هكذا تنهب الصين البحار الأفريقية

قالت مجلة لوبوان (Le Point) الفرنسية إن الأسطول الصيني يستغل ضعف دول خليج غينيا للصيد بشكل غير قانوني في مياهها، محدثا كارثة بيئية واقتصادية، لكن بكين ترفض هذه الاتهامات جملة وتفصيلا.
وانطلقت المجلة -في تحقيق بقلم جوليان بيرون مراسلها في كوناكري- من ملاحظة 5 قوارب تدل أسماؤها على أنها تابعة لشركة صينية مقرها في مقاطعة لياونينغ بالقرب من الحدود الكورية الشمالية، مضى عليها وقت طويل وهي تمرح في المياه الغينية والسيراليونية والغانية، وتتلقى الغرامات بانتظام، إما لصيد الأسماك في منطقة محظورة أو لعدم إحضار عدد كافٍ من الموظفين المحليين، أو للصيد بشبكة غير قانونية، إلى غير ذلك من المخالفات الكثيرة.
وتعد ظاهرة الصيد غير القانوني وغير المبلغ عنه وغير المنظم إحدى ويلات عصرنا، بحسب الأمم المتحدة التي تقدر أن أكثر من 25 مليون طن من الأسماك يتم اصطيادها كل عام خارج الإطار التنظيمي والقانوني في غرب أفريقيا، حيث تعمل 40% من سفن الصيد غير القانوني، مشيرة إلى أن 30% من هذه السفن صينية.
غارة تحت الماء
ويعتبر متخصصون أن 40% من السمك المصيد في شواطئ غرب أفريقيا غير قانوني، وأن الغارة تحت الماء تمثل كارثة بيئية من حيث تدمير النظم البيئية البحرية والساحلية، وكارثة اقتصادية لأن بعض البلدان في المنطقة تضطر إلى استيراد الأسماك على الرغم من أن مياهها الإقليمية من أغنى سواحل العالم بها.
يقول جوليان داودو، من مؤسسة العدالة البيئية -وهو واحد من أفضل الخبراء في مجال الصيد غير القانوني، ودراساته معتمدة لدى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة- إن المسؤولية الكبيرة في الصيد الجائر على المستوى العالمي تقع على أسطول أعالي البحار الصيني، موضحا أن بكين منحت عام 2019 حوالي 1.8 مليار دولار من الإعانات “الضارة” لأسطولها العامل خارج مياهها، وهو ضعفا ما تقدمه أي دولة أخرى.
ورغم أن الصين حددت أسطولها بـ3 آلاف سفينة، وتعترف بوجود حوالي 2700 قارب، فإن مركز الأبحاث البريطاني أودي (ODI) أحصى، في دراسة له عام 2020، حوالي 16 ألف سفينة في الأسطول البحري الصيني، كما أكد داودو ما تقوله خدمة أبحاث الكونغرس الأميركي من أن أسطول الصيد الصيني يتم تمويله ودعمه من قبل السلطة السياسية، لأنه أصبح أداة لطموحات البلاد التوسعية.
إنكار
ورغم المعلومات المذكورة، ترفض الصين هذه الاتهامات جملة وتفصيلا، وتدين غلوبال تايمز -التي تنقل موقف بكين باللغة الإنجليزية إلى الرأي العام الأجنبي- “الشائعات التي تروجها وسائل الإعلام الغربية” بشأن أنشطة الصين البحرية، مدعومة في ذلك بباحثين “مستقلين” يوجهون الصحفيين الغربيين نحو عادات الصيد في دول الاتحاد الأوروبي، معتبرين أن أوروبا تشكل عاملا ضارا فيما يتعلق بالصيد غير القانوني.

لكن ما يقوله هؤلاء الأكاديميون يتعارض مع الأرقام، بحسب داودو. حيث توجد 259 سفينة أوروبية في أعالي البحار مقارنة بالأسطول الصيني المعلن رسميا والبالغ 2700 سفينة، كما يفيد ائتلاف الشفافية المالية في تقرير له هذا العام أن 90% من سفن الصيد المسجلة في غانا مملوكة للصينيين، وأن 8 من 10 من أكبر شركات الشحن في العالم المتورطة في الصيد غير القانوني شركات صينية.
غير أن انتقاد الصين علنا ليس بالأمر السهل في غرب أفريقيا، حيث أصبحت لاعبا رئيسيا، حتى إن سيرافين ديدي ناجي الأمين العام للجنة مصايد الأسماك في غرب ووسط خليج غينيا، التي تضم 6 بلدان ساحلية تتعرض مياهها للنهب، يرفض توجيه أصابع الاتهام إلى بكين، رغم أنه منزعج من هذه الممارسة التي تؤدي إلى تدهور البيئة البحرية، بل إنه يشكك في الأرقام التي قدمتها مؤسسة العدالة البيئية.
واختار هذا المسؤول الإشارة إلى تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة تغاضى إلى حد كبير عن الصين، مركزا على أنشطة اليابان والاتحاد الأوروبي وتايوان، وأكد أن لدى بكين منطقة اقتصادية خالصة ولها الحق الحصري في استغلال الموارد فيها.
مخالفات
وفي السنوات الأخيرة، جدد مالكو السفن الذين يعملون في أعالي البحار أساطيلهم، وكذلك ممارساتهم كالصيد بشباك الجر المتهمة بتدمير قاع البحر، وكذلك إعادة الشحن التي تعني نقل شحنة من الأسماك إلى سفينة مبردة تزود قارب الصيد مقابلها بالطعام والوقود ليستطيع البقاء في البحر فترات طويلة، ويعود بحمولة أقل مما صاده.

وتقدّر مؤسسة العدالة البيئية أن بكين لديها حوالي 30 سفينة شحن ضخمة مبردة تخزن وتجمّد الأسماك، وبالتالي تهرب من الضوابط المحتملة، كما يروي الملازم أول مالك الذي يقود طائرة مروحية تابعة للبحرية الفرنسية تعمل في مكافحة الصيد غير القانوني، حيث يقول “نلاحظ علَمهم واسمهم ورقمهم دون مواجهة أي عدوانية، لأنهم يعرفون أننا لا نستطيع معاقبتهم”.
ومع أن التكنولوجيا يمكنها اكتشاف أنشطة الصيد غير القانونية، خاصة بعد تطوير جهاز سكاي لايت (SkyLight) الذي يتيح -بفضل الذكاء الاصطناعي- تحديد المناورات المشبوهة بين حركات القوارب المتعددة، فإن الاستجابة تعود إلى الحكومات المحلية، كما يقول تيد شميت مدير معهد ألين الذي طور سكاي لايت.
وبالفعل، بحسب تيد شميت، قررت جمهورية ساو تومي وبرينسيبي استعمال سكاي لايت ويمكن أن تحذو دول أخرى حذوها، إذ تستخدمه الآن تايلند وماليزيا وفيتنام وإندونيسيا لمعرفة ما تفعله سفن الصيد الصينية قبالة سواحلها.

الجزيرة نت

Exit mobile version