طفلي يصرخ ويبكي وهو نائم.. ماذا أفعل؟

عزيزتي الأم، عزيزي الأب، في حال استيقظت ذات يوم على صراخ طفلك بعد أن استغرق في النوم بوقت لا بأس به، وهرعت إليه لتجده في حالة من الفزع يضرب الهواء بأطرافه أو يدور في الغرفة في حالة من الهياج، أو حتى يسير نائما والهلع يتملَّكه، دون أن يحدث شيئا يُفزعه، بل يكون أيضا في حالة من النوم، لا تقلق، فطفلك يمرّ بنوبة من الذعر. نحن هنا لمساعدتك وتعريفك عليها وإرشادك حسب توصيات المختصين في علم نفس الطفل بما عليك فعله حتى تمرّ تلك النوبات بسلام.

ما عليك معرفته عن نوبات الذعر الّليلي

تشيع نوبات الذعر الليلي “Night Terrors” بين الأطفال في سنواتهم الأولى، لكن قد يمرّ بها البالغون أيضا. غالبا ما تستمر النوبة مدة تتراوح ما بين دقيقة إلى ربع ساعة، وتحدث حصرا أثناء الليل وليس خلال قيلولة الطفل النهارية. الخبر السار أن الطفل لا يتذكّرها ولا يكون واعيا بما يجري تماما، لكنها تزعج الوالدين والمحيطين بالطفل وتقلقهم. يُظهر الطفل علامات تدل على خوضه نوبة من الذعر، منها تسارع أنفاسه ونبضات قلبه والتعرُّق المفرط، والجلوس في الفراش أو مغادرته تماما، وصعوبة إيقاظه رغم عينه المفتوحة التي تكون محدقة في الفراغ ولا تستجيب للضوء أو المنبهات المعتادة، قد يسلك طفلك أيضا سلوكا شديد العدوانية خلال نوبة الذعر ويرتبك بشدة فور استيقاظه(1).

يحدث الكثير خلال نومنا كبارا وصغارا، ندور خلال النوم في دائرة تتكوّن من حالتين من النوم: نوم حركة العين السريعة (REM)، وعكسها، نوم حركة العين غير السريعة (non-REM). نمر بثلاث مراحل من نوم حركة العين غير السريعة حتى نصل إلى الدورة الثانية، تدوم كل مرحلة من 10 إلى 15 دقيقة. في المرحلة الأولى تنغلق العين، لكن يكون النائم في حالة من اليقظة فيسهل إيقاظه. يدخل النائم خلال المرحلة الثانية في نوم خفيف، تتباطأ نبضات القلب وتنخفض حرارة الجسم متأهبا للاستغراق في النوم، تأخذ هذه المرحلة من 10 دقائق حتى نصف ساعة. في المرحلة الثالثة يستغرق النائم في حالة من النوم العميق، ويصعب إيقاظه، حتى إن استيقظ فسيكون في حالة من ضعف الوعي لعدة دقائق.

خلال تلك المراحل يُصلح الجسم أنسجته ويجدد نموها، ويبني العضلات والعظام، ويقوي الجهاز المناعي. يحدث نوم حركة العين السريعة بعد ساعة ونصف من الخلود للنوم، تستغرق الفترة الأولى 10 دقائق تقريبا، وتطول الفترات مع الاستغراق في النوم أكثر وأكثر، إذ تصل الفترة الأخيرة إلى قرابة الساعة. ينشط الذهن أكثر خلال تلك الفترات، إذ يحفز نوم حركة العين السريعة مناطق الدماغ المرتبطة بمهارات التعلُّم وإنتاج البروتينات، وخلال نومنا ننتقل بين الحالتين(2).

قد تتشابه الكوابيس ونوبات الذعر الليلي في بعض الحالات، لكن ثمة اختلافات بينهما. عادة يستيقظ الطفل بشكل كامل بعد رؤية الكابوس، يكون واعيا وقادرا على التحدث. أما في نوبات الذعر، فتتلبسه حالة ارتباك تجعله عاجزا عن إدراك محيطه أو التواصل. قد يتذكّر الطفل الكابوس أو أجزاء منه فور استيقاظه، بل في بعض الأحيان يتذكَّر تفاصيل دقيقة. أما في نوبة الذعر، فعلى الأغلب وفي معظم الأحيان لا يتذكّر أنه مرّ بها من الأساس، ولا ما جرى خلالها، حتى لو كسر شيئا أو ضرب أحدا أو غادر غرفته. قد تحدث الكوابيس خلال أي مرحلة من مراحل النوم، أما نوبات الذعر فلا تحدث إلا في نوم حركة العين السريعة، أي تقريبا بعد ساعتين من نوم الطفل في أغلب الأحيان(2).

لماذا يبكي طفلي ويصرخ وهو نائم؟

تحدث نوبات الرعب الليلي بسبب التحفيز الشديد الذي يتعرض له الجهاز العصبي لدى الطفل، وتؤدي لهذا أسباب كثيرة، بعضها وراثي، إن كان أحد أفراد العائلة يعاني من اضطرابات النوم، وهي السبب الأشهر، لكن ثمة الكثير من الأسباب التي تضغط وتوتِّر الطفل في حياته إلى حد إصابته بنوبة ذعر خلال نومه. قد يؤدي تناول دواء جديد يؤثر على الجهاز العصبي، مثل مضادات الاكتئاب، في بعض الأحيان إلى إثارة ذعر الطفل. كذلك التوتر والقلق المفرط والمتكرر بسبب تغيير مكان النوم أو جدوله أو الحرمان منه وقتا طويلا، أو بداية الدراسة، أو التعرض للمضايقات والتنمر، أو مشاهدة أفلام مرعبة ومزعجة قبل النوم، أو زيادة المشاجرات في المنزل، أو التعرض للضوضاء العنيفة خلال الليل، أو الإصابة بالحمى أو الالتهابات أو التسنين؛ يؤدي ذلك إلى إثارة ذعره في نومه. ويندر بشدة أن تكون نوبات الذعر الليلية علامة أو عرضا لاضطرابات أخرى(1)(3).

ماذا أفعل حين يصرخ طفلي أثناء نومه؟

من المهم، والشاق، أن تحافظ على رباطة جأشك في تلك اللحظات، إذ يحتاجك طفلك أن تكون مستعدا لتحمل ما يمر به، وألّا تتدخل في الوقت نفسه، لذا، لا عليك سوى أن تهدأ وتوفر لطفلك الطمأنينة والأمان نفسيا ومكانيا. أغلق نوافذ غرفته خلال نومه بإحكام، وأيضا أبواب المنزل؛ لأن الطفل قد يتحرك ويسير وهو نائم، أيضا أَزِل أي أدوات صلبة أو حادة من الغرفة لتجنب أي إصابات أو حوادث. ضع خلف سريره وسادة أو بطانية مريحة لمنع اصطدام رأسه بالجدار؛ لأنه قد يفقد السيطرة على جسده ويركل الهواء خلال نوبته. ينبغي عليك أن تدرك أنه ما من طريقة لتقصيرها أو قطعها مباشرة، بل محاولة فعل هذا قد يؤدي إلى نتائج عكسية. تتلاشى نوبات الذعر تدريجيا مع تقدُّم الأطفال في السن، يكتشف دماغ طفلك طرقا مختلفة للانتقال بسلاسة من مرحلة نوم إلى أخرى، عادة في غضون أسابيع من بداية نوبات الذعر(4).

 

يؤدي إيقاظ الطفل إلى إرباكه بشدة، وسيعجز عن العودة إلى النوم. يعاني الطفل من نوبات الذعر كما ذكرنا في مرحلة من أعمق مراحل النوم؛ ما يُصعِّب إيقاظه، وفي حالة إيقاظه في منتصف ذعره لن يحدث سوى أن النوبة ستطول. كل ما عليك فعله تركه نائما والبقاء جواره، عادة ما تأخذ النوبة مدة تتراوح ما بين 10-20 دقيقة. مفهومٌ أنه من الصعب الاستماع إلى طفلك يصرخ ويهلع وأنت تقف مكانك جامدا دون أن تساعده أو أن تتدخل، لكن ضع في اعتبارك أنه لن يتذكر ما يجري حين يستيقظ في الصباح. دعه ينام، وابقَ بجانبه حتى تُبقيه في أمان من أي حركات مندفعة أو فجائية، وستمرّ اللحظة.

أَنِر مصابيح الغرفة حتى لا تُربكه الظلمة فيتضاعف هلعه، ردّد كلمات مطمئنة تُهدِّئ من روعه دون إيقاظه، مثل: “أنت بخير”، “أنا معك”، “نحن في البيت”، “أنت في أمان”، كرر العبارات في هدوء إلى أن يجتاز الطفل النوبة، ستساعده هذه التعليقات أكثر من الصمت على استعادة تركيزه نحو النوم. يرتاح بعض الأطفال حين يمسك أحد الوالدين أيديهم، والبعض الآخر يرفضه. جرِّب لمس طفلك ورَاعِ مدى استجابته، إن أبعد يده أو كان في حالة من الهياج فلا تجبره، ليست هذه طريقته للتحسن فحسب(1).

لاحظ النمط الذي تحدث فيه النوبات، فربما تحدث في موعد محدد كل ليلة. في حال وجدت نمطا مميزا يمكنك استخدامه لمنع حدوثها بأن تُوقظ الطفل في موعد محدد كل ليلة، قبل موعد نوبة الذعر الذي لاحظته بربع ساعة على الأقل. وضَّح الأخصائيون أن هذه الطريقة قد تقلل بشكل كبير من نوبات الذعر، وفي حالات أخرى قد توقفها تماما. لا خطورة جمة من جدولة الاستيقاظ كل ليلة، إذ يمكن للطفل أن يستيقظ أكثر من مرة لدخول دورة المياه مثلا، لكن لا يُنصح باستخدام هذه الطريقة في حال كان الطفل يعاني من نوم مضطرب بشكل عام؛ لأنه قد يؤدي إلى صعوبة العودة إلى النوم والحرمان منه في النهاية(3).

يستعرض المؤلف “ماثيو ووكر”، أستاذ علوم الأعصاب والفيزيولوجيا في جامعة بيركلي، ومدير “مركز علوم النوم البشري”، وأستاذ سابق لعلم النفس في جامعة هارفارد؛ في هذا الكتاب أهمية النوم على ضوء الاكتشافات العملية عن النوم خلال العشرين سنة الماضية. ففي داخل الدماغ، يثري النوم قدرتنا على التعلم والحفظ واتخاذ قرارات منطقية، كما أن الأحلام تساعد على التغلب على الذكريات المؤلمة، وفي إيجاد مساحة الواقع الافتراضي التي يخلط فيها الدماغ المعرفة الماضية والمعرفة الحالية لإلهام الإبداع. يشمل الكتاب استكشافا معمقا للنوم، موضحا كيف يمكننا تسخير فوائده الجسدية والنفسية الجسيمة لتغيير حياتنا نحو الأفضل كبارا وصغارا. (دار التنوير).

المصدر: الجزيرة نت

Exit mobile version