المقالات

كيف ظهر تقليد شجرة الميلاد وكيف تطور عبر التاريخ؟

تعدّ شجرة عيد الميلاد من أكثر التقاليد انتشارا للاحتفال بمولد المسيح عليه السلام والرمز له، وغالبا ما تُعتمد شجرة الصنوبر الخضراء التي توضع في ركن من أركان البيت مع تزيينها، كما أن الدول والحكومات الغربية والجاليات المسيحية في جلّ دول العالم تضعها في ساحات عامة وشوارع كبرى رمزا للاحتفال بالميلاد.

ويحتفل المسيحيون بميلاد المسيح في تواريخ مختلفة، بدءا من 23 ديسمبر/كانون الأول من كل سنة، علما بأنه لا يوجد دليل دقيق يؤكد تاريخ ولادته.

الرمزية والطقوس

في القرن الرابع عشر، كانت أشجار الميلاد مزينة بالتفاح والحلويات والزهور، وكان البروتستانت هم من قرروا سنة 1560 إضافة نجمة إلى قمة الشجرة حتى يؤكدوا اختلافهم عن الكاثوليك.

شجرة عيد الميلاد رمز لأعياد الميلاد التي تمتد طوال الأسبوع الأخير من ديسمبر/كانون الأول من كل سنة، وهو ما يتوافق مع فصل الشتاء، ولأن شجرة الصنوبر (التنوب) دائمة الخضرة، فإنها ترمز -عند المسيحيين- إلى الحيوية والحياة المتجددة.

كانت الشجرة تقليديا تزين بوضع بعض المأكولات عليها مثل الشكولاتة والتفاح والمكسرات أو غيرها من الأطعمة، لكنها تزيَّن حاليا بمجموعة واسعة من الزينة التقليدية مثل الأكاليل والحلي وحلوى القصب، ويتم وضع نجمة أو تمثال في أعلى الشجرة يرمز إلى “جبريل” أو نجمة بيت لحم (موطن ميلاد يسوع بحسب المعتقدات المسيحية).

البلورات الحمراء التي تزيّن شجرة عيد الميلاد هي بحسب المعتقد المسيحي رمز لدم يسوع، ولذلك فهم يرون أن الربط بين حمرة تلك البلورات وبين خضرة الشجرة يمثل سلامة الحياة في الحاضر والمستقبل.

وبحسب معتقدات المحتفلين بهذا التقليد، فإنه في ليلة العيد -أو ما يسمى بـ”الليلة المقدسة”- يأتي الشخصية الأسطورية البابا نويل ليلا حاملا الكثير من الهدايا للأطفال، ويضعها لهم تحت شجرة عيد الميلاد التي كانوا قد أعدوها مع أهاليهم، وترمز هذه “الزيارة الليلية” لمعاني إسعاد الآخرين والفرح والحبور التي رافقت قدوم المسيح إلى هذا العالم.

غالبا ما يكتب الأطفال رسائل إلى “بابا نويل” ويضعونها في جراب الميلاد المعلّق على الشجرة قبل العيد، ويستيقظون صباح العيد لفتحها، ومن العادات المنتشرة أيضا أن يقوم جميع أفراد الأسرة بتبادل الهدايا.

التطور التاريخي

يعود تقليد “شجرة الميلاد” في الأعياد المسيحية إلى تطوّر في المعتقدات الوثنية التي مورست في العديد من الحضارات المرتبطة بالأشجار الدائمة الخضرة على غرار الصنوبريات، والتي اعتبرت تجسيدا لفكرة الحياة الأبدية والخلود وارتبطت بمشاهد مستوحاة من بعض النصوص والمعتقدات الدينية.

إذ كان المصريون القدامى الذين عبدوا “رع” (إله الشمس عندهم) يحتفلون بيوم الانقلاب الشتوي عبر وضع أشجار النخيل الخضراء في منازلهم، حيث كانوا يعتبرونها رمزا لانتصار الحياة على الموت.

أما في الإمبراطورية الرومانية، فقد مثّل يوم 25 ديسمبر/كانون الأول “يوم ولادة الشمس”، وبهذه المناسبة كان الرومان يتبادلون الهدايا ويزينون منازلهم بأغصان شجرة الصنوبر.

وفي أوروبا الشمالية، كان السلتيون -وهم مجموعات قبلية مختلفة عاشت في أجزاء من غرب ووسط أوروبا في أواخر العصر البرونزي وعبر العصر الحديدي (700 قبل الميلاد إلى 400 للميلاد تقريبا)- يربطون كل شهر قمري بشجرة، وكان شهر ديسمبر/كانون الأول مرتبطا بشجرة الصنوبر.

وفي العصر الوسيط (القرن 5 إلى القرن 15 للميلاد)، كانت أفنية الكنائس تعرض مشاهد مستوحاة من الإنجيل تصوّر الجنّة، ومن بين أشجارها شجرة مزينة بالتفاح الأحمر، في إشارة إلى “شجرة الخلد”.

تقليد خلافي

تنازعت ليتوانيا وإستونيا الأسبقية التاريخية في ظهور أوّل شجرة ميلاد، حيث إن هذا التقليد وجد في ليتوانيا منذ سنة 1510 عن طريق جمعية التجّار التي كانت تجوب شوارع العاصمة ريغا حاملة شجرة الميلاد، ويقوم التجار بتزيينها ثم إضرام النار فيها في نهاية الجولة.

واعتبرت إستونيا أن جمعية مماثلة كانت تقوم بهذا التقليد في شوارع عاصمتها تالين منذ سنة 1441، وبنفس الطقوس التي حاولت ليتوانيا تبنيها ونسبتها إلى تقاليدها فيما بعد.

سنة 1539، وُضعت أول شجرة ميلاد أمام كاتدرائية ستراسبورغ (مقاطعة الألزاس) التي كانت تخضع للحكم الألماني في تلك الفترة من تاريخ فرنسا، وأدت هذه الخطوة الأولى إلى إقبال متزايد على قطع أعداد كبيرة من أشجار الصنوبر للاحتفال بأعياد الميلاد، مما دفع السلطات الألمانية سنة 1554 إلى منع هذه الممارسة ومعاقبة قاطعي الأشجار.

حارب جزء من الأميركيين هذا التقليد باعتباره رمزا وثنيا، وكان وليام بلاد فورد حاكم نيو إنغلند قد كتب في مذكراته أنه حاول جاهدا “منع تلك العادة الوثنية”، إلى أن اعتمد قانون حظرها عام 1659 باعتبارها “تدنيسا لحدث مقدس”.

في عشرينيات القرن الماضي، شرعت الحكومة السوفياتية المنتخبة حديثا آنذاك في حملة مناهضة لرجال الدين، وركزت الإجراءات الأولى المتخذة على التقاليد التي تعتبر برجوازية، مثل تقليد احتفالات أعياد الميلاد، لكنها في المقابل شجعت المواطنين على الاحتفال بالعام الميلادي الجديد.

وعاد الاحتفال بأعياد الميلاد إلى روسيا في التسعينيات مع سقوط الاتحاد السوفياتي، واستمر تقليد شجرة العام الجديد.

من الملوك إلى العامّة

سنة 1738، قامت ماري ليزينسكا زوجة لويس الخامس عشر ملك فرنسا بوضع شجرة الميلاد في قصر فرساي، واعتبرت أوّل من أدخل هذا التقليد الاحتفالي بأعياد الميلاد إلى البلاط الملكي الفرنسي.

سنة 1837، قامت هيلين دي ماكلنبورغ دوقة أورليانز ذات الأصول الألمانية بتزويق شجرة الميلاد ووضعها لأول مرّة في حديقة التويلري، وبذلك انتشر التقليد بين صفوف البرجوازية ومنه إلى عامة الشعب.

سنة 1848 في المملكة المتحدة، نشرت مجلّة “أخبار لندن المصوّرة” صورة للملكة فيكتوريا وزوجها الأمير ألبارت ومختلف أفراد العائلة الملكية مجتمعين حول شجرة ميلاد مزيّنة، وباعتبار أن الملكة في تلك الفترة شخصية ملهمة للبريطانيين، فقد تبنى الشعب فكرة وضع شجرة ميلاد في منازلهم للاحتفال بميلاد المسيح عليه السلام.

وفي الولايات المتحدة ومع وصول المهاجرين الألمان أواخر القرن الثامن عشر وتمسكهم بتقاليدهم الاحتفالية بأعياد الميلاد، بدأت رؤية شجرة الميلاد تجذب الأميركيين. وبحلول سنة 1850، أصبح وضع شجرة الميلاد في البيوت الأميركية تقليدا يتبعه جزء مهم من المجتمع في تلك الفترة.

في عام 1923، أشرف الرئيس الأميركي جون كالفن كوليدج على إضاءة زينة أول شجرة عيد ميلاد وطنية. وفي عام 1933، أضاءت نيويورك أول شجرة عيد ميلاد في مركز روكفلر، ومنذ ذلك الحين، أصبح العديد من السياح وسكان نيويورك يحرصون على الحضور لمشاهدة انطلاق احتفالات أعياد الميلاد.

المصدر: الجزيرة نت

تعليقات الفيسبوك

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى