قانون النظام العام.. جدلية الرفض بين التطبيق الخاطئ وخلل النصوص

ردود فعل واسعة لتصريحات مدير شرطة ولاية الخرطوم التي دعا فيها إلى اعادة قانون النظام العام بعد اجراء بعض التحديثات عليه، الأمر الذي جعل وسائل التواصل الاجتماعي تضج بتدبيج العديد من التعليقات الرافضة لهذه الدعوة، كما ادلى العديد من السياسيين والقانويين برفضهم للمقترح، مما دفع وزارة الداخلية بنفي اي اتجاه لعودة القانون وقالت إنها»ملتزمة بمعطيات المرحلة، وتتماهى بكل أجهزتها مع إرادة الشعب نحو التغيير».

وأضافت: «ليس هناك اتجاه لإعادة إنتاج تشريعات تواضع الشعب على رفضها باعتبارها مقيدة للحريات العامة ولا تتفق مع مطلوبات التغيير، وعلى رأسها قانون النظام العام الذي لن يعود أبداً بأي صورة من الصور».

وكان القانوني المعروف نبيل اديب رئيس لجنة التحقيق في فض الاعتصام بالقيادة العام عبر تصريح صحفي قال إنه يجب الاعتماد على القوانين لعلاج التفلتات التي حدثت بدلاً عن الكبت والعودة لقانون النظام العام، وذكر: كلما زاد الكبت زادت التفلتات، وأكد أن الأصل في القوانين احترام حريات وحقوق المواطنين وليس إخافتهم.

واشار أن علاج الظواهر السالبة يكون من خلال القانون والأسر، وأرجع المشكلات الأسرية الى وجود فجوة بين الأجيال بسبب تغير المفاهيم، والتطور المعلوماتي الكبير مما ينعكس في سلوكهم، قانون النظام العام ذهب الى مزبلة التاريخ ولن يعود.

إرث مرير للتجربة

وكانت منظمة العفو الدولية الناشطة في مجال حقوق الانسان في العالم قد رحبت بقرار الحكومة الانتقالية السودانية بإلغاء قانون النظام العام في وقت سابق، ووصفت القرار على لسان نائب مدير برنامج شرق أفريقيا والقرن الأفريقي والبحيرات العظمى، سيف ماغانغو، بأنه يمثل «خطوة إيجابية كبرى بالنسبة لحقوق المرأة في السودان. فقد تأخر إلغاء قوانين النظام العام كثيراً. وتم إلقاء القبض على العديد من النساء بصورة تعسفية وضربهن وحرمانهن من حقوقهن في حرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها وحرية التعبير بموجب هذا القانون التمييزي». ومضى ( إن عدداً من الناشطات والناشطين الحقوقيين السودانيين عدّوا هذا الإجراء جزئياً ولن يحقق منافعه الحقيقية للمرأة ما لم يشمل تعديل القانون الجنائي السوداني الذي كانت تستند إليه سلطات فرض القانون في مراقبة سلوك النساء والزي الذي يلبسنه.

وترى الدكتورة زحل الأمين أستاذة القانون الدستوري والدولي في جامعة النيلين في حديث لبي بي سي إن هذا القانون ظل مثيراً للجدل من ناحية تطبيقه ومن ناحية ما ترتب عليه من انتهاكات. فهو مقروناً مع القانون الجنائي السوداني «يجرم سلوكيات شخصية ويمنح سلطة تقديرية واسعة جداً لمنفذيه بمختلف طرقهم في التفكير ورؤاهم وأيديولوجياتهم، فكان يطبق بطريقة مزاجية جداً وبالتالي عانت النساء كثيراً منه».
كما أشارت منظمة العفو الدولية بتقرير سابق لبعض سلبيات تجربة قانون النظام العام إبان العهد البائد واستشهد ببعض الوقائع وقالت إنه في 3 يوليو 2009، ألقى القبض على 13 امرأة في مطعم أم كلثوم في منطقة الرياض، بشرقي الخرطوم، لارتدائهن البنطلون في مكان عام.

ووجهت إلى النساء، بمقتضى المادة 152 من القانون الجنائي لسنة 1991 ،تهمة »ارتداء زي فاضح أو مخل بالاداب«. واعترفت عشر منهن بالذنب وعوقبت كل منهن على الفور بعشر جلدات وبغرامة مقدارها 250 جنيهاً. بينما كانت أربع منهن من جنوب السودان. وكانت ثلاث من النساء دون سن 18 عاماً ولم تعلن براءتها من بين النساء الثلاث عشرة سوى ثلاث، في مقدمتهن لبنى حسين، حيث أكدن على ممارسة حقهن في طلب الاتصال بمحام.وطعنت الكاتبة الصحفية لبنى في شرعية القبض عليها بغرض لفت الأنظار إلى محنة أعداد كبيرة من الفتيات والنساء في السودان ممن يتعرضن للمضايقات والإذلال وسوء المعاملة بسبب القانون. وقامت بدعوة 500 صحفي وصديق لحضور إجراءات المحكمة يوم الأربعاء 29 يوليو 2009 . وفي مقابلة مع فضائية العربية، أوضحت لبنى أنه ليس ثمة من يمكن أن يصدق بأنها كانت ستجلد لارتدائها ملابس عادية ما لم يشهد تنفيذ العقوبة بنفسه.
وفي صباح محاكمتها، احتشد ما يربو على 100 ناشط خارج مبنى المحكمة لمؤازرتها. وتعرض بعض هؤلاء للضرب والاعتقال على أيدي الشرطة. وعقب تأجيل محاكمتها مرتين، حكم عليها بغرامة بقيمة 500 جنيه سوداني أو بالسجن لمدة شهر واحد. ورفضت لبنى دفع الغرامة واقتيدت إلى سجن النساء في أمدرمان. وأفرج عنها في اليوم التالي بعد أن دفع اتحاد الصحفيين قيمة الغرامة دون رغبة منها.
وتضيف المنظمة إذ دأبت السلطات على اعتقال أعداد كبيرة من النساء بانتظام بموجب هذه القوانين، ولكن العديد من هؤلاء كن يلتزمن بالصمت بسبب الصدمة النفسية المترتبة على الاعتقال والعقوبة و خشية من النبذالاجتماعي الذين سوف يعانينه إذا ما سمع الناس باعتقالهن.
التطبيق أم النصوص ؟
في الوقت الذي تؤيد فيه العديد من المنظمات الحقوقية والتيارات السياسية إلغاء قانون النظام ، يرى بعض القانونيين والكيانات السياسية والنخب أن الخلل يكمن في تطبيق القانون لا في نصوصه ويرون أن اختبار العناصر المناسبة لتطبيق القانون يمكن أن يحل اشكالية التطبيق ويقولون إن التفلتات المتمثلة في التحرش الجنسي والتي تحدث سيما إبان الاحتفال برأس السنة تعود أساساً لطبيعة الزي الذي كن يرتدينه بعض الفتيات الذي شكل نوعاً مغرياً لدوافع التحرش وإن تفعيل تطبيق القانون من شأنه أن يحد كثيراً من تلك التفلتات ، في حين يرى البعض الآخر أن العلة تكمن اساساً في القانون ونصوصه الفضفاضة التي تتحدث عن الزي المحتشم دون معايير منضبطة مشيرين للمادة (192( في القانون الجنائي التي تتحدث عن الزي أو الأفعال المخلة بالاداب فضلاً على وجود مواد عقابية تنص على الجلد واطلاق يد الشرطة في مخالفات تتعلق بالزي أو اتيان اعمال تصف بشكل تقديري أنها مخالفة للاداب والسلوك العام وفق رؤية خاصة للشرطي مثل جلوس الشاب والشابة في الحدائق العامة بأنه يمثل سلوكاً مخالفاً للاداب، كذلك يدعو البعض إلى تضمين بعض المواد في القانون الجنائي بشيء من الضبط في الصياغة القانونية بحيث يمكن أن تحدد بدقة الأفعال المخلة للسلوك العام حماية للأمن الاجتماعي من الفوضى وجرائم التحرش الجماعي التي تعتبر تعدياً على حقوق المرأة وكرامتها .
ولا شك ان الجدل سيكون مستمراً في إيجاد معادلة بين تطبيق معايير منضبطة للشارع العام وفي ذات الوقت دون المساس بالحرية الشخصية .

المصدر : الانتباهة

Exit mobile version