عيسى السراج يكتب في الذكرى الـ66 لإعلان الاستقلال من داخل البرلمان في 19ديسمبر 1955
خطاب عبد الرحمن دبكة يصلح لأن يكون مادة ضمن مقررات مرحلة الثانوي والجامعة
دبكة يطالب بحكم ديموقراطي يعمل على بناء أمة يسودها الاطمئنان والرخاء
المحجوب يقول : تكاليف الاستقلال وأعباءه أكثر بكثير من أعباء الكفاح في سبيل تحقيقه
مبارك زروق .. يجب أن تكون الخطوة الأولى بعد الاستقلال توفير السعادة للشعب السوداني
الزعيم الأزهري رئيساً لأول حكومة وطنية والمحجوب زعيماً للمعارضة ومبارك زروق زعيماً لمجلس النواب
من أصعب الأشياء تسجيل ملف وافٍ لمجريات الأحداث التي سبقت إعلان الاستقلال في الأول من يناير عام 1956 , ولكن هناك شواهد معروفة أو يجب معرفتها , وفي هذه المساحة سأحاول بقدر الإمكان تسجيل بعض النقاط التاريخية المهمة في شكل مفاتيح للمعرفة للذين يريدون أن يتبحروا في هذا المجال .. وأنا شخصياً وبهذا السرد التاريخي البسيط أحاول تقديم خدمة لأبنائنا وشبابنا تعينهم على البحث والاطلاع حتى يلموا بتاريخ بلدهم تماماً وحتى يدركوا الخطوات التي سبقت استقلال البلاد .. وفيما يلي جانب من الأحداث المهمة.
في يوم الاثنين 19 ديسمبر 1955 انعقدت الجلسة التاريخية لمجلس النواب ومقره (المجلس التشريعي لولاية الخرطوم حالياً) وترأس الجلسة مولانا بابكر عوض الله، رئيس مجلس النواب ( ويعتبر بالطبع أول رئيس لمجلس النواب السوداني).. وفي بداية الجلسة وقف السيد عبد الرحمن محمد إبراهيم دبكة من نواب حزب الأمة عن دائرة عد الغنم بدارفور , وهذا الاسم تم تعديله فيما بعد إلى (عد الفرسان) بقرار من الرئيس القائد جعفر محمد نميري .. وقف عبد الرحمن محمد إبراهيم دبكة، مخاطباً رئيس مجلس النواب بقوله .. ( سيدي الرئيس .. أرجو أن أقتراح الآتي .. نحن أعضاء مجلس النواب في البرلمان مجتمعاً نعلن باسم الشعب أن السودان أصبح دولة مستقلة كاملة السيادة .. ونرجو من معاليكم أن تطلبوا من دولتي الحكم الثنائي ( مصر وبريطانيا ) الاعتراف بهذا الإعلان فوراً .. وأنني عندما أتقدم بهذا الاقتراح العظيم في هذه اللحظات التاريخية الخالدة أؤكد بأن كلمة الشعب السوداني المجيد اجتمعت على الاستقلال والسيادة للسودان .. ممثلة في التقاء السيدين الجليلين وتأييدهما الذي تم بعون الله ومرضاته ومصلحة البلاد العليا , وفي اجتماع كلمة الأحزاب والهيئات السودانية عند هذه الغاية الوطنية الكريمة , وفي هذا الاجتماع الرائع والشامل لجميع أعضاء البرلمان في هذا المجلس الموقر على إعلان استقلال السودان من هذا المنبر الشريف .. سيدي الرئيس .. إننا إذ نجيز هذا الاقتراح باسم الشعب ليصبح السودان بلداً مستقلاً ذا سيادة تامة , لا بد أن نتفق قليلاً لنستعرض صوراً من الماضي الخالد التليد .. ماضي أسلافنا الأبرار الأشاوش الذين هبوا خلف إمامهم العظيم محمد أحمد المهدي فحرروا السودان بالسيف والرمح والدماء .. وأقاموا دعائم الدولة السودانية المستقلة الحرة في الربع الأخير من القرن التاسع عشر عندما أرادت قوى الشر الغاشمة احتلال بلادنا فمات أجدادنا وأسلافنا دفاعاً عن الوطن .. فلتنعم أرواحهم الطاهرة في جنات الخلد .
سيدي الرئيس .. إن إعلان الاستقلال من هذا المجلس طبيعي ومشروع وواجب وطني مقدس .. بعد أن دخلت البلاد في الطور النهائي من مرحلة الانتقال, وإننا إذ نسجل للحكومتين المصرية والبريطانية تقديرنا لوفائهما بالتزامهما في اتفاقية السودان المبرمة بينهما في عام 1953 نأمل جادين أن تسرعا بالاستجابة لهذا النداء الصادر من برلمان الشعب السوداني وتعترفا باستقلالنا الكامل وسيادتنا التامة .
دبكة يقول .. إننا نريد حكماً ديموقراطياً
وأضاف دبكة قائلاً : ( إننا نريد لبلادنا في عهد الاستقلال حكماً ديموقراطياً صالحاً يضمن لجميع السودانيين من غير تمييز أو محاباة عدالة اجتماعية وتكافؤاً في الفرص , يريد الشعب حكما نزيهاً يطمس مفاسد الماضي البغيض ويعمل على بناء أمة موحدة يسودها الاطمئنان ويعمها الرخاء حتى تنعم بثمار كفاحها وجهدها الطويل . ( تصفيق حار )
مشاور جمعة سهل يثني اقتراح الاستقلال
هذا وبعد الكلمة التاريخية الضافية التي قدَّمها السيد عبد الرحمن محمد إبراهيم ( دبكة ) من نواب حزب الأمة تقدَّم السيد مشاور جمعة سهل من نواب الحزب الوطني الاتحادي مثنِّياً الاقتراح , حيث قال ) سيدي الرئيس .. إنني أثني هذا الاقتراح التاريخي الخطير , وأقدِّر مدى الشرف الذي ناله مقدم الاقتراح ومثنيه في جلسة كهذه سوف يسجلها في سجل الشرف تاريخ هذه البلد المجيدة , وسوف تكون حداً فاصلاً بين عهد الاستعمار الذي رزحنا تحته سبعة وخمسين عاماً، وعهد الحرية الكاملة .. والسيادة التامة .. والانعتاق الذي يجعل السودان أمة بكل مقوماتها لا تستوحي في شؤونها الداخلية والخارجية إلا مصلحة الشعب وإرادة الأمة , وتقيم علاقاتها مع كل الدول على قدم المساواة .. وأخيراً أهني زملائي النواب على هذا التوفيق وأهني الشعب السوداني بفجر الحرية الذي يطل اليوم من هذه القاعة , فيصل إشعاعه إلى كل ركن من أركان السودان ليبدد الظلام ويملأ أرجاء البلاد نوراً وسلاماً ورخاءً .
زعيم المعارضة محمد أحمد محجوب يعقِّب
هذا وبعد مداولات تاريخية مهمة .. تحدث السيد محمد أحمد محجوب زعيم المعارضة قائلاً : لقد بذلنا كل غالٍ وعزيز في سبيل استقلال السودان التام وسيادته الكاملة .. ولم نقبل في يوم من الأيام أنصاف الحلول , ولم نتهاون لحظة أو نفرط قليلاً , وإلا لضاع استقلال السودان .. وذهبت كرامته وأصبحنا نسياً منسياً بين الشعوب .. فما فرط آباؤنا وأجدادنا في حرية بلادهم إلى أن حصدهم الغزاة الغاصبين .. وأضاف المحجوب قائلاً : ليس الاستقلال التام الذي نعلنه اليوم من عمل الحكومة .. أو المعارضة .. ولا من عمل حزب من الأحزاب أو زعيم من الزعماء .. وإنما هو من صنع الشعب السوداني .. لقد عاهدنا شعبنا وأنفسنا على أن نقف سداً منيعا ضد كل من يحاول عرقلة استقلال السودان التام .. فأصطرعنا مع دولة ( النقراشي باشا) -رحمه الله- في مجلس الأمن يوم كان يطالب بوحدة وادي النيل وحرمان السودان من حق تقرير المصير .
ونختم خطاب السيد محمد أحمد محجوب الضافي بهذه الكلمات : ( إنني لن أتحدث باسم المعارضة .. وإنما أتحدث بلسان كل الشعب السوداني كما سيفعل بعد قليل زميلي ( مبارك زروق ) الذي سيتحدث باسم الشعب وليس باسم الحكومة , كما أنني أرجو أن نذكر جميعاً بأن تكاليف الاستقلال وأعباءه أكثر بكثير من أعباء الكفاح في سبيل تحقيق ذلك الاستقلال , ولنذكر أننا منذ هذه اللحظة بدأنا نحمل أعباءنا وحدنا .. وما أفدحها من أعباء , فلا يزال أمامنا إقناع الدولتين وحملها على الاعتراف باستقلالنا واقناع بقية دول العالم لتعترف باستقلالنا حقيقة وقانوناً .. ولا يزال أمامنا اختيار رأس الدولة بمقتضى أحكام الدستور الجديد , كما علينا أن ننتخب جمعية تأسيسية لتضع و تقر الدستور النهائي للبلاد .. وقانون الانتخابات , وكل هذه الأعمال تستوجب جمع الكلمة وتقتضي علينا أن نواجه المستقبل صفاً واحدًا حتى يجيء عملنا محققاً لآمال الملايين من أبناء البلاد , ويكفل الخير العميم لأبنائنا وأحفادنا من بعد .
مبارك زروق .. لا بد من توفير الحريات
وأخيراً تحدث السيد مبارك زروق زعيم المجلس قائلاً : (سيدي الرئيس : إن إعلان الاستقلال من داخل هذا البرلمان سيظل ذكرى حية لمدى ما يمكن أن يحققه الشعب الموحد الكلمة .. المؤمن بحق أن عملنا يجب أن يكون لمصلحة الشعب أولاً وأخيراً .. وأن يكون همنا هو العمل على سعادة ورفع مستواه ومحو الآثار التي خلفها في نفسه وجسمه ومجتمعه الاستعمار .. وأن نوفر له الظروف التي يتنفس بها الحرية .. وتنفتح فيها أبواب العرض أمامه .. وأن نعطيه الحرية التي يتمتع بها الأحرار في كل مكان .
هذا وأجاز مجلس النواب الاقتراح بالإجماع , وتحطمت الأغلال والقيود بإرادة الشعب السوداني الحر الباسل .
هذا في صباح اليوم الأول من يناير 1956 خرج المواطنون في العاصمة المثلثة وفي كل بقعة من أرض السودان يحتفلون بيوم الاستقلال المجيد , ويشهدون إنزال العلمين البريطاني والمصري وارتفاع العلم السوداني رمز الحرية والكرامة .
تواريخ ومواقف على طريق الاستقلال
1885 قيام دولة المهدية الإسلامية .
1904 انتفاضة آدم ولد محمد في سنار .
1908 انتفاضة عبد القادر ود حبوبة في الجزيرة .
1912 انتفاضة الفكي نجم الدين في كردفان .
1912 انتفاضة أحمد عمر في دارفور .
1924 انتفاضة جمعية اللواء الأبيض .
1936 الاتفاقية الإنجليزية المصرية .
1938 المؤتمر التأسيسي لمؤتمر الخريجين .
1944 قيام الأحزاب السودانية .
1953 اتفاقية الحكم الذاتي وتقرير المصير .
1954 قيام أول برلمان سوداني وأول حكومة وطنية .
1955 إعلان الاستقلال من داخل البرلمان (19 ديسمبر 1955 )
1956 ميلاد جمهورية السودان الديموقراطية .
أول مجلس وزراء وطني بقيادة الزعيم إسماعيل الأزهري
أول مجلس وزراء وطني تكون بقيادة الزعيم إسماعيل الأزهري , وذلك في الفترة من التاسع من يناير 1954 وحتى 16/11/1955 . على النحو التالي :-
السيد إسماعيل الأزهري .. رئيساً للوزارء ووزيراً للداخلية .
السيد حماد توفيق .. وزيراً للمالية .
السيد محمد نور الدين .. وزيرًا للأشغال .
السيد إبراهيم المفتي .. وزيراً للاقتصاد والتجارة .
السيد دكتور محمد أمين .. وزيراً للصحة .
السيد خلف الله خالد .. وزيرًا للدفاع .
السيد بولين البير ديبور .. وزير دولة .
السيد داك دي .. وزير دولة .
السيد علي عبد الرحمن الأمين .. وزيراً للعدل .
السيد ميرغني حمزة بكري .. وزيراً للمعارف والزراعة والري .
السيد يحيى الفضلى .. وزيرًا للشؤون الاجتماعية .
السيد خضر حمد .. وزيرًا بلا أعباء .
السيد أحمد جلي .. وزيرًا بلا أعباء .
السيد محمد أحمد المرضي .. وزيراً للحكومات المحلية .
السيد مدثر البوشي .. وزيرًا للعدل ( في أول تعديل وزاري بتاريخ 26/12/1954 ) .
السيد إبراهيم حسن المحلاوي .. وزيرًا للثروة المعدنية .
السيد حسن عوض الله .. وزيرًا للزراعة .
ملحوظة
18 حقيبة وزارية .. المصدر كتاب (الحكومات السودانية الوطنية) الصادر عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء في ديسمبر 2014م .
مجلس السيادة الأول 1956 : –
تكوَّن مجلس السيادة الأول في الفترة من أول يناير 1956 وحتى 16 نوفمبر 1958 , حيث تم حله في اليوم السابع عشر من نوفمبر 1958 بقرار من حكومة الانقلاب العسكري الأولى برئاسة الفريق إبراهيم عبود .. وكان المجلس يتكون على النحو التالي :-
السيد عبد الفتاح المغربي .
السيد أحمد محمد يسن .
السيد سرسيو يرو .
السيد الدرديري محمد عثمان .
المصدر: التيار