يواجه المرضى السودانيون مجموعة من المصاعب والمشكلات في محاولتهم الحصول على علاج في الخارج، ما قد يدفعهم إلى العودة بخيبات أمل، ويعرض حالتهم الصحية لتدهور كبير.
وسط هشاشة النظام الصحي في السودان، يسافر آلاف من الأشخاص الذين يعانون من أمراض مختلفة إلى دول مثل مصر والأردن والهند وتايلاند وألمانيا وغيرها، لمحاولة الحصول على علاج لائق ومفيد لحالاتهم الدقيقة. وتقدّر تقارير غير رسمية إنفاق السودانيين بما لا يقل عن 800 مليون دولار سنوياً سعياً للتعافي من أمراض يسهل علاج بعضها في الداخل، كما يحدث في بلدان عدة تتعامل مع الحالات ذاتها.
ويعزو البعض تزايد رحلات السفر بهدف تلقي العلاج إلى تردي أوضاع المؤسسات الصحية الحكومية والخاصة، وعدم توفر علاج بالكامل أحياناً لبعض الأمراض، وافتقاد معدات التشخيص المناسبة والأجهزة الضرورية لإجراء عمليات دقيقة وحرجة، وكذلك إلى ضعف الكوادر الطبية المرتبك بأسباب عدة بينها الهجرات المتلاحقة للأطباء ذوي الكفاءات العالية إلى دول أوروبية وأخرى في الخليج العربي، وغياب الاستراتيجيات الحقيقية لتوطين العلاج في الداخل.
أصيب أبكر إبراهيم بمرض السرطان قبل فترة، وبدأ رحلة العلاج في السودان، لكن سوء البيئة في المستشفى الذي استقبل علاجه، وتزايد شكوكه في فعالية أجهزة التشخيص قاداه إلى دفع أكثر من 10 آلاف دولار للسفر إلى الهند حيث تلقى علاجاً جعله يتعافى ويعود سالماً إلى بلاده.
يقول إبراهيم لـ”العربي الجديد”: “دهشت من معدات أشعة التشخيص الحديثة في الهند، وهي من الجيل الخامس، في حين أن تلك الموجودة في مستشفيات في السودان من الجيل الثاني، كما أن الرعاية الطبية في الهند تختلف كلياً عن السودان، رغم أن الجرعات الكيماوية تمنح مجاناً في بلدنا، في حين يدفع المرضى أموالاً طائلة في الخارج، تشكل فعلياً إحدى عقبات تلقي سودانيين العلاج في الخارج، إلى جانب حاجز اللغة”.
ويرفض إبراهيم مقولة عدم تمتع الأطباء السودانيين بكفاءات عالية، “فبعضهم يبذلون جهوداً خرافية وخارقة لكن تنقصهم المعدات والبيئة الصالحة لتنفيذ مهماتهم الإنسانية التي قد تكون بالغة التعقيد أحياناً، وكذلك دعم المؤسسات الصحية التابعة للدولة لجهودهم المبذولة.
ويشير إلى أن مرضى آخرين دفعوا أضعاف ما دفعه شخصياً لإجراء عمليات جراحية دقيقة مثل القلب المفتوح، ويطالب بتوفير دعم مناسب للمستشفيات المتخصصة في السودان، مثل مستشفى الذرة بالعاصمة الخرطوم الذي يقدم خدمات لآلاف المرضى.
حيل السماسرة
بدوره، يقول هيثم محمود الذي رافق عدداً من أفراد أسرته في رحلات علاج مختلفة إلى مصر والهند وتايلاند والأردن، لـ”العربي الجديد” إن “السفر للعلاج ناتج من فقدان سودانيين كثيرين الثقة بالكوادر الطبية، وتلك التي تتولى مهمات مساعدتهم، لأنها لا تنفذ واجباتها بطريقة مناسبة كما يحصل في بلدان أخرى، حتى أن الخضوع لتخدير في العمليات الصغيرة والكبيرة بات هاجساً كبيراً لدى السودانيين بسبب أخطائه الكثيرة التي كلّفت أشخاصاً كثيرين حياتهم”.
ويحمّل محمود العادات والتقاليد السودانية جزءاً من مسؤولية اتخاذ السودانيين قرار السفر لتلقي العلاج، “فالمرضى لا يجدون راحة في تلقي الزيارات، سواء خلال وجودهم في المستشفى أو المنزل، بخلاف المستشفيات في الخارج التي لا يسمح فيها بالزيارات”.
ويلفت إلى أن مريضاً سودانياً قد يتواجد بين 10 مرضى أجانب في مستشفيات بالهند والأردن، وأكثر الأمراض التي يتعالجون منها هي السرطانات، وجراحات الغضروف واستبدال الركب وعمليات القلب.
ويعدد محمود جملة مشكلات يواجها السودانيون أثناء رحلات العلاج، ومنها عدم إلمامهم بعادات وتقاليد الشعوب التي يتعاملون معها، وعدم إجادتهم التكلم بلغاتهم أو حتى اللغة الإنكليزية الأكثر استخداماً عموماً. وحتى حين يتوفر لهم مترجمون لا يستطيعون إيصال المعلومات عن حالاتهم الدقيقة بحذافيرها، ما قد يؤثر في نجاح العلاج. أما الطامة الكبرى فتتمثل في وجود سمسارة يتولون ترتيبات العلاج في الخارج، من دون أن يخضعوا لأي مراقبة أو محاسبة من وزارة الصحة، أو متابعة لموضوع العمولات الطبية التي يحصلون عليها. وقد نصب بعض هؤلاء السماسرة أفخاخاً عدة لمرضى أرادوا العلاج في الخارج، واحتالوا عليهم. وعلى سبيل المثال سددت خلال إحدى رحلاتي للهند فاتورة علاج لقريب لي قيمتها 30 ألف دولار، لكن بعدما تواصلت مباشرة مع إدارة المستشفى المعنية وجدت أن قيمة الفاتورة أقل من 10 آلاف دولار. والأكيد أن حاجز اللغة يتسبب بأخطاء أحياناً تشمل استخدام الوصفات الطبية لشراء الأدوية، وتناولها بطريقة صحيحة، علماً أن العلاج في الخارج قد يكون احياناً لأمراض بسيطة، وإجراء عمليات يمكن تنفيذها في السودان.
ويقترح محمود تحسين جودة الخدمات في مستشفيات السودان عبر استبدال إداراتها الحالية السيئة جداً بأخرى متخصصة، وتأهيل المستشفيات والأطباء والكوادر المساعدة، وتحسين الخدمات، وكذلك تشكيل لجان متخصصة في السياحة العلاجية تتبع لوزارة الصحة وتتولى التعاقد مع أفضل المستشفيات في الخارج وتحسين التشخيص، وتوعية المرضى المسافرين بعمليات التحايل والنصب كي يجتنبوا سرقة أعضائهم البشرية أثناء العمليات الجراحية.
وفي مصر يرافق أبو خالد منذ أشهر طويلة ابنه الذي يتعالج من مشكلة في المسالك البولية، ويقول لـ”العربي الجديد”: “استنفذ العلاج الطويل كل ما لدي من أموال فطالبت أقرباء لي في الخليج بمساعدتي في رحلة العلاج الشاقة التي لا يعلم أحد متى تنتهي رغم التطور الطبي الكبير في مصر. وأنا لا أحصل على أي عون حتى من سفارة بلادي”.
من جهته، يقول الأمين العام لجمعية حماية المستهلك ياسر ميرغني لـ”العربي الجديد”: “الاستهتار العام الذي يحصل أثناء التشخيص أحد أهم أسباب الهرب إلى الخارج للحصول على علاج، والمستشفيات الكبيرة حتى تلك التي تتواجد في الخرطوم لا تقدم خدمات متكاملة، فقد يخضع شخص لفحص بالأشعة في الخرطوم، ويتولى استشاري في ام درمان فحص الصورة تمهيداً لتشخيصها وعرضها على طبيب معالج مقره في الخرطوم بحري. كما يساهم غلاء أسعار الدواء والعلاج في امتداد الظاهرة، علماً أن فوضى كبيرة ترافق تحديد الأسعار، والذي يحصل بحسب المزاج”.
يضيف: “عاد كثير من المرضى من رحلات علاج في الخارج جثثاً لأن سمسارة لم يقدموا أي خدمات لهم، ولم يساعدوهم في الشفاء. وأنا أنصح كل مريض بضرورة مراجعة أكثر من طبيب في الخارج، وقد رصدت جمعية حماية المستهلك حالات ميؤوسة لأشخاص جرى استنزافهم مع أسرهم مالياً، ثم حوّلوا لتلقي العلاج في مستشفيات ومراكز صحية معينة ومحددة داخل السودان، ما يعني الاشتباه في فساد أخلاقي كبير.
أما الطبيب محمد عبد الرحمن فيخبر “العربي الجديد” أن “الجميع يبحث عن جودة العلاج ورفاهيته، وهما ميزتان لا تحتكرهما المستشفيات المتواجدة في منطقة الخليج خصوصاً أن بعض مواطنيها يفضلون العلاج في أوروبا. أما في السودان فلا اهتمام بالسياحة العلاجية علماً أنها عنصر أساسي في نجاح عملية الشفاء من خلال توفير ميزات الدعم النفسي للمريض، والخدمات العلاجية المناسبة له التي تعجز غالبية مستشفيات البلاد أكانت حكومية أو خاصة عن توفيرها، علماً أن نزيف العقول والأطباء عبر الهجرة دافع واضح للعلاج في الخارج”.
يضيف: “تحتاج المنظومة الصحية الهشة أصلاً إلى دعم خارجي، الأول إنساني والثاني إنمائي. ويقصد بالإنساني الدعم الدولي للطوارئ الصحية، والثاني الدعم الانمائي المستدام الذي حاولت حكومة ما بعد الثورة توفيره وشرعت فعلياً في الحصول عليه، لكنه توقف بعد انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بقرار من المؤسسات الدولية والمانحين. لذا يتوقع أن تزداد هشاشة النظام الصحي، ما يزيد العبء على المواطنين. وأخشى أن تتفاقم الأزمة الاقتصادية الدولية وترتفع معدلات التضخم ويزداد الانفلات في الأسعار، ما يفاقم أزمة المرضى في السودان، ويحتم تكثيف رحلات العلاج إلى الخارج”.
العربي الجديد