشترط فيها إلا الكفاءة لا جهويات ولا قبليات ولا حركات ولا ولاء لها إلا للوطن، وحتى يحدث ذلك يمكن تشكيل حكومة إدارة أعمال انتقالية بالشراكة مع العسكر ولو إلى حين استتباب الأمن وإعادة هيبة الدولة نسبة لظروف البلد وهشاشة الأمن والتحديات الجهوية والصراعات القبلية ونخشى أن يكون لإبعاد العساكر عن السلطة عواقب مؤثرة على وحدة البلد وتماسكه وأمنه ويكون جميل لو أفسح الفريق البرهان والفريق حميدتي المجال لغيرهم من العسكريين والتجديد مفيد والله المستعان ونسأله أن يحفظ السودان.
المصدر: اليوم التالي