كشفت تقارير صحفية عن احتمالية تنحي رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، عن منصبه وتحوله للمجلس الأعلى للدفاع، وبحسب ما نقلت صحيفة (الحراك السياسي)، فإن هذا الأمر سيتم في غضون أسبوعين من المنتظر أن يصدر خلالها رئيس مجلس السيادة عدداً من القرارات.
رئيس مجلس السيادة قرّر التنحي وتسليم السلطة لحكومة مدنية بكل الصلاحيات، والبقاء على رأس مجلس الأمن والدفاع، وهي الخطوة التي يقرأها البعض في سياق الإعلان السابق لقائد الجيش بانسحاب القوات المسلحة من العملية السياسية في البلاد برمتها، لكن صحيفة (الحراك السياسي) التي نقلت الخبر عن مصادرها، قالت إن قرارات رئيس مجلس السيادة تسربت لتيارات إسلامية.
وأشارت إلى أن التيارات الإسلامية غاضبة جدًّا من البرهان ــ على حدّ تعبير الصحيفة وفق مصدرها، وألمحت إلى أنّ هذه التيارات تنوي مقاومتها بشدّة حسبما ذكرت. .
التنحي حالة سودانية
ولا تبدو مفردة التنحي عن السلطة في السودان أمراً رهيناً برئيس مجلس السيادة وفقاً للوثيقة الدستورية ورئيس مجلس السيادة والبلاد، عقب قرارات إصلاح المسار ما بعد 25 أكتوبر، فقد سبقه في طريق إعلان التنحي عن المقعد آخرون، ولعل الجميع تابع مثل هذه التصريحات من الرئيس المخلوع عمر البشير، وكان في كل مرة يتراجع عنها تحت ما يسمى بالضغوط، ولعل آخرها المبادرة التي تقدم بها عبد الله مسار للبرلمان من أجل التجديد للبشير مدى الحياة، وهي الخطوات التي تعزز من فرضية البعض بأن التلويح بالتنحي محاولة من أجل الهروب للأمام عبر بوابة السياسة، وهي محاولة من أجل إعادة ترتيب المشهد وفقاً لما يريد من أعلنوا التنحي، وفقاً لكثيرين في تحليلهم للحالة السودانية.
لماذا الآن ؟
بينما يظل سؤال لماذا تم تسريب خبر التنحي الخاص برئيس مجلس السيادة في الوقت الراهن؟ كما أن الأمر سبقته مجموعة من الأحداث.
لكن إعلان الرغبة في التنحي في هذا الوقت، وسبق أن كذب الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة حديث القيادي بقوى نداء السودان، محمد علي الجزولي، حول اتصال جمعه برئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقال الجيش إنّ ما ورد على لسان محمد علي الجزولي غير صحيح. وأمس الأول وفي تصريحات لقناة (الجزيرة) قال رئيس حركة (الإصلاح الآن)، حسن عثمان رزق، إن رئيس مجلس السيادة وحكومته يتعرضون لضغوط لا قبل لهم بها، وبحسب رزق الذي بدا متخوفاً من إمكانية موافقة قائد الجيش على تسوية تعيد قوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي” للسلطة، فإن الضغوط تمارس من قبل الدول الغربية، ومن فولكر، ومن الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي يعيد فتح السؤال حول ماهية الضغوط التي تواجه الرئيس البرهان في الوقت الراهن؟ ومعه سؤال آخر هل إعلان التنحي هو أحد آليات مقاومة هذه الضغوط؟
تأكيد المؤكد
قرار التنحي أو الابتعاد هو في الأساس تأكيد لذات الخطوات السابقة التي سبق أن أعلن عنها قائد الجيش بمغادرة المشهد السياسي، وذلك في أعقاب ما يصفه البعض بالفشل الذي لازم مشروع إصلاح مسار الثورة السودانية، وازدياد حالة التباين بين المكونات السياسية، مقروناً ذلك بعجز السلطة عن فرض الأمر الواقع، وسيادة حالة فراغ دستوري لما يقارب العام، هذه الخطوة مقرونة بالبحث عن التوافق الوطني دفعت بقائد الجيش لخيار الانسحاب، خصوصاً مع ارتفاع وتيرة المقاومة من قبل الثوار لمشروع الانقلاب، بحسب توصيفهم، لما حدث في صبيحة 25 أكتوبر، وهو ما دفعهم للخروج في مواكب تطالب بإسقاط الانقلاب، وبالضرورة تنحي البرهان، ومن معه من أعضاء لجنة البشير الأمنية وفقاً لتعبير الجذريين، مما يعني أن عملية التلويح بالتنحي لا جديد فيها.
الشروط
قبل يومين تم تسريب خبر حول عودة رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، لمنصبه في رئاسة الوزراء بعد أن غادره بالاستقالة، وكشفت تقارير صحفية أن حمدوك أبدى موافقة مشروطة حيال العودة إلى قيادة الجهاز التنفيذي للدولة. وقالت صحيفة (الحراك السياسي) الصادرة الأحد، إنّ حمدوك أظهر اعتراضاً شديداً تجاه موازنة الأمن والدفاع التي تحصل بموجبها المؤسسة العسكرية على ما يقارب (13) تريلون جنيه سوداني، في مقابل أن الصحة والتعليم والخدمات لا تصل حدّ (7) تريليونات، وأكدت الصحيفة تحفّظ حمدوك على نسبة الشركات العسكرية والأمنية التي يفترض عودتها إلى ولاية وزارة المالية، حيث إنّ نسبة (35%) هي ما تمثله جملة هذه الشركات مما تبقى. حسناً اشتراطات عودة حمدوك لا يمكن فصلها عن اشتراطات إمكانية حدوث التنحي نفسه، وسبق أن أعلن رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، استعداده للتنحي من منصبه حال تم التوافق بين القوى السياسية. وظل تحقيق التوافق الوطني هو الأمر الذي يربط به العسكريون مصيرهم في العمل السياسي.
من الشارع
لم يبدِ الشارع حماسة فيما يتعلق بردة الفعل على الخبر المسرب، واعتبره الكثيرون بمثابة محاولة أخرى لجس النبض وتحديد رؤية الشارع من الخطوة، فهو لا يعدو بمثابة الجديد في المشهد، بل إن الحديث عن التنحي يشبه الحديث عن مغادرة المشهد السياسي، وفي الوقت ذاته الحديث عن التسوية.
بينما يقلل شباب الثورة ولجان المقاومة من إمكانية حدوث هذا الأمر في الحقيقة، وهم يستدعون هنا مقولة الشهيد عبد السلام كشة “ما في سلطة مدنية يتم طلبها من العسكريين”، وعليه فإنه لن يحدث تنحي بتلك الصورة التي تم تسريبها لوسائل الإعلام، الطريق للتنحي في العالم الثالث لا يكون اختيارياً هكذا أثبتت التجارب، والدليل على ذلك تجربة الرئيس المخلوع الذي تنحى مجبراً بفعل قوة الضغط الجماهيري، باعتبارها الوصفة المجربة، وكل ما هو دون ذلك لا يعدو سوى كونه ممارسات سياسية من قبل أشخاص سبق أن لوحوا بمغادرة مسرح السياسة.
السوداني