المقالات

مضت أربع سنوات على الثورة…لماذا لم تحقق الثورة أهدافها؟

قد لا يتفق حول أسباب عدم تحقيق الثورة أهدافها إلا أن المتفق حوله هو أن الزمن الذي قضته الثورة وهو أربع سنوات كان كافيا لتحديد طريقها.

صحيح إن تحقيق الديمقراطية وإقامة دولة مدنية يحتاج إلى ممارسة، وإلى وقت طويل إلا أن رفض الظلم والطغيان ورفض حكم الفرد لا ينبغي أن يأخذ من الشعب كل هذه الأربع سنوات حيث لم تحقق الثورة خلال هذه الفترة التي ليست بالقصيرة هدفا واحدا من أهدافها.
هناك عدة أسباب لعبت دورا هاما في عدم تحقيق الثورة أهدافها منها.
* وقوف النظام البائد لهذه الثورة بالمرصاد، فليس من السهل أن يتم التخلص من نظام جلس ثلاثين سنة على سدة الحكم بمجرد الاحتفاظ برأس النظام في إقامة جبرية آمنة بمنزله، ومن ثم ترحيله بعد ذلك إلى السجن.
نظام جلس يعد لهذا اليوم بتغيير تركيبة القوات النظامية ومؤسسات الدولة بأن يخلخل ويعيد ترتيب نظامها لصالحه طيلة الثلاثين عاما ليس سهلا أن تقطع ثورة رقبته بين ليلة وضحاها.
نظام ما زال يقبض على مفاصل الدولة بالأجهزة الأمنية.
نظام ما زال حزبه ورموزه هم أكبر الأحزاب ثروة لا يمكن أن يستجيب لهذا السقوط من أول وهلة.
* أما الثورة فليس ذنبها أن وجدت أمامها نظاما كان يحسب لهذا اليوم.
يحسب لهذا اليوم لا من خلال نزاهة حكمه، ولا من خلال تخريج قادة ساسة أكفاء يتصدون لمختلف الظروف والأحوال التي قد تلحق بالحزب.
وإنما كان يحسب لهذا اليوم من خلال الاستيلاء على ثروات البلد.
من خلال جعل منتسبيه أصحاب الرتب والوظائف العالية.
من خلال زعزعة وتفكيك الأحزاب الأخرى.
من خلال إغراء أو تشريد من هو خارج حزبه.
فثورة ديسمبر ليست مسؤولة عن سياسات هذا النظام البائد.
هي مسؤولة في التعامل مع هذه السياسات في كونها لم تدرك خطرها وتمنعها، فهي قد أخطأت في دخولها مع الجيش في الوثيقة الدستورية بقيادة الفريق البرهان، فهذا الجيش لم يكن حليفا للثورة إلا مضطرا، فإن كانت قوى الحرية والتغيير تدرك هذه الحقيقة لما دخلت معه في اتفاق حيث لم يجلس الجيش مع رموز الثورة إلا مجبرا مكرها.
إن سهام الاتهام كانت موجهة نحوه بسبب مجزرة القيادة، فإن لم يكن هو مخططا ومنفذا لهذه المجزرة، فهو المسؤول عن حماية من احتمى بعرينه، وحينما لم يجد مخرجا لهذه الورطة أقبل مسرعا وسعيدا يوقع مع رموز الثورة حينذاك؛ لأنه يريد أن يخرج من مأزق مجزرة القيادة.
وبالتوقيع على الوثيقة مع الجيش أخطأت قوى الحرية والتغيير في كونها أنقذت الجيش من مسؤوليته تجاه القتلى والجرحى والمفقودين حيث عمد الجيش بتكوين لجنة بقيادة نبيل أديب لمتابعة مجرمي المجزرة، فأنجزت هذه اللجنة مهمتها بقتلها للقضية.
الخطأ الآخر الذي وقعت فيه قوى الحرية والتغيير هي اعتقادها في أن هذا الجيش يمكن في يوم من الأيام أن يكون حليفا وناصرا لدولة مدنية، وما زالت تعيش وراء هذا السراب.
الفرصة الذهبية التي حصلت عليها قوى الحرية والتغيير بعد انتصار الثورة ليس فقط أضاعتها بل جعلت الجيش بعدها يتسيد الموقف السياسي، ليلعب بأربعة كروت.
الكرت الأول: بعد أن حقق الجيش مراده في الوثيقة بقيادة الفريق البرهان علم أن هذه القوى المدنية تفقد لأبسط مقومات الفهم السياسي، فتأكد بعد أن سحب البساط منها أنها ليس لها أي سند سوى الشارع، وسوف يتخلص بمرور الوقت، وباستيلائه على السلطة على قوى الشارع.
الكرت الثاني: أدرك الجيش بقيادة الفريق البرهان بأن هذه الأحزاب يسيل لعابها أول ما يذكر لها المحاصصات وامتيازات السلطة، فصار يلعب بهذا الكرت من أجل زعزعتهم
من جهة، ومن أجل تثبيت نفسه على السلطة من جهة أخرى، فها هو مرة ضم مجموعة منهم في حكومة الخامس والعشرين حكومة عسكرية مئة بالمئة ولم يكن المكون المدني فيها( جماعة أردول وجبريل ومني) سوى أدوات .
الكرت الثالث: هو كرت النظام البائد ظل يلوح الجيش بهذا الكرت من أجل إخافة قوى الحرية والتغيير به مرة ومن أجل تفضيلهم وتقديمهم عليه مرة أخرى.
الكرت الرابع: هو كرت الأطماع الخارجية، فقد وعد الجيش بقيادة البرهان بأنه سوف يحقق لكل الأطراف الخارجية أهدافهم في السودان فضلا عن وعده لهم بألا عودة للإسلاميين للحكم فقبلوا به شريطة أن يكون حكومة مدنية.
هذه الكروت الأربعة هي التي صنعت حكومة الخامس والعشرين من أكتوبر حينما تمكن الفريق البرهان من تقسيم قوى الحرية والتغيير إلى قسمين قسم قربه إليه أغراه بالسلطة ( جماعة أردول وجبريل ومناوي).
ثم تطورت ذات هذه القسمة بذات الفهم؛ لتشمل الجزء الثاني من قوى الحرية والتغيير  عبر (الاتفاق الإطاري).
هذه هي مآلات الثورة:
قوى سياسية ليس لها عمق سياسي وضعيفة أمام مغريات السلطة، وجيش لو يضحي بالشعب السوداني كله لن يتنازل عن السلطة للمدنيين.
هذه المآلات التي أقعدت الثورة تماما، ولم يبق منها سوى تاريخها تحتفل به اليوم.
فلا احتمال مع هذه المآلات سوى احتمالين.
الأول: أن يستمر الوضع على ما هو عليه:
قوى مدنية حاضرة غائبة، وجيش مشغول بالتلاعب بها.
أو ثورة جديدة قوامها الشارع والشعب تقتلع كل هذه الزروع الفاسدة؛ لتستبدلها بزروع نضرة مثمرة تحفظ البلد وأهله.
فهذه هي ميزة الشعب السوداني عن بقية الشعوب وهو أنه لا علاقة له إطلاقا بكل هذه السياسات.
فلا البشير كان وراءه شعب ولا الأحداث التي تلت الثورة كان وراءها شعب.
مجرد حفنة تدعي زورا وبهتانا أنها تعمل لمصلحة السودان وهي لا تعمل إلا لآخرين أو لنفسها.
فسوف يأتي يوم بإذن الله يتخلص هذا الشعب من هذه الحفنة.

المصدر : الانتباهة

 

تعليقات الفيسبوك

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى