على مر التاريخ كانت بطولة كأس العالم التي تقام كل أربع سنوات، أكبر حدث كروي على مستوى العالم كانت مشاهدته مجاناً يبث عبر محطات التلفاز لكن مع التشفير وشراء حقوق البث لقنوات فضائية معينة مقابل اشتراك مالي أصبحت المشاهدة مدفوعة القيمة أمر واقع، فالسودان واحد من الدول التي بها شعبية كبيرة لكرة القدم أعدت فيها أندية المشاهدة والكافيهات المجهزة للمشاهدة الجماعية في المدن وحتى البوادي البعيدة.
“سوق الأندية ”
أفاد صاحب نادي مشاهدة وجد أصحاب أندية المشاهدة في أحياء الخرطوم ضالتهم في بطولة كأس العالم قطر 2022م، وانعش المونديال سوق الأندية بعد ركود دام لفترة طويلة، وشهدت الأندية في الأحياء الخرطومية كافة حضوراً جماهيرياً كبيراً لمتابعة المباريات من خلف الشاشات. يقول الشريف الطيب – صاحب نادي مشاهدة في منطقة الديم لـ (الجريدة): قبل المونديال كانت أندية المشاهدة تعتمد على بطولات المصارعة الحرة فقط، وهي مسابقات لديها جمهور نخبوي، وأصبح السوق شبه متوقف
وأضاف المونديال أعاد لنا الجمهور وانعش العمل بشكل كبير، ونحن في المقابل نقدم خدمات نوعية من بينها الشاشات الكبرى وخدمة القهوة المجانية والكراسي الفخيمة والمكيفات الباردة.
وتابع: تبعاً لارتفاع أسعار باقة الـ (بي إن سبورت) قمنا بزيادة تذكرة الدخول التي تبلغ (500) جنيه، للمباراة الواحدة. وأشار إلى أن مباريات المنتخبات اللاتينية مثل: البرازيل والأرجنتين بجانب بعض الفرق الأوروبية والأفريقية والعربية تحظى بمتابعة عالية. ولفت إلى أنه ورغم توفر أجهزة المشاهدة في المنازل لدى كثير من الناس، إلا أن متابعة المباريات في أندية المشاهدة ومراكز الشباب والمقاهي الكبيرة لها واقع مختلف.
“إنزال المنتجات ”
إفادة صاحب محلات معدات رياضية لم تنحصر فوائد المونديال على أندية المشاهدة فقط، بل استفاد أصحاب محلات الملابس والمعدات الرياضية من فترة البطولة لكسر حالة ركود الأسواق بفعل الغلاء وتراجع القدرات الشرائية للمواطنين.
وسارع أصحاب المحلات في السوق العربي وبحري وأم درمان إلى تجديد الأرفف بإنزال المنتجات القديمة والتركيز على عرض قمصان وبدلات المنتخبات المشاركة في كأس العالم من مختلف القارات خاصة الأزياء القديمة التي شاركت بها في عدد من البطولات.
يقول أمجد سليمان، صاحب محل معدات رياضية في السوق العربي لـ(الجريدة): منذ بداية المونديال شهدت الأسواق حركة دائبة خاصة من الشباب. وأضاف أصبح الطلب على المعدات الرياضية عال للغاية خاصة الملابس والأحذية الرياضية الخاصة بالمنتخبات.
وتابع: شعارات المونديال الحالية لم تدخل أسواق السودان بعد، لكننا نعرض المعدات الرياضية التي شاركت بها المنتخبات في كأس العالم 2018 وبطولات أوروبا. وأشار إلى أن المونديال انعش أسواق الملابس في ظل الركود التي تعاني منه حالياً.
الوجوه مألوفة
أما بالنسبة للمواطن سنهوري يسكن منطقة سوبا غرب ومن المداومين على مشاهدة مباريات كأس العالم أفادنا بأنه يبدأ المباريات النهارية أثناء فترة عمله في الخرطوم ويقتطع ساعات من العمل ويذهب إلى أندية المشاهدة المحيطة بالجوار التي تتفاوت أسعارها من ٣٠٠ ج حتى ٢٠٠٠ج، حسب تجهيز المكان من شاشات كبيرة ومقاعد مريحة ومكيفات الهواء، أما بالنسبة للمباريات المسائية تتزامن مع عودته للمنزل والحي السكني -أيضاً- يرتاد أندية مشاهدة موجود على امتداد الشارع الرئيس، حيث الوجوه مألوفة ومعظم المرتادين من أبناء الحي والأريحية أكثر والنقاش مفتوح للكل.
ومن ملاحظاته التي استوقفته بأن شقف مشاهدة المباريات عند الفئات السنية الأقل سناً يشهد انحسار ملحوظ عكس الفئات الأكبر منهم سنا مبيناً بأن الأجيال الصغرى تهتم بالدوريات الأوربية ودوري الأبطال أكثر من كأس العالم، أما بالنسبة للتشجيع كالعادة انقسم رواد أندية المشاهدة بعضهم يشجع البرازيل ونجمها نيمار والبعض الآخر الأرجنتين وأيقونتها ميسي، وهناك من يشجع فرنسا وأسبانيا والمانياكما لوحظ تشجيع المنتخبات العربية خاصة منتخب الخضر السعودية وأسود الأطلس المغرب الذين حققوا نتائج مبهرة تفوقوا فيها على منتخبات قوية كالأرجنتين وبلجيكا، إضافة لمنتخب السنغال أسود التارنجا وبلاك ستار أفريقيا المنتخب الغاني، وأضاف بأن هناك فناء كبير في مدخل الحي تتناثر فيه بائعات الشاي وتتجمع فيه مجموعات كبيرة من الشباب أصبح شبه خالٍ أثناء فترة مباريات كأس العالم، فلا شئ يعلو فوق كأس العالم ومبارياته والاستضافة الكبيرة والمميزة لنسخة كأس العالم، ومن جانبه اتفق من المتابعين لكأس العالم هيثم أحمد إسماعيل، مع سنهوري عن إقبال الأندية في الفترة المسائية لعدد كثير من المشجعيين، وقال: إن الفترة الصباحية حضور فئة معينة من الشباب نسبة لأغلب المتابعيين في العمل، وكشف هيثم على أن الدخول للأندية في الأحياء الشعبية بـ300 جينه، أما في الكافيهات الأسعار غالية جداً، إلا فئة معينة، وفي الأندية هناك فناء واسع لمشاهدة كأس العالم وأغلب المتابعين والمشجعين من الأحياء،واستطرد قائلاً: لا وجود لعنصر نسائي في الأندية الشعبية إلا داخل الكافيهات ونسبة قليلة جداً .
دخول النوادي
من الجنس اللطيف التقينا بسمر طالبة جامعية قالت بأنهم عنصر نسائي محرومين من دخول النوادي ومشاهدة مباريات كأس العالم خاصة في الأحياء الشعبية بسبب القيود الاجتماعية غير أنها استطردت بأنها تذهب مع زملائها أبناء وبنات الدفعة لإحدى الكافيهات المجاورة للجامعات بعد انقضاء اليوم الدراسي، ففي أثناء جلوسنا مع سمر اقتحمتنا مجموعة من الشابات يرددن أسماء لاعبين للمنتخبات الأجنبية ومعرفة كاملة ومتابعة لصيقة لكرة القدم ومجريات كأس العالم انتهت الجلسة والكل يراهن على منتخبه لنيل كأس البطولة ولاعبه المفضل والاستمتاع بما يمكن مشاهدته من مباريات المونديال.
قال الخبير الاقتصادي وائل فهمي لـ(الجريدة): إن دوري كأس العالم يعكس اتحاد شعوب العالم في لحظة زمنية معينة لتتحوَّل إلى شعب عالمي واحد تشترك مكوناته في تشجيع الفرق اللاعبة فيه كما يحدث في أي دوري محلي بالدول.
والشعب السوداني من أكثر شعوب العالم، الذي هو مكوِّن تاريخي لها، ولها بمباريات كرة القدم عموماً وكأس العالم خصوصاً والذي يأتي كل أربع أعوام، حيث كان تلفزيون جمهورية السودان ينقلها مجاناً للجميع ليتمكن حتى الفقراء وأبنائهم من المشاركة مع شعوب العالم الأخرى من مشاهدتها مجاناً ولو من تلفزيون الجيران والأندية، بل والساحات الفضاء ولو عبر المذياع (خاصة عندما تقطع الكهرباء أو في المناطق التي ليس بها كهرباء). إلا أنه مع مجئ حكومة الإنقاذ النيوليبراية والتي لبرلت كل شئ بما فيه نقل هذه المناسبة التي تمكن الشعب السوداني للاشتراك مع الشعوب الأخرى للتمتع بأداء فرق كأس العالم.
“تكدس بالأندية”
واستطرد قائلاً: رغم الأزمة الاقتصادية الحالية وماترتب عليها من ركود للقدرة الشرائية لغالب الشعب السوداني إلا أن المواطن ما زال يبحث عن ما ينعشه نفسياً بمباريات فرق القمة التي وصلت لكأس العالم المقامة -حالياً- بقطر حيث نجد تكدس الصغار، بل والكبار، في مختلف الأندية والكافيهات، بل وبعض الدكاكين والبقالات محاطين ببائعات الشاي وأصحاب الرقشات والعربات الخاصة.
هذه الظاهرة، التي يقوم بها القطاع الخاص (بدلاً من الحكومة سابقاً) لها فوائد اقتصادية مهمة في ظل الأزمة الحالية. وعلى رأسها هي انعاش أسواق النقل للمباريات (المكلفة لمعظم المشاهدين) إضافة لانعاش وسائل النقل وزيادة المشتريات (لمن استطاع إليها سبيلا) من الوقود والكهرباء والشاي والقهوة والطعام (عادة المشترك) بما يساهم في توفير فرص عمل (إضافية ولو جانبية على الأقل ولو مؤقتة) بما يؤدي إلى زيادة دخل هذه الوحدات الخدمية وربما العاملين بها بزيادة المشتريات منها (وأن كان يساهم، ولو طفيفاً، في الضغط على الأسعار لأعلى)، بما يمكن من زيادة إيرادات المحليات على الأقل ويخفف على موازنة الولايات والخزينة الاتحادية في ظل نظام ضريبي حديث.
لكن من منظور فاتورة نقل المباريات بالعملات الصعبة بواسطة العديد من مختلف وحدات وحدات القطاع الخاص أعلاه فحتماً ستكون مرتفعة بالمقارنة مع ما كانت تقوم به الحكومة سابقاً (كجهة احتكارية). ولا يجب إهمال من يتابعون هذه المباريات عبر الانترنت (ولو بالاشتراك أيضاً) عبر الشاشات الحديثة بما يشير إلى حجم ارتفاع المصروفات على خدمة نقل المباريات.
هذا لا يعني رفض قيام القطاع الخاص بنقل المباريات ولكن على الحكومة أن تقوم بتحليل التكلفة – العائد البسيطة التي تشمل عدد المحرومين -حالياً- من مشاهدة أكبر وأهم حدث عالمي لكافة شعوب الكرة الأرضية بما فيهم من هم في المحيطات والبحار.
السودان الجديد