أبي أحمد في السودان.. سد النهضة يعود للواجهة وحديث عن “مواجهة نفوذ القاهرة”

وصل رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، الخميس، إلى العاصمة السودانية الخرطوم، في زيارة رسمية، طرحت العديد من التساؤلات بشأن توقيتها والهدف منها.

وتعد زيارة رئيس وزراء أثيوبيا إلى الخرطوم هي الأولى له منذ الاستيلاء العسكري على السلطة عام 2021، وفقا لـ”فرانس برس”.
وكان عبد الفتاح البرهان الذي قاد في أكتوبر 2021 “انقلابا” على الحكومة المدنية في استقبال رئيس الوزراء الاثيوبي.
وقال مجلس السيادة السوداني في بيان إن “البرهان وأحمد أجريا محادثات تناولت العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل دعمها وتطويرها وتعزيز التعاون المشترك”.
وسبق أن التقى المسؤولان في أثيوبيا في أكتوبر الفائت، لكن آخر زيارة لرئيس الوزراء الإثيوبي إلى الخرطوم تعود اإى نوفمبر 2020، إبان حكومة رئيس الوزراء السوداني السابق، عبد الله حمدوك، وفقا لـ”فرانس برس”.
ما وراء الزيارة
مدير معهد التحليل السياسي والعسكري بالخرطوم، الرشيد محمد إبراهيم، يتحدث عن عدة ملفات على طاولة الحوار بين الجانبين السوداني والإثيوبي خلال الزيارة.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يشير الرشيد محمد إبراهيم، إلى أن الزيارة تتزامن مع انتقال الحكومة الإثيوبية من “استراتيجية الحرب إلى السلام” بعد توقيع اتفاقية مع قوات إقليم تيغراي.

وفي الثاني من نوفمبر العام الماضي، وقعت الحكومة الإثيوبية ومتمردي تيغراي اتفاقًا ينهي الحرب التي استمرت عامين في هذه المنطقة بشمال أثيوبيا.
ومنذ توقيع الاتفاق، توقف القتال واستؤنفت عمليات تسليم المساعدات الإنسانية والطبية تدريجا، وعادت الشرطة الفدرالية إلى العاصمة الإقليمية ميكيلي التي ربطت بشبكة الكهرباء الوطنية.

ويتحدث إبراهيم عن “رغبة الحكومة الإثيوبية ضمان أن يكون السودان مؤثر إيجابا في ملف السلام بإقليم تيغراي”.
وتتضمن الأجندة الإثيوبية “الاطمئنان على انسياب السلع والمواد الغذائية من السودان على خلفية أزمات نقص الغذاء التي تشهدها أثيوبيا والمجاعات المتوقعة في البلاد”، وفقا لحديث إبراهيم.

ويؤكد أن “ملف الحدود” بين السودان وأثيوبيا من الملفات المهمة التي سيتم نقاشها بين الجانبين، في ظل رغبة أديس أبابا في استقرار الأوضاع الحدودية.
وتسببت الحرب في تيغراي بنزوح أكثر من مليوني إثيوبي ودفع الآلاف إلى ظروف قريبة من المجاعة، تفاقمت بسبب أسوأ موجة جفاف تشهدها المنطقة منذ عقود.
وأدت الحرب التي استمرت عامين إلى أزمة إنسانية مروعة، وأودت بحياة عشرات الآلاف، وتركت الملايين في حاجة ماسة للطعام وهددت استقرار ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان، وفقا لـ”رويترز”.
من جانبه يتحدث الباحث والمحلل السياسي الإثيوبي، زاهد زيدان، عن عدة دلالات للزيارة الهادفة لـ”عودة المياه لمجاريها بين البلدين في جميع الملفات والقضايا وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين”.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يؤكد زيدان أن “ملف الحدود” هو الجانب الأهم للجانب الإثيوبي، مشيرا إلى أن الحدود بين البلدين تصل إلى 1600 كيلو مترا.

وشهدت العلاقات بين الخرطوم وأديس أبابا توترا في الأعوام الأخيرة بسبب خلاف حدودي إضافة إلى تدفق لاجئين من إقليم تيغراي الإثيوبي والذي توقفت فيه الحرب قبل شهرين، حسب “فرانس برس”.

ومنذ اندلاع الصراع في تيغراي، تفاقم التوتر على الحدود بين الخرطوم وأديس أبابا، ما دفع أكثر من 500 ألف لاجئ معظمهم من الإقليم للفرار إلى مناطق في شرق السودان.

وتأثرت علاقات البلدين أيضا بقضية منطقة الفشقة الحدودية وهي أراض زراعية خصبة على الشريط الحدودي يزرعها مزارعون إثيوبيون في ظل مطالبة السودان بها، وتطور الخلاف أحيانا إلى مواجهات مسلحة.

ماذا عن سد النهضة؟
في عام 2011، بدأ تشييد سد النهضة على النيل الأزرق، الذي يلتحم بالنيل الأبيض في السودان ليشكل نهر النيل، بهدف تشغيل 13 توربينا لتوليد 5 الاف ميغاوات.

ومنذ أغسطس يحوي خزانه 22 مليار متر مكعب من المياه وستستمر عملية الملء خلال السنوات المقبلة حتى يبلغ سعته الإجمالية وهي 74 مليار متر مكعب.

وتحرص أثيوبيا على توسيع قدرتها في مجال الطاقة، وبدأت العام الماضي في توليد الطاقة من سد النهضة العملاق، وهو محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية تبلغ تكلفتها عدة مليارات من الدولارات على نهر النيل ويعارضها بلدا المصب، السودان ومصر.

وستبلغ قدرة السد الإنتاجية عندما يعمل بكامل طاقته أكثر من ستة آلاف ميجاوات، حسب “رويترز”.

وفي فبراير 2022 اتهمت الخرطوم والقاهرة أديس أبابا بأنها “قررت بشكل منفرد بدء توليد الطاقة الكهربائية من السد المذكور”، حسب “فرانس برس”.

ولذلك يشير إبراهيم إلى بعد جديد لزيارة آبي أحمد للسودان، ويتحدث عن “مرونة إثيوبية فيما يتعلق بسد النهضة”.
ويقول إن “أديس أبابا تراهن على المكاسب التي أحدثها السد وترغب في التنسيق مع الخرطوم بشأن ذلك الملف”.
ويتحدث عن “إمكانية عرض أثيوبيا تزويد السودان بالكهرباء في مرحلة الإنتاج، بهدف استمالة الخرطوم في هذا الملف”.
من جانبه يشير الخبير المصري في الشؤون الأفريقية، ناصر مأمون عيسى، إلى أن ملف سد النهضة “مسائلة حياة أو موت بالنسبة للقاهرة”.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يؤكد أن مصر ستواصل الدفاع عن حقها التاريخي في حصة مياه النيل سواء “تجاوبت الخرطوم مع رأي أديس أبابا أو القاهرة”، على حد تعبيره.
ويستعبد عيسى “إمكانية اتخاذ السودان موقفا مؤيدا لأثيوبيا فيما يتعلق بسد النهضة، خاصة بعد الخروقات التي تمارسها السلطات الإثيوبية ضد السودان على الحدود”، على حد قوله.
وتتباهى أديس أبابا بسد النهضة الذي يعد الأكبر لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا، لكن القاهرة تؤكد أنه يؤثر على حصة مصر من مياه النيل ويخالف اتفاقا أبرم عام 1959 مع الخرطوم، وليست أثيوبيا طرفا فيه، تحصل مصر بموجبه على 66 في المئة من مياه النيل سنويا والسودان على ٢٢ في المئة، حسب “فرانس برس”.

من جانبه يقول زيدان إن ملف سد النهضة “محسوم” بالنسبة لأثيوبيا وقضى الأمر فيه منذ سنوات، مشيرا إلى أن السد لن يؤثر على دولتي المصب مصر والسودان.

ويشير زيدان إلى أن “أثيوبيا سوف تمضي للملأ الرابع من دون مشكلات”، متوقعا حصول اتفاق قريب بين أثيوبيا ومصر والسودان في ذلك الشأن.

ورشة القاهرة؟
تعمقت الأزمة السودانية عقب “الانقلاب العسكري” بقيادة البرهان الذي أطاح الحكومة المدنية التي تولت السلطة إثر إطاحة الرئيس السابق عمر البشير في عام 2019، حسب “فرانس برس”.

وفي ديسمبر الماضي وقع المدنيون والعسكريون السودانيون اتفاقا سلام يمهدان لتشكيل حكومة مدنية وانهاء الأزمة السياسية.

وأشار مجلس السيادة السوداني إلى أن “أحمد سيعقد اجتماعات مع أحزاب سياسية سودانية خلال زيارته”.

ويتحدث إبراهيم عن هدف جديد للزيارة الإثيوبية، ويقول إن “أديس أبابا تحاول وقف النفوذ المصري داخل السودان، بعد اقتراح القاهرة مبادرة سلام بين المكونات السودانية”.
وحددت مصر الثامن من فبراير القادم موعدا لإطلاق ورشة بالقاهرة للتوصل لتسوية شاملة للأزمة السودانية، وفقا لصحيفة “أخبار السودان”.
وكانت قوى الحرية والتغيير قد أعلنت رفضها المشاركة في ورشة القاهرة التي تعتزم مصر تنظيمها في فبراير المقبل، معتبرة الورشة “منبرا لقوى الثورة المضادة”، وفقا لـ”وسائل إعلام سودانية”.
ويقول إبراهيم إن “المبادرة المصرية بشأن حل الأزمة داخل السودان هي الأقرب للوجدان السوداني”.
ويشير إلى أن “التقارب المصري السوداني يثير مخاوف لدى الجانب الإثيوبي الذي يسعى لوقف النفوذ المتصاعد للقاهرة في الداخل السوداني”.

وفي سياق متصل، يقول عيسى، إن “أثيوبيا تحاول إفشال الطرح المصري بشأن عملية السلام بين المكونات السودانية”.

ويشير إلى أن “أديس أبابا تحاول استمالة رافضي ورشة القاهرة خاصة بين قوى الحرة والتغيير لبناء جبهة مضادة للنفوذ المصري في الخرطوم”.
لكن زيدان ينفي ذلك الطرح، ويقول إن “أثيوبيا كانت منذ البداية الداعية للسلام في السودان، وتسعى للوفاق بين القوى المدنية والعسكرية، وتدعم الحوار المشترك بين مكونات الشعب السوداني”.

ويشير إلى أن “أديس أبابا تدعم أي مبادرة لنشر السلام داخل السودان”.
ويؤكد أن “العلاقات بين أثيوبيا والسودان أخوية وتاريخية”، نافيا سعي “أديس أبابا لفرض نفوذها بالداخل السوداني”.

الحرة

Exit mobile version