بعد انقلاب قائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، العام الماضي، رفعت قوى إعلان الحرية والتغيير مع بقية القوى المناهضة للانقلاب شعار “لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية”، لأن الجميع استيقن أن البرهان وبقية العسكر لا أمان لهم، ولا يمكن في أي حال من الأحوال الوثوق بهم مرة أخرى، كما حدث في إبريل/نيسان 2019 أو أغسطس/آب من العام ذاته.
لم ينقض العام الأول من الانقلاب حتى جلست قوى الحرية والتغيير مع العسكر، بحجة أن التفاوض هدفه الرئيسي ردّ العسكر إلى ثكناتهم، وإنهاء الانقلاب، والعودة إلى المسار الديمقراطي الذي قطعه الانقلابيون في ليل مشؤوم. ولم يستوعب كثر من الثوار ذلك التراجع، لكن التحالف اجتهد في إقناع كثيرين بصحة وجهة نظره، وبمصداقية نواياه، وبتمسكه أثناء التفاوض بالأهداف الأسمى للثورة ومبادئها.
مع مرور الأيام، تكشّف أن التسوية التي تمضي فيها قوى إعلان الحرية والتغيير، تبقي بشكل أو بآخر على العسكر في المشهد السياسي، وتنقذهم ولو مؤقتاً من المحاكمة على جريمة الفعل الانقلابي، وعلى الدماء التي سفكوها طوال 12 شهراً، بما يصل إلى 120 شهيداً والآلاف من الجرحى وعدد آخر من المعتقلين. وعلى الرغم من النفي المتكرر لتحالف الحرية والتغيير لمعلومة الإفلات من العقاب، إلا أن العديد من المؤشرات والشواهد تؤكد ذلك، ومن بينها الترحيل الحالي لملف العدالة إلى مرحلة أخرى من التفاوض بينهم وبين العسكر.
تحالف الحرية والتغيير نفسه، التزم للشعب السوداني بعدم المشاركة في أي حكومة مدنية تُنشأ على أساس الاتفاق مع العسكر وتركها بالكامل لكفاءات مستقلة. وطبقاً لمعلومات حديثة، بحسب العربي الجديد فإن عدداً من مكونات التحالف شرعت في النكوص عن ذلك الالتزام وبدأت الحديث عن رغبتها في المشاركة في الحكومة المتوقعة. وبحسب معلوماتنا، فإن قادة أحزاب عبّروا عن تطلعاتهم للمنصب الأهم، أي رئاسة الحكومة، وفي ذلك تراجع عن مشروع الدستور الانتقالي حتى قبل أن يكتمل بصورته النهائية.
في كل المراحل، كان أمام قوى إعلان الحرية والتغيير أن تقول إنها مع الحلّ السياسي ومع المصالحة قبل العدالة، وإنها راغبة في العودة إلى الحكم مرة أخرى، وتقدم ما تراه من دفوعات. لكن أن تبذل تعهدات أمام الرأي العام وتتراجع في لمحة بصر، لهو أمر يخصم مزيداً من رصيدها السياسي الذي جمعته في السنوات الأخيرة، وقبل ذلك يُعدّ في العديد من موضوعاته مفارقة حقيقية لخط الثورة.
السودان الجديد