تحقيقات وتقارير

الشد والجذب بين المدنيين والعسكريين.. هل ينتهي بشراكة جديدة؟

مداً وجزراً ظل هو طابع العلاقة المعلومة لدى الكافة بين العسكر وقوى الحرية و التغيير منذ قيام أول حكومة انتقالية مشتركة تشكلت عقب الإطاحة بنظام الإنقاذ في 11 أبريل 2019م، وما صاحب ذلك من أحداث مجزرة القيادة و ليس انتهاءً (باعتبار أن التداعيات ما زالت مستمرة) بانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر العام الماضي، الذي أطاح بحكومة الدكتور عبد الله حمدوك في نسختها الثالثة.
والمتابع لتسلسل الأحداث فإن عمليات التقارب والتباعد بين الطرفين (العسكر و المدنيين) تتسع وتبتعد تبعاً لانعكاسات الشارع وتداعيات العنف الذي تستخدمه الأجهزة الأمنية مع الشباب المتظاهرين فضلاً عن أن العلاقة الهشة التي جمعت بين الطرفين ابتداءً, خلقت واقعاً ملموساً من عدم الثقة وصل إعلان كل طرف رفضه الجلوس مع الطرف الآخر في (تربيزة واحدة). غير أن ما يثار هنا وهنالك بأن لقاءات تجري بين الطرفين عبر الوسطاء الدوليين (الآلية الثلاثية واللجنة الرباعية الدولية) داخل الغرف المغلقة بغية الوصول إلى تسوية تنهي حالة اللا دولة وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني الذي دخلت فيه البلاد خلال العام المنصرم بعد انقلاب خمسة وعشرين أكتوبر، تجري -حالياً- على قدم وساق رغم نفي الطرفين على لسان رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان خلال اجتماعه مؤخراً مع قيادات الجيش ومن قبل مركزية قوى إعلان الحرية والتغيير في مؤتمرها الصحفي الذي طرحت فيه رؤيتها للحل السياسىي .على كلٍّ تظل قوى الحرية والتغيير هي أكبر تكتل سياسي حدث في السودان استطاع بعد توحيده اقتلاع نظام الإنقاذ الذي استمر لثلاثة عقود, وتظل بالمقابل القوات العسكرية والأجهزة الرسمية هي التي انحازت ساعة الصفر إلى جانب رغبة الشعب السوداني في حتمية إزالة نظام الإنقاذ بعد أن وصل الحال لمرحلة اللاعودة ولكن يبقى السؤال لماذا تبدلت المواقف بين الطرفين وانعدمت الثقة و سرعان ما انهارت أعظم ثورة شهدها التاريخ، رغم تخطى الطرفين للقضية الأشهر المتمثلة في مجزرة القيادة، ووصل بين الشريكين لأن يطيح الجانب العسكري بشريكه المدني في أكتوبر من العام 2021م، وتدخل البلاد مرة أخرى في نفق مظلم يدفع ثمنه الشعب السوداني بعد أن أعاد انقلاب أكتوبر البلاد إلى مرحلة العزلة مجدداً.

ظلال بائدة
لا يوجد شد وجذب بين العسكر وقوى الحرية والتغيير كما يراه البعض، لأن كل طرف يعرف قيمة الطرف الآخر . ويعتقد الأستاذ والمحلِّل السياسي عبد الله آدم خاطر، أن ما يبدو في السطح صراعاً بين الطرفين تقف من ورائه بصورة واضحة مسائل مرتبطة بالنظام بالبائد والتي تعمل على جعل الجيش جزء من الحركة السياسية، وزاد هنالك قيادات في الجيش أصبحت جزءاً من القيادة التنفيذية، ولفت إلى أن الثورة مستمرة، وقال: إن المؤسسة العسكرية أشرف وأكبر من أن تحرِّكها مجموعة مرتبطة بالفساد و المؤامرات والانقلابات، وقال خاطر لـ(الصيحة): إن المؤسسة العسكرية اقتنعت أنه لا مستقبل للحكم العسكري في السودان، وأضاف برغم ملامح الاختلاف بين قادة العسكر والمدنيين, إلا مسار الحكم المدني والانتقال الديموقراطي يمضي على مشارفه ويقف إلى جانبه الشارع والمواطن والقوى الدولية و الإقليمية على استعداد لمناصرة الطرفين وقطع خاطر بأنه لا مناص من قيام حكم مدني في السودان، ولفت إلى أن هذه الحقيقة توصل لها وزير المالية خلال مشاركته الأخيرة في اجتماعات صندوق النقد الدولي بأن أي تعاون مع السودان لن يتم إلا في ظل قيام حكومة مدنية، وقال: يجب على السودانيين أن يمضوا نحو بناء دولتهم المدنية وأن لا نضيع الوقت في كلام لا طائل من ورائه .

تفاهمات
مصادر دبلوماسية عززت ما أعلنته قوى الحرية والتغيير أولاً وأقر به رئيس مجلس السيادة. ثانياً من أنه لا يوجد اتفاق ثنائي بين العسكر و”قحت” واعتبر ما يجري تفاهمات، لجهة أن انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021م، كان بمثابة فض للشراكة التي على أساسها قامت الحكومة الانتقالية التي انقلب عليها العسكر، مع الأخذ في الاعتبار أن “قحت” تمثل آلية القوى الثورية التي قادت الحراك الجماهيري في الشارع وكانت نتيجته الإطاحه بحكم البشير، ولفت المحلِّل الدبلوماسي السفير الصادق المقلي إلى أن التفاهمات التي تمضي الآن تضم إلى جانب الحرية والتغيير أطرافاً أخرى أهمها التضامن الدولي والإقليمي المنحاز للشارع السوداني المطالب بالحكم المدني الذي يعتبر أهم مطلوبات القوى المدنية، كما أن قحت هي الشريك الذي فض الجانب العسكري الشراكة معه، ويرى أيضاً أن التفاهمات التي تمضي مسنودة من قبل المجتمع الدولي والآلية الثلاثية و الرباعية والمحاور الدولية الضاغطة على العسسكر بما فيهم الاتحاد الأفريقي الذي جمَّد عضوية السودان فيه عشية إعلان الانقلاب، أضف إلى ذلك أصدقاء السودان والمجموعة الدولية المصرفية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) و غيرها من مؤسسات التمويل الدولي والإقليمي والوكالات الدولية المعنية بتقديم الدعم الإنساني والتنموي والتي فرضت عزلة كاملة بتجميدها كافة المشروعات التي بدأت تؤتي ثمارها في حكومة رئيس الوزراء المستقيل الدكتور عبد الله حمدوك، ويرى أن التقارب الذي يجري -حالياً- بين الطرفين ساهمت فيه كل المعطيات السابقة في أن يكون واقعاً لابد منه لأن السودان أصبح على وشك الانهيار في كل مناحيه، فضلاً عن أن المجتمع الدولي تحرِّكه مصالحه الاقتصادية والسياسية وأن تغلفت بالجانب الإنساني ويرى أن السودان بحكم موقعه الجيواستراتجي المميِّز وفقاً للغرب النظام العسكري لا يحقق فيه الاستقرار المنشود ولذا طوال السنة الماضية وما سبقها من تحرُّكات دولية عبر المبعوثين أو كبار الزوار توصلت لتحديد أطراف الأزمة في السودان وعلى وجه الدقة طرفي الشراكة ويعتقد المقلي أنه لا غضاضة أن تكون قوى الثورة المناهضة من لجان مقاومة وغيرها طرف أساسي في الحل في ذات الوقت تعمل أطراف أخرى غير أساسية على إرباك المشهد وهي القوى المساندة للانقلاب والأخرى المشاركة في النظام البائد .

استشعار الخطر
مراقبون ومتابعون لتداعيات الأحداث رأوا رغم الإنكار أن التقارب الذي بات وشيكاً بين طرفي الأزمة قوى الحرية والعسكر سببه الأساسي استشعار المكوِّن العسكري لخطورة الموقف وأن البلاد على وشك الانهيار أن لم تكن قد انهارت أصلاً وذلك بعد أن أوصدت كل الأبواب باتجاه حكومة الأمر الواقع من قبل المجتمع الدولي والإقليمي والرافض للانقلاب والذي وضع العودة للحكم الديموقراطي شرطاً لاستئناف أي تعاون مع السودان مستقبلاً ولفت المراقبون لفشل وزير المالية في الالتقاء بأيِّ من المسؤولين النافذين في مؤسسات التمويل الدولية خلال مشاركته الأخيرة في اجتماعات صندوق النقد الدولي التي تضم (193) دولة، وتمتلك الولايات المتحدة الأمريكية الرافضة للانقلاب المالكة لزمام الموارد المالية وتسييد المجموعة المصرفية (17%) من مواردها . أضف إلى ذلك كل الدول الغربية الحليفة لواشنطن جمَّدت تعاونها الاقتصادي مع السودان وبالتالي خسر السودان مساعدات كبيرة كان من المؤمل أن يحصل عليها إبان حكومة حمدوك، أهمها إعفاء ديون السودان بموجب مبادرة الهيبك بعد وصوله نقطة القرار وبالتالي إعفاء أكثر من أربعة مليارات دولار، وكانت الخطوة التالية الوصول لنقطة الإنجاز بالتالي إعفاء كل ديون السودان، ويرون أن الانقلاب عطَّل المساعدات التنموية والإنسانية .

مفاجأة 25
الشد والجذب الذي يتمظهر بين مكوني الشراكة (المدنيين والعسكريين) ناتج عن وضع سياسي راهن بسبب الانقلاب و لفت القيادي بقوى الحرية والتغيير الأستاذ آدم جرجير، دفع قوى الحرية والشارع الثوري لرفع سقف مطالبه باللاءات الثلاث لا تفاوض، لا شراكة ولا مساومة، وأضاف جرجير في إفادته لـ(الصيحة) إنه وبعد سنة من المماطلة وصل الجانب العسكري لقناعة أن من اعتبرهم حاضنة سياسية لن تستطيع فعل شئ خاصة وأن المجتمع الدولي بأثره يقف إلى جانب قوى الحرية والتغيير باعتبارها المكوِّن الشرعي الموقع على الوثيقة الدستورية التي قامت عليها الشراكة، ولفت إلى أن بعض الاختراق حدث بين قوى الحرية و التغيير بعد صدور الميثاق الدستوري لنقابة المحامين، ولفت إلى أن معظم القوى أبدت موافقتها عليه بما فيهم المكوِّن العسكري مع إبداء بعض الملاحظات فضلاً عن مساندتها من قبل المجتمع الدولي. واعتبر جرجير التوافق على الميثاق خطوة متقدِّمة باتجاه مزيد من التقارب وصولاً لوثيقة دستورية تحكم ما تبقى من الفترة الانتقالية، ويرى جرجير أن الملاحظات التي أبداها الطرفين ليست بالكبيرة ويمكن تجاوزها وتوقع تبعاً لذلك حدوث انفراجاً سياسياً قريباً إذا توافقت الأطراف وقدَّمت مزيداً من التنازلات، و قال: إن (90%) من القضايا التي شملتها الوثيقة لم يعترض عليها الجانب العسكري فيما أبدت قوى أخرى عدم اعتراضها المطلق على الوثيقة بحسب تصريح بالترحيب صدر عن رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان مني أركو مناوي ورئيس حركة العدل والمساواة د. جبريل إبراهيم.

الصيحة

تعليقات الفيسبوك

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى